حتي كتابة هذه السطور كان الجدل محتدما والإدانة مستمرة للعمل الأحمق المجنون غير المسئول الذي يخطط له القس تيري جونز, راعي كنيسة ## دوف وورلد أوتريتش## بمنطقة جاينسفيل بولاية فلوريدا الأمريكية, بحرق نسخ من القرآن يوم الحادي عشر من سبتمبر تعبيرا لتضامنه مع الضحايا!!!.هذا العمل المستفز, والذي أشك أنه سيحدث, بعد تسارع إدانته والتحذير منه من قبل الجهات الرسمية والجمعيات غير الحكومية, علاوة علي أنه عمل معزول تقوم به كنيسة محلية بشكل منفرد لا تشاركها فيه أي من الكنائس أو الطوائف المتعددة في الولايات المتحدة او خارجها, بل علي العكس كان مثار استهجان واستغراب وإدانة من الكنائس الكبري في أمريكا وخارجها منذ الإعلان عنه.
قام تجمع الكنائس الإنجيلية في أمريكا, وهو يمثل تجمع اكبر الكنائس البروتاستنتية في أمريكا بإصدار بيان يحذر فيه جونز وكنيسته من التوترات التي تسببها هذه الخطوة للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين حول العالم, كما ناشده البيان لوقف هذا المشروع.
وفي ولاية فلوريدا ذاتها هناك مبادرة من الكنيسة المثودية بعقد مؤتمر للسلام والتفاهم بين الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام والهندوسية والبوذية يوم 10 سبتمبر لتفويت الفرصة علي جونز وعلي عمله الأحمق, وأدان القس دان جونسون مدير منتدي ## جنشفيل للأديان## ما يخطط له القس جونز وقال إنه سينظم منتدي ديني تحت شعار ## السلام والتفاهم والأمل##. من ناحية أخري ندد الفاتيكان بدعوة تيري جونز لإحراق القرآن واعتبرها دعوة تتعارض مع الإيمان المسيحي, وصدرت الصحيفة الرسمية للفاتيكان ## وفي صدر صفحتها الرئيسية ## لا أحد يجب أن يحرق المصحف##, مضيفة أن الإدانات لهذا العمل تتصاعد من كافة فروع الكنائس الكاثوليكية وخاصة في اسيا. وقال أسقف لاهور ورئيس المجمع الأسقفي الباكستاني لورانس جون ## نندد بشدة بهذه النية وهذه الحملة التي تتعارض مع الاحترام الواجب لكل الديانات وتتعارض مع ايماننا وعقيدتنا##.
وعلي نفس الطريق تقود الناشطة الحقوقية الأمريكية شارل تشارلي تجمعا للتصدي لهذا العمل علي طريقة مارتن لوثر كنج ليس المحزن فعل الأشرار ولكن صمت الاخيار, حيث صرحت إن كل ما يحتاجه الشخص الماكر هو أن لا يتصدي له الشخص العاقل. ووصل تعضيدها للمسلمين بأنها ستقوم بارتداء الحجاب هي والنساء المشاركات معها في الاحتجاج في حين أن الرجال سيرتدون الكوفيات رغم أنها مسيحية ولكن ارتداءها للحجاب خطوة رمزية في هذا اليوم للتعبير عن التضامن مع المسلمين.
وحتي منظمة ##أكت فور أمريكا## والتي تتصدي للتطرف الإسلامي وتعارض بناء مسجد الجراوند زيرو, أصدرت بيانا تعترض فيه علي حرق المصحف.
علي المستوي الرسمي اعرب البيت الأبيض عن قلقه من هذا العمل, وقال المتحدث باسمه روبرت جيتس إن هذه الخطوة ## تضع قواتنا في خطر, وأي نشاط من هذا النوع يعرض قواتنا للخطر هو مصدر قلق بالنسبة لإدارتنا##. واعتبر قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس أن هذا المشروع في حالة تنفيذه سيخدم حركة طالبان وسيهدد في نفس الوقت حياة الجنود والجهود الدولية في كل أنحاء العالم, فنحن موجودون في مجتمعات إسلامية, مضيفا أن هذا العمل يشبه ما تقوم به حركة طالبان. وندد أمين عام حلف شمال الأطلسي أندرس فوج راسموسن بدعوة تيري جونز مؤكدا أن ذلك يعرض حياة الجنود الدوليين في أفغانستان للخطر.
ولكن السؤال هل حرق القرآن عمل قانوني في أمريكا؟.
وفقا للتعديل الأول للدستور الأمريكي حرق القرآن أو الانجيل أو اي كتاب ديني آخر لا يمثل جريمة في القانون الأمريكي طالما أن ذلك لم يصاحبه عنف ضد أحد, ولكن هذا التصرف الأحمق يندرج تحت مفهوم ##إساءة أستخدام الحق##, فهناك الكثير من الحقوق يساء استخدامها في العالم كله.وحدث كثيرا أن قام بعد الطلبة الملحدين بتمزيق الانجيل أمام زملائهم في الجامعات الأمريكية وهم يدعونهم للالحاد دون أن يتعرض بهم أحد, وكلها أعمال صبيانية ضارة وغير مسئولة.
هل قام هذا القس الأحمق بمجرد تخيل ما قد يقوم به المتطرفون المسلمون ضد الأقليات المسيحية في بلادهم؟, وهل فكر في أن هذا العمل سيزيد من التطرف بدون أي فائدة تذكر منه بل هو موقف تخسر فيه كل الأطراف ولا يستفيد منه سوي المتطرفين المتعطشين للدماء؟.إن المتطرفين يقومون بأعمالهم الجنونية بدون أي سبب سوي توغل الكراهية في قلوبهم, فما بالك حينما تتوفر الذرائع والحجج والمبررات لنفوسهم المتعطشة للقتل والتخريب وسفك الدماء وتهديد حياة الأبرياء المسالمين.
الشجاعة الحقيقية ليست في تعريض حياة الناس للخطر وأنما في إنقاذ وتوفير حياة الأشخاص. الشجاعة الحقيقية ليست في جعل الأبرياء يعانون تحت الخطر وزرع الخوف في نفوسهم وأنما بحماية الناس وزرع الطمأنينة والسلام في قلوبهم.الشجاعة الحقيقية في النضال من آجل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وفي احترام حقوق الأقليات.الشجاعة الحقيقية في احترام الكتب الدينية المقدسة مع كامل الحق في التبشير بدينك, فاحترام الكتب الدينية هو جزء أساسي من الحقوق والحريات الدينية.
السيد المسيح عندما جاء لم يحرق كتب الوثنيين ولا أصنامهم ولا الكتب المقدسة للأديان الأخري, وأنما أثري العالم وسبي القلوب برسالته التي تدعو للحب والسلام والتفاهم بين البشر.السيد المسيح لم يكن عدونيا بل كان يجول يصنع خيرا وسلاما.
لدي شعور قوي وأنا اكتب هذه السطور أن القس تيري جونز سوف يتراجع عن مشروعه هذا ويفكر جليا في حياة البشر وفي سلامتهم, فنحن نأمل أن تنتصر العقلانية علي الحماقة, والحب علي الكراهية, والتفاهم علي التنافر, والحوار علي الجفاء,والسلام علي العدوانية, والقيم الإنسانية المشتركة علي الخلافات بين البشر.
وفي النهاية كل عام وجميع اخوتنا المسلمين شركائنا في الإنسانية بخير وسلام بمناسبة عيد الفطر المبارك.