ثالثا: التهميش الإجباري
هناك من يتبارون في القول بأن الأقباط اختاروا الانسحاب من الحياة السياسية لأسباب تتعلق بهم, منها أن الكنيسة استحوذت عليهم. ووصل الأمر إلي قول د. فتحي سرور في حديثه إلي تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية أنه لا يوجد تمييز ضد الأقباط (!), وأنهم يفضلون العمل في مجال البيزنس علي مجال السياسة. وأكد د. مصطفي الفقي أن الأقباط يعيشون في ظل مبارك عصرهم الذهبي الثاني.
مع عدم إنكار ظاهرة انسحاب الأقباط, إلا أنه لا توجد دراسة جادة تبين أن السلبية العامة بين الناخبين الأقباط تزيد عنها بين المسلمين. ومن ناحية أخري, إذا أخذنا في الاعتبار أن الأقباط قد انخرطوا في الحياة الوطنية والسياسية والنقابية خلال النصف الأول من القرن العشرين بصورة واضحة, وبما يتعدي وزنهم الديموغرافي النسبي; فلا بد أن نستنج أن انسحابهم الحالي ليس إلا رد فعل لتهميش إجباري يمارس ضدهم.
أثبتنا من قبل, بالأرقام, أن هناك سقفا لا يمكن أن تتجاوزه نسبة الأقباط في الوظائف (وليس فقط المناصب العليا) في أجهزة الشرطة والجيش وفي الحكم المحلي والقضاء والقضاء الإداري والسلك الدبلوماسي والكادر الجامعي إلخ. وهذا السقف لا يتجاوز 2%, إضافة إلي كون دخول الأقباط في بعض الجهات أمر محظور أصلا. وبدلا من علاج المشكلة ـ الذي هو بالتمام في أيدي الدولة علي كافة المستويات ـ أنكرت وزيرة القوي العاملة والهجرة في خطاب لها أمام منظمة العمل الدولية (2 يونية 7002) واقع الفرز الوظيفي تماما, وزادت بقولها (طبقا للنص الموجود علي موقع الوزارة): تشير البيانات الدولية أن ما يزيد علي ثلث إجمالي الثروة القومية في مصر يملكها أقباط, في حين تبلغ نسبتهم _01%_ من مجموع السكان. ولم تذكر السيدة الوزيرة مصدر تلك البيانات الدولية التي تدرس تضاريس الاقتصاد المصري علي أسس دينية… لأنه بالطبع لا وجود لها.
بالعودة إلي عنوان هذه المقالات, سنكتشف أن تعبير الحواجز يوحي بوجود معوقات أو معطلات يمكن للمرء أن يزيحها أو أن يتخطاها بالقفز عليها أو السير حولها أو حتي بالزحف أسفلها.
وما لم يحدث تغير جذري في توجهات القيادة السياسية فلا أمل في أي تقدم علي صعيد اندماج كافة مكونات المجتمع المصري في النـظام السياسي. إنه لا مخرج لمصر من نفق التخلف المظلم بدون اتباع أسس الدولة الحديثة التي يعرفها العالم المتحضر, وفي القلب منها مباديء العلمانية والمساواة واحترام حقوق الإنسان والمواطنة بصورة عملية, ومحاسبة المسئولين عن إهدارها أو تجاهلها.
[email protected]