*من العوامل التي يقاس عليها مدي تقدم ومدنية وآدمية مجتمع أو دولة درجة احترام الأقليات.ومن ثم فإن المرء لا يتعجب عندما يلاحظ وجود شخص زنجي أسود(أو آسيوي أصفر)ضمن مجموع من البيض,في كل إعلان أو برنامج تليفزيون أمريكي,وكذا في الملصقات في وسائل المواصلات العامة,وفي أفلام السينما وعروض المسرح وغيرها.وكل من عاش منا في الولايات يعرف ذلك جيدا,يجري ذلك هناك كعرف سائر يهدف إلي قبول شريك الوطن,والتعايش مع وجوده المقبول بل والمطلوب.
*كان ذلك في أمريكا…نعود إلي مصر منذ أيام ظهر عضو بنقابة الصحفيين يصرخ متشنجا…موجها صراخه لسيدة فاضلة:أنت مرتدة,أنت كافرة,ومشيرا نحوها:دي واحدة يجب قتلها!!هكذا بكل بساطة,والسيدة (د.بسمة موسي -أستاذة في طب قصر العيني) ترد بأسلوب مهذب وأدب يليق بها:أرجوك يا أستاذ…هذا لا يصح…أنا بهائية لكني لا أتدخل في حرية العقيدة لدي الآخرين.
*بعد عرض البرنامج التليفزيوني انطلق مئات من شباب قرية الشورانية بسوهاج في حرق أربعة منازل تملكها خمس أسر تعنتق البهائية,مع الإعتداء علي سكان آمنين ضمن هتافات صاخبة:بهائي كافر,وبما اضطر أولئك السكان علي هجر موطنهم…ومنهم المريض والتلميذ وغير القادر ماديا!!هذا مع أن البهائية موجودة في مصر منذ بداية القرن الماضي,تماما كما أن فيها جماعات سلفية,وصوفية,وجهادية ثم وهو الأهموهابية.
*الملاحظ هنا أن العقيدة لها تصور واحد لدي كل طائفة,وأن فكرة الأغلبية تقوم هنا-كذلك-علي التسلط وليس المشاركة إهمالا لمبادئ وحقوق المواطنة وحرية الاعتقاد التي يكفلها الدستور المصري.
*لن أقلب المواجع ولن أسترجع العديد من مآسيمستجدةعلي مصر لكني أقول:التحريض علي القتل ليس من الإسلام ولا من الوطنية في شئ وكلنا يقول:من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر,وليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء,وكذلكليست عليهم بمسيطر…كما نقول:طوبي للرحماء لأنهم يرحمون,طوبي للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله,طوبي لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون…وأيضا:الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط.
*في مصر مواطنون:سنة,شيعة,أقباط,نوبيون,بدو,بهائيون,يهود..هم جميعا أصحاب الوطن والحق,جميعا دون استثناء,جميعا…مرة عاشرة,جميعا….
ومن ثم فإن من المؤلم بل والمخزي أن يتم شحن وتحريض صبيان تزيدهم تهورا أفكار دخيلة,لتنفيذ فتوي السيد الصحفي العبقري,المهذب المتدين,الشهم الجرئ…الذي استأسد علي سيدة رقيقة…وعلنا…مصدرا عليها حكما بالقتل,غير قابل للنقض,وبما تحقق معه الأمل والمراد,والقصد من الكفاح الهادف لرفعة شأن الوطن وأجياله القادمة:حرق ونهب واعتداء!!!وتشريد مواطنين…شركاء وأصحاب حق.
أليس لهذا المسلسل من نهاية؟هل حققنا كل الأحلام,وأنهينا كل الأزمات,ونجحنا في كل المجالات,ولم يبق إنجازا سوي ممارسة حرية الحرق؟؟
[email protected]