تحولت حلوان تلك المدينة التي كان المرضي يتوجهون إليها للاستشفاء إلي واحدة من أكثر مدن العالم تلوثا بسبب السياسات غير الحكيمة التي سمحت بإنشاء مصانع الأسمنت والحديد والصلب والمصانع الحربية في هذه المدينة, كما تمثل كارثة لأهالي المنطقة لما تسببه من أمراض خطيرة وتلويث المياه والجو وإصابة المواطنين بالسرطان, وأصبح أهالي حلوان شهودا علي هذا التلوث, حتي جاء قرار الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء بتشكيل لجنة برئاسة المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة نقل مصانع حلوان خارج المحافظة لتقليل التلوث بها مع مراعاة البعد البيئي والاجتماعي وحول هذا الموضوع أجرت وطني هذا التحقيق.
قال الدكتور حازم القويضي محافظ حلوان إن مشروع نقل الصناعات الملوثة للبيئة خارج الكتلة السكانية قد يواجه بعض الاعتراضات, ولكن المصلحة العامة تقتضي تنفيذ هذا المشروع من خلال دراسة متوازنة تحافظ علي القواعد الإنتاجية لهذه المصانع, بالإضافة إلي الالتزام الكامل بحقوق العمالة المادية والاجتماعية, والحفاظ علي الكيانات الصناعية بطاقاتها الإنتاجية الحالية علي الأقل والعمل علي تطويرها مستقبلا.
أشار الدكتور حازم القويضي إلي أن نقل مصانع الأسمنت في الفترة المقبلة سيكون تدريجيا, بمعني أنه سيتم نقل الخطوط الإنتاجية التي تحتاج لتغيير, ولن يتم نقل خطوط الإنتاج التي تعمل بكفاءة جيدة, مشيرا إلي أن هذا الأمر قد يحتاج لسنوات طويلة لنقل المصانع بكافة خطوطها الإنتاجية, ولكن النقل سيؤثر إيجابيا علي البيئة بحلوان بعد أن عانت سنوات طويلة من التلوث بسبب التلوث.
كما سيكون النقل طبقا لخطة مرحلية تبدأ من 7 إلي 18 عاما فالخط الذي ينتهي عمره الافتراضي سيتم تجديده بأحد مصانع السويس أو بني سويف حتي تنتهي كل الخطوط.
خطة لنقل المصانع
أوضح سيد طه رئيس النقابة العامة للبناء والأخشاب وعضو مجلس الشوري أنه صدر القرار 615 لسنة 2009 من المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة بتشكيل لجنة من جهات مختلفة لوضع خطة لنقل مصانع الأسمنت بحلوان للقضاء علي التوث, ولكن المشكلة هي أننا فوجئنا بقرار من وزير التجارة بتشكيل اللجنة للدراسة ومكونة من جهات مختلفة من محافظة حلوان, والهيئة العامة للتخطيط العمراني, دون وضع النقابة العامة للبناء والأخشاب ضمن اللجنة المنوط بها وضع الدراسة خاصة أن قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976, وتعديلاته الذي يحتم مشاركة التنظيم النقابي في مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعن عملية النقل لمصانع الأسمنت والحديد والصلب ومخالفاتها للقانون الخاص بالإدارة المحلية رقم 34 لسنة 1979 أشار طه إلي أن المادتين 30 و49 من القانون والخاصتين بمجال الصناعة علي إشراك المجلس الشعبي المحلي والمنوط به مناقشة الموضوع, وبعد ذلك تحديد النقل والمناطق الصناعية بالمحافظة وليس خارجها, حيث إن وجود هذه المصانع مرتبط بحياة سكانية ونشاطات مختلفة في المنطقة, وأخذ رأي وزارات التخطيط والمالية, والقوي العاملة, خاصة أن هذه المصانع موجودة منذ أكثر من نصف قرن فلماذا الآن؟.
من جانبه أكد سيد طه أن عملية النقل ستكون مكلفة جدا وتحتاج إلي أراض جديدة ومحاجر وغاز طبيعي أو صناعي وبنية أساسية كاملة, فالتكلفة تصل إلي مليارات الجنيهات, وتم حساب نقل مصنع القومية للأسمنت فقط, وصلت تكلفته حوالي 9 مليارات جنيه للنقل فقط, في حين أن إزالة التلوث من المنطقة يتكلف 500 مليون جنيه, فعملية النقل فكرة ساذجة والهدف منها تسقيع الأراضي وبيعها للمستثمرين, في ظل عدم وجود ضمانات للعمال.
استخدام تكنولوجيا ملوثة!!
أما النائب عبدالرحمن خير عضو مجلس الشوري عن دائرة المعادي وحلوان والتبين قال إن عملية التلوث خاصة في محافظة حلوان ترجع إلي استخدام تكنولوجيا ملوثة مع الانفتاح الخطوط طردت من أوربا إلي مصر وتأثر بها المزروعات والبشر وتم اقتراح تركيب فلاتر وتم تركيبها بالفعل في مصانع الأسمنت, ولكن مصانع الأسمنت لم تستجب, ففي فترات الليل يتوقف عمل الفلاتر.
أشار عبدالرحمن خير إلي أن هناك تكنولوجيا تستخدم لمنع التلوث في المصانع علي طراز أوربا فلماذا الإصرار علي نقل المصانع, مما يؤثر علي البنية الاقتصادية والاجتماعية, وأنه سيتم استغلال هذه الأراضي في مشروعات سياحية, عن طريق مافيا الأراضي, وتحويل تلك الأراضي إلي منتجعات سكنية, فشركة أسمنت طرة منطقة سياحية يقع جزء منها علي الوادي والنيل, وتطل علي أهرامات الجيزة من ناحية الغرب, ومساحتها مساحة حي كامل قد تصل إلي أكثر من 800 فدان, متسائلا أين كان قرار النقل هذا منذ 25 عاما, خاصة أنه تم التقدم بثلاثة طلبات إحاطة عام 1983 في مجلس الشعب, ولم يستجب أحد, كما أنه تم عمل استجواب من قبل الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضد الشركة القومية للأسمنت.
نوه النائب عبدالرحمن خير إلي شركة طنطا للكتان, وشركة النيل للمحالج في عدم وجود ضمانات حقيقية تضمن حقوق العمال عند المستثمرين, فهذه النماذج تؤكد علي عدم وجود ضمانات حقيقية للعمال.
ضرورة سرعة نقل المصانع!.
كما طالب محمد المليجي عضو مجلس الشوري عن الصف وأطفيح بالإسراع وتنفيذ مشروع نقل المصانع وأخذ الموضوع مأخذ الجد, حيث الظهير الصحراوي والمساحات المتوافرة به, والعمال لم يتأثروا, فالمسافة لا تبعد 20كم إلي 25كم عن المكان الأساسي, خاصة أن مراحل النقل متفرقة وتتم علي مراحل في إطار خطط خمسية.
ودعا محمد أبوالعينين رئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب إلي نقل المصانع من المنطقة المكدسة بالسكان من التبين إلي حلوان, فالذين يعيشون في حلوان هم مصريين ويجب أن يعيشوا في بيئة نظيفة وغير ملوثة, فوجود المصانع في حلوان يعد مصدرا لتلوث المدينة بأثرها, فيجب السرعة في الإنهاء من نقل المصانع للقضاء علي هذا التلوث الذي يسبب في مرض الأطفال والكبار بأمراض الصدر والتحجر الرئوي. مؤكدا علي أهمية المظهر الحضاري بالمدينة.
مصانع تلوث البيئة!
أما النائب المحمدي عبدالمقصود عضو مجلس الشعب عن حلوان علق قائلا إن هذه المصانع ملوثة للبيئة خاصة لسكان منطقة حلوان والحوامدية, فالأتربة العالقة تسبب أمراضا خطيرة, مشيرا إلي توقف خطوط الإنتاج لبعض المصانع في عام 2003 إلا أن الإصابة بالأمراض مازالت مستمرة مسببة التحجر الرئوي وسرطان الرئة, خاصة أن الآثار المرضية لا تظهر إلا بعد 35 عاما من التعرض, فالتأثير متراكم ويظهر علي المدي البعيد والطويل.
وأكد النائب المحمدي علي أن الشركات الفرنسية والإيطالية التي تملك هذه المصانع تأخذ حق انتفاع من الدولة لمدة 99 عاما, خاصة أن الفائدة من بيع مصانع الأسمنت والأراضي التابعة لها ستعود لتلك الشركات. وسعر متر الأرض عندما تقام عليه وحدات سكنية بتخطيط عالمي سيصل إلي 10 آلاف إلي 15 ألف جنيه للمتر الواحد.
البعد البيئي.. وتوفيق الأوضاع
أما اللواء أحمد حجازي رئيس قطاع التنمية الصناعية بوزارة الدولة لشئون البيئة قال إن المبادرة التي قامت بها وزارة البيئة هي نقل ثلاثة عشر خطا من مشروعات مجموعة السويس للأسمنت وطرة وحلوان, مشيرا إلي أن البعد البيئي هو أهم أسباب نقل المصانع مع مراعاة البعد الاجتماعي للعمال, والحفاظ علي حقوقهم اجتماعيا وماليا. وكذلك الحفاظ علي الطاقة الإنتاجية للعمال, فقد تم خطة النقل لتكون متوافقة مع التنمية العمرانية, وأن الوزارة تقوم بتوفيق الأوضاع للمصانع المقامة حاليا بحلوان, وأن الوزارة تدعم مصنع طرة وحلوان بمبلغ 25 مليون دولار من خلال مشروع مكافحة التلوث الصناعي, وتدعيم الشركة القومية للأسمنت بمبلغ 15 مليون دولار لتوفيق أوضاعها.
أكد اللواء حجازي أنه يتم نقل مصانع الأسمنت طرة وحلوان والقومية للأسمنت كأسبقية أولي, يتم نقل المصانع الأخري مصانع الحديد والصلب, وفحم الكوك كأسبقية ثانية, مشيرا إلي أنه تم ربط الرصد الإلكتروني بالشبكة القومية لرصد الانبعاثات الصناعية, وتم تعديل الحد الأقصي للانبعاثات إلي أن تصل إلي مرحلة مثل الاتحاد الأوربي بشكل يراعي البعد البيئي, وتعديل أجهزة التحكم في الفلاتر.