سؤال:
في قصة كورنيليوس وردت الآيات الآتية: يقول فبينما بطرس يتكلم بهذه الأمور حل الروح القدس علي جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة, فاندهش المؤمنون من أهل الختان, كل من جاء مع بطرس لأن موهبة الروح القدس قد انسكبت علي الأمم أيضا. لأنهم كانوا يسمعونهم يتكلمون بألسنة ويعظمون الله, حينئذ أجاب بطرس أتري يستطيع أحد أن يمنع الماء حتي لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن.
فهنا سؤالان: ما الداعي للتكلم بالألسنة في هذا الموقف وما الهدف منه؟ والسؤال الثاني: هل الروح القدس يحل قبل العماد وما المغزي من حلوله قبل العماد؟
الجواب:
يقول ما الداعي للتكلم بالألسنة في هذا الموقف وما الهدف منه؟ الداعي للتكلم بالألسنة أن يكون علامة ظاهرة تقنع بطرس الرسول والمؤمنين اليهود الذين من أصل يهودي, الذين هم من أهل الختان, والمؤمنين المسيحيين الذين كانوا من أصل يهودي. تقنعهم بأن هؤلاء الناس مقبولون أمام الله, وأنهم يمكن أن يدخلوا المسيحية ويمكن أن يعمدوا, لأن اليهود من شدة اعتزازهم بأنفسهم كانت عقليتهم راسخة أنه مهما آمن إنسان غير يهودي فإنه لا قبول له, ولذلك كان في العهد السابق علي مجئ المسيح له المجد, كان الناس الذين من اليونان أو الرومان أو الذين ليسوا من أصل يهودي, إذا أراد أحدهم أن يتهود أو يدين أو يعتنق الديانة اليهودية ويتعبد علي الطريقة اليهودية, كانوا يسمحون له بأن يتعبد علي الطريقة اليهودية, إنما كانوا يسمونه دخيل, أي لا يأخذ حقوق الأصيل, مهما كانت تقواه وكان لا يسمح له بأن يقيم مع اليهود الآخرين, وإنما يقيم في رواق خاص اسمه رواق الأمم. كانت هناك أربعة أروقة خارج المعبد نفسه, رواق اسمه رواق الكاهن كان يقيم فيه الكهنة عندما يكون عليه الخدمة, لأنه كان يقيم مدة طويلة أسبوعين مثلا, يقيم بصفة دائمة ليوقد الشمع ويقدم البخور بالليل وبالنهار فكان يقيم. فطبعا لا يصح أن يقيم في داخل المعبد, فكانت هناك الغرف الخارجية الملحقة بالهيكل, وكانت هناك غرف ثلاثة طوابق, فكان الكهنة الذين عليهم النوبة والقرعة يبقون لمدة أسبوعين في السنة أو أكثر أو أقل بحسب التنظيم, ينامون ويأكلون ويقيمون في هذه الغرف وكان يسمي رواق الكهنة. وكان هناك رواق آخر يسمونه رواق إسرائيل يقيم فيه الرجال من غير الكهنة, العلمانيون أو المدنيون عندما يحب أن يقدم ذبيحة أو شئ من هذا القبيل, ليس له الحق في أن يدخل القدس لأن القدس لا يحق لغير الكهنة أن يدخلوه, إنما الناس غير الكهنة يقيمون في رواق اسمه رواق إسرائيل, أيضا النساء لهن رواق آخر يسمي رواق النساء, لذلك ستنا مريم عندما ذهبت تقدم عن تطهيرها ما أمرت به الشريعة كانت في رواق النساء. الرواق الرابع هو رواق الأمم ويقيم فيه الناس الذين ليسوا من أصل يهودي لو أرادوا أن يتعبدوا علي الطريقة اليهودية, فيسمح لهم بأن يقيموا لكن لا يقيمون في رواق إسرائيل إنما في رواق خاص اسمه رواق الأمم, وكانت هناك تحذيرات باللغات الثلاث بالعبرانية واليونانية والإيطالية أو اللاتينية, تحذيرات تمنع أنه إذا واحد من هؤلاء الأمم تعدي حاجز معين فإنه يقتل. هنا كانت مشكلة عندما كان كورنيليوس رجل إيطالي فرأي ملاك من السماء, وكان هذا الرجل صائما, إنما كان متعبدا علي الطريقة اليهودية إلي الساعة التاسعة من النهار, وكان واقفا يصلي فظهر له ملاك من السماء, وقال له: صلواتك وصدقاتك صعدت تذكار أمام الرب فأرسل إلي يافا واستدعي سمعان الملقب بطرس, الله يريد أن ينقله أو يدخله إلي الديانة المسيحية, فقال له أرسل إلي سمعان الملقب بطرس يكلمك كلاما تخلص به أنت وأهل بيتك سمعان بطرس وإن كان هو أحد رسل المسيح وأكبرهم سنا, إنما إنسان مازال متأثرا بالأفكار اليهودية, لم يكن حتي ذلك الوقت يمكن بسهولة أن يقبل في داخل المسيحية رجل طلياني. لأنه كان يهوديا لكن الله يريد أن يقبله فكيف يقنع بطرس وهو يهودي والتراث اليهودي في دمه, وسيطرة الفكر اليهودي مسألة ليست سهلة أن تتغير, وهذه المشكلة كانت كبيرة جدا, ونشأ بسببها خلاف بين بطرس الرسول وبولس, واستدعي الأمر إلي عقد المجمع الرسولي الأول لكي يحل هذه المشكلة فحتي هذا الوقت كان بطرس الرسول إنسانا يهوديا متأثرا بالأفكار اليهودية, وحتي هذا الوقت لا يقدر أن يقبل أمميا يدخل إلي الديانة المسيحية إلا إذا جاء له أمر صريح من الله, في هذه الحالة يقدر أن يقبله, إنما بمجرد عقيدته القديمة وتسلط الفكر أن اليهودي هو فقط المقبول, هذه مسألة تمنعه من أن يقبل رجلا مثل كورنيليوس, لذلك في نفس الوقت الذي فيه رأي كورنيليوس هذه الرؤيا, الملاك ظهر لبطرس الرسول في البيت الذي كان يقيم فيه, رأي رؤيا أنه صعد فوق السطح يصلي, وبينما كانوا يهيئون له ويعدون المائدة رأي سماط أو ملاءة نازلة من فوق, وفيها من حيوانات الأرض الطاهرة وغير الطاهرة, وصوت من السماء يقول له: قم يا بطرس اذبح وكل, فاستغرب وقال: لم يدخل يارب في فمي نجس أو دنس, كيف أذبح وآكل الخنزير وأذبح الحيوانات الممنوعة, قال له: ما طهره الله لا تنجسه أنت. رفعت الملاءة إلي فوق, وبعد ذلك نزلت مرة أخري وفيها نفس الحيوانات الممنوعة والمقبولة, قم يا بطرس اذبح وكل, قال بطرس لم يدخل يارب في فمي نجس أو دنس, قال له ما طهره الله لا تنجسه أنت, بعد ذلك ارتفع السماط للسماء, وبعد وقت قليل نزل مرة ثالثة وفيه الحيوانات الممنوعة والحيوانات المقبولة وصوت من السماء يقول: قم يا بطرس اذبح وكل, قال له: لم يدخل يارب في فمي دنس أو نجس فارتفعت الملاءة إلي السماء. وبينما بطرس متحير في معني هذا الكلام, إذ بثلاثة رجال يطرقون الباب يقولون: هل هنا سمعان الملقب بطرس؟ نزل بطرس فاستقبلهم وقالوا له: يوجد واحد اسمه كورنيليوس قائد مائة من الكتيبة التي تدعي الإيطالية, هذا الرجل كان يصلي وكان يصوم إلي الساعة التاسعة من النهار, وكان يتصدق ويعمل أعمال رحمة. فظهر له ملاك من السماء, وقال له صلواتك وصدقاتك قد صعدت تذكارا أمام الرب, فأرسل إلي يافا واستدعي سمعان الملقب بطرس يكلمك كلاما تخلص به أنت وأهل بيتك, رجل من الكتيبة التي تدعي الإيطالية يقول له سمعان هو الذي يكلمك كلاما به تخلص أنت وأهل بيتك. بدأ هنا بطرس الرسول يفهم معني الرؤيا. لولا هذه الرؤيا لكان بطرس الرسول يرفض أن يقبل هذا الإنسان في دائرة المسيحية, الرؤيا معناها أن الله يفهمه أن ما طهره الله لا تنجسه أنت, ليس معناها أن الله يريده أن يأكل لحم خنزير, لا.. المقصود أنها وسيلة إيضاح تقول له الذي قبله الله, لا ترفضه أنت. هذا هو المعني, لذلك بطرس الرسول بدأ يفهم معني الرؤيا, ذهب معهم ودخل بيت كورنيليوس, وانظروا الكلام عندما دخل قال لهم: أنتم تعلمون أنه محرم علي رجل يهودي مثلي أن يدخل بيت أممي, هذا الكلام يشرح الجو والسياق للآية, ولكن الرب علمني أن لا أقول عن شئ إنه دنس أو نجس. هنا بطرس الرسول وضع النقط علي الحروف, واعتبر أن الرؤيا التي رآها ليس المقصود منها أنه يذبح حيوانات ويأكل, بل معناها أن هذا الرجل أنا قبلته, وعلامة القبول أني أرسلت له ملاكا من السماء لا ترفضه أن يدخل المسيحية. وبدأ يكلمهم فرأي فيهم علامات القبول للتعليم المسيحي الذي عرضه سمعان علي هؤلاء الناس, من ضمن علامات القبول روح المسكنة والخضوع, قائد المائة قام وسجد لأنه أحس أن بطرس عنده شئ هو محتاج إليه, والملاك أمره أن يذهب إليه, ولذلك بطرس الرسول أقامه وقال له: قم أنا أيضا إنسان, فوجد بطرس علامات القبول ليس فقط من كورنيليوس ولكن أهل بيته أيضا, وكورنيليوس جمع أيضا أصدقاءه ومعارفه كما يقول الكتاب, والجيران الذين كانوا حوله وكلهم من الأمم, فهنا الله أراد أن يعطي علامة القبول أيضا بشكل واضح ظاهر, فحل الروح القدس عليهم فتكلموا بالألسنة قبل أن يعمدهم. لأنه لم يكن من الممكن أن يقبلوا العماد ويدخلوا إلي المسيحية إلا بعلامة معينة من السماء, أن الله قبل هؤلاء الناس أو ممكن أن يقبلهم, حل الروح القدس علي كورنيليوس أو علي هؤلاء الناس وهم من أصل أممي بعلامة ظاهرة, لأن من غيرها ما كان يمكن لسمعان بطرس أن يقبل كورنيليوس في المسيحية. إجابة علي سؤال هذا الأخ الذي يسأل لماذا حل الروح القدس قبل العماد؟, ولماذا كان هناك التكلم بالألسنة؟, كان كعلامة ظاهرة علي أن هذا الإنسان الله قبله, فلابد لسمعان بطرس أن يقبله وأن يعمده. ومن دون هذه العلامة الظاهرة ما كان أن يقبله في العماد؟ نعم ممكن أن يحل بل لابد أن يحل الروح القدس قبل العماد, لكي يجعل الإنسان يطلب العماد لأن مواهب الروح القدس مختلفة, فهي لا تبدأ بالعماد ولكن ما قبل العماد, لكي تقود الإنسان إلي الإيمان فيطلب الإيمان, هو روح الإقناع أو الالتهاب الذي يحسه الإنسان غير المؤمن يشعر به ويطلب أن يصير مسيحيا ويطلب العماد, وهذا الكلام قاله الكتاب المقدس لا يستطيع أحد أن يؤمن بالمسيح ربا إلا بالروح القدس. إذن هناك عمل للروح القدس سابق علي المعمودية, ليهيئ قلب غير المؤمن لكي يندفع بالحماس ليطلب الإيمان, أو ليطلب أن يؤمن وليطلب أن يعتمد, وقد تكون العلامة الحماسة, والحرارة الروحية, والنخس الذي في القلب, انظر الكتاب مثلا في يوم الخمسين يقول علي الناس بعد عظة بطرس الرسول فنخسوا في قلوبهم وقالوا ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة فسمعان بطرس قال لهم توبوا وليعتمد كل واحد منكم فهنا أولا توجد عملية نخس, والنخس هو عمل من أعمال الروح القدس قبل المعمودية هو الذي يقود إلي الإيمان, وهذا ما قال عنه الكتاب لا يستطيع أحد أن يؤمن بالمسيح ربا إلا بالروح القدس.
إذن الروح القدس له عمل, لكن هناك تخصصات مختلفة, يقول أنواع مواهب مختلفة ولكن الروح واحد, ولكن كل موهبة لها تخصص, ففيه حلول الروح القدس قبل العماد ليحرك الإنسان ليطلب العماد ويطلب الإيمان, ثم المعمودية تعطي موهبة والميرون يعطي موهبة أخري, ثم سر التوبة ثم التناول إلي آخره, كل الأسرار وكل المواهب الأخري, الكتاب المقدس لم يقل موهبة واحدة, قال هناك أنواع مواهب مختلفة, ومن كل موهبة من هذه تتفرع مواهب أخري مثل موهبة النبوءة, وموهبة تمييز الأرواح, وموهبة السلطة كما قال روح السلطة ومواهب مختلفة. فكل موهبة من هذه المواهب وتفريعاتها مختصة في زاوية معينة أو في نعمة معينة.