الحكم الذي أصدرته المحكمة الجنائية العليا العراقية يوم الثلاثاء الموافق 26 اكتوبر 2010 بإعدام السيد طوبيا ميخائيل حنا الشهير بطارق عزيز عيسي,وزير الإعلام والخارجية ونائب رئيس الوزراء في نظام صدام حسين, في تقديري هو حكم قاس وغير عادل وغير مبرر وغير أخلاقي ويرتقي إلي كونه جريمة ضد الإنسانية. فطارق عزيز رجل عمره 74 عاما ويعاني من جعبة أمراض منها ثلاث جلطات دماغية سابقة, وفاقد القدرة علي الكلام ويعاني من شبه شلل, كما أنه لم يكن له أي دور في الجرائم التي وقعت في عهد صدام ,ودوره الرئيسي اقتصر علي تحسين صورة النظام امام المجتمع الدولي.والحكم جاء نتيجة لدوره المزعوم في ملاحقة الأحزاب الدينية الشيعية في ثمانينيات القرن الماضي ومنها حزب الدعوة الذي يترأسه رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي, واعتقد أن طارق عزيز لكونه مسيحيا لم يتدخل في هذا الخلاف الإسلامي ولم يكن له اصلا دور يذكر في السياسة العراقية الداخلية. من الممكن أن يكون صدام قد اتخذ اجراءات قاسية ضد هذه الأحزاب بعد محاولة حزب الدعوة اغتيال طارق عزيز عام 1980, ولكن ما ذنب عزيز في ذلك؟, فالفعل في النهاية قام به رئيسه وفي يد رئيسه.
علاوة علي أن طارق عزيز محكوم عليه بعقوبتين احداهما خمسة عشر عاما والثانية سبعة اعوام بمجموع 22 سنة قضي منها سبعة اعوام وسته أشهر منذ أن سلم نفسه للقوات الأمريكية في 24 ابريل 2003,أي أنه بحكم سنه وأمراضه سيموت حتما في السجن كما صرح هو من قبل.
والسؤال لماذا هذا الحكم الشاذ ضد رجل مسن ينتظر قدره في اي وقت في السجن؟.
في تقديري أن السبب الرئيسي يعود إلي الحديث الشامل الشجاع الصريح الذي ادلي به طارق عزيز لصحيفة الجارديان البريطانية في أغسطس 2010, بالإضافة طبعا إلي اسباب أخري تتعلق ببنية النظام الطائفي الجديد الذي يحكم العراق اليوم والذي تسيطر عليه الرغبة في الثأر والانتقام بعيدا عن ضمانات العدالة وأسسها وقواعدها,مما يجعل الأحكام القضائية تخضع لرغبات الساسة وخاصة الشيعة منهم وعلي رأسهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي المتهم بارتكاب جرائم وأعمال عنف وتعذيب ضد مواطنيه العراقيين والكثير منها بدوافع طائفية, كما أنه اظهر استبدادا مبكرا جعله يعمل علي تعطيل تشكيل الحكومة لمدة تزيد عن سبعة أشهر محتميا في النهاية بمساندة إيرانية, ومن ثم فإن إحكامه وسلوك حكومته ليست فقط مصبوغة بصبغة دينية شيعية ولكن أيضا بصمات إيران واضحة جدا فيها.
نعود إلي الحديث الشامل الذي أدلي به السيد طارق عزيز من سجنه لأول مرة منذ اعتقاله لصحيفة الجارديان البريطانية والذي كان سببا في تقديري لهذا الحكم, حيث إنه انتقد بشدة خطة الرئيس أوباما لسحب القوات الأمريكية من العراق معتبرا أن ذلك معناه ترك العراق للذئاب, وقال إن الولايات المتحدة وبريطانيا قتلتا بلدنا, وعندما ترتكبون خطأ يجب أن تصححوا هذا الخطأ وعدم ترك العراق ليموت, وأضاف ## أن العراق لم يبق فيه أي شيء إلا اسمه, ##لا شيء## وأن العراق بحاجة إلي قيادي عراقي قومي قوي##.
ودافع طارق عزيز عن نفسه قائلا ##مضي علي سجني سبعة أعوام وأربعة أشهر## وأضاف قائلا ##ولكن هل ارتكبت أية جريمة ضد أي مدني أو رجل دين أو عسكري, الإجابة لا##. وأكد عزيز أنه لم يلعب أي دور في القرارات ولا علاقة له بما نسب الي الرئيس السابق من الجرائم فمهامه كانت سياسية الطابع قائلا ##كل القرارات اتخذها الرئيس, وكان موقعي سياسيا, ولم أشارك في اية أعمال ##جرائم## وجهت لي شخصيا, ومن بين مئات الشكاوي لم يذكر أحد اسمي##. وكلنا عاصرنا اللقاء الشهير لطارق عزيز وجيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي عام 1991 ورفض عزيز مجرد استلام رسالة من الرئيس بوش لتوصيلها إلي الرئيس صدام حسين لأنه لم يكن مخولا له من رئيسه حمل هذه الرسالة, فدور طارق عزير كان أقرب لدور بطرس غالي في مصر وهو تقديم خبرته ونصائحه للنظام والدفاع عنه امام المجتمع الدولي في الصواب وفي الخطأ, فدوره في الداخل استشاري وفي الخارج محامي عن النظام.
وعن غزو صدام للكويت قال عزيز ##إن كل الاتهامات التي وجهت اليه جاءت لعلاقته بالنظام كونه كان مسئولا فيه ##كوني عضوا في الحكومة فقد كانت علي مسئولية اخلاقية للدفاع عنها## وإذا ##عدت للوراء فقد طلبت من صدام عدم غزو العراق ولكن كان علي أن ادعم رأي الاغلبية## في الحكومة. وعن قرار الغزو يقول ##عندما تم اتخاذ القرار, سألته (صدام) أنه سيقود الي حرب مع الولايات المتحدة وأنه ليس من مصلحتنا إعلان حرب ضد الولايات المتحدة, لكن القرار تم اتخاذه, وكنت وزيرا للخارجية وكان علي الدفاع عن البلد وأن أعمل كل ما بوسعي لشرح موقفها##.
والمهم أن قيادة شيعية كبيرة هي رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي قال لمحرر الجارديان ## ##قل لطارق عزيز انه صديقي وانه يفكر به## وأضاف علاوي أن عزيز رجل ##جيد وأعرف عائلته جيدا, أتمني الخير له ومن الخطأ اعتقاله كل هذه المدة فهو رجل عجوز##. وطلب علاوي من المحرر إبلاغ عزيز سلامه وتمنياته.
وقال عزيز للصحيفة إنه نادم علي تسيلم نفسه للقوات الأمريكية, ولكن خوفه علي عائلته هو الذي جعله يتخذ هذا القرار عبر صفقة معهم حيث غادرت عائلته العراق علي متن طائرة أمريكية للأردن وسلم هو نفسه للسجن.
ورفض طارق عزيز أن ينتقد نظام صدام وهو مسجون معتبرا أن ذلك انتهازية ونفاق للحكام الجدد وقال ## إن الحكمة هي جزء من الحرية وعندما أكون حرا وأكتب بحرية عن الحقيقة عندها يمكن أن أتحدث ضد أعز صديق##.
الخلاصة أن هذا الحكم جائر وظالم وانتقامي ويفتقد مقومات العدالة ويتنافي مع حقوق الإنسان, كما أنه يعكس ما وصل إليه حال العراق الآن من طائفية وتردي.