كان أوباما ووزير دفاعه عازفين لأقصي حد عن الانجرار للدخول في صراع عسكري مع النظام الليبي, لا يعرف أحد كيف ولا متي سينتهي.
لكن الحقيقة هي أن هناك ثلاثة عوامل أثرت علي الرئيس الأمريكي ودفعته في النهاية إلي اتخاذ قرار بالانضمام لكل من فرنسا وبريطانيا, وربما دول أخري تشمل دولا عربية, في القيام بشن هجمات صاروخية وجوية علي البنية التحتية لدفاعات القذافي.
العامل الأول: في البدايات الأولي للأزمة الليبية في الخامس عشر من فبراير 2011, خرج أوباما ليدلي بتصريح جريء قال فيه: ##علي القذافي الرحيل الآن##. وهذا التصريح من رئيس القوة العالمية الأعظم جعل موقفه ضعيفا. إذ ماذا يستطيع أن يقول أو يفعل لو نجح القذافي, رغم الغضب الدولي العارم تجاهه, في البقاء واحتواء التمرد, وهو ما حدث فعلا في الأيام التالية؟
العامل الثاني: هناك ثلاثة لاعبين رئيسيين, جميع النساء وجميع الصقور وجميع الليبراليين, أثروا علي قرار أوباما, بمجرد أن انتقل القذافي إلي موقع الهجوم, وأصبح قادرا علي تدمير المتمردين وإلحاق خسائر رهيبة بالمدنيين بواسطة قواته العسكرية. وفي هذا السياق كانت وزيرة الخارجية هيلاري قادرة علي تجاوز وزير الدفاع جيتس, بدعم قوي من ##سوزان رايس##, سفيرة الولايات المتحدة لدي منظمة الأمم المتحدة, وكبيرة مساعدات الرئيس ##سامنتا باور##… وإقناع الرئيس بأن عليه التدخل باستخدام القوة, نظرا للموقف اليائس علي الأرض بالنسبة للمتمردين الليبيين, وخصوصا في معقلهم الحصين في مدينة بنغازي بشرق البلاد.
ومن المعروف أن ##سوزان رايس## كانت قد شغلت منصب مساعدة وزيرة الخارجية للشئون الإفريقية في التسعينيات إبان إدارة ##بيل كلينتون##, وشهدت -وهي في منصبها ذاك- امتناع دول العالم الكبري عن التدخل من أجل وقف المذبحة التي كانت جارية علي قدم وساق في رواندا, رغم أنها (رايس) كانت تعتقد اعتقادا جازما بأن الواجب يستلزم من تلك القوي تدخلا مبكرا للحيلولة دون وقوع تلك المذبحة. أما ##سامنتا باور## فقد كتبت عندما كانت تعمل كأستاذة بجامعة هارفارد, كتابا لقي رواجا كبيرا عن فظائع عمليات الإبادة الجماعية بما فيها تلك الفظائع التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين البوسنيين, وكان عنوان ذلك الكتاب ##مشكلات من الجحيم: أمريكا وعصر الإبادة الجماعية##.
أما العامل الثالث, فتمثل في الحقيقة التعسة, وهي أنه رغم جميع الأحاديث التي دارت حول التدخل من قبل الجامعة العربية والأوربيين, فإن الولايات المتحدة وحدها, هي التي تمتلك الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة المطلوبة لتنفيذ المهمة اللازمة لفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا.
هذه المعدات تشمل المعدات الخاصة بتنفيذ هجمات من الجو, ومن السفن الحربية, بواسطة صواريخ فائقة الدقة موجهة ضد معدات الدفاع الجوي الليبية, بالإضافة لمعدات التشويش الإلكتروني, ومعدات الإجراءات المضادة التي تهدف لإصابة مراكز القيادة والسيطرة الليبية بالعمي, وكذلك منظومات الإنذار والسيطرة المتقدمة المحمولة جوا, والتي تستخدم في التعرف علي الصواريخ والطائرات الليبية.
الترسانة الأمريكية تشمل أيضا القاذفات بعيدة المدي من طراز ##بي -2## التي استخدمت في ليبيا بالفعل, والتي يمكنها الوصول إلي هذا البلد انطلاقا من قواعدها الموجودة في الولايات المتحدة. ومنذ اللحظة التي أصبحت فيها الولايات المتحدة مشاركة في العملية العسكرية ضد ليبيا, فإنها تولت موقع القيادة, حتي وإن كان مسئولوها قد أكدوا أن ذلك لن يكون سوي لفترة مؤقتة, وأنه سيتم التخلي عن القيادة لقوة أخري في التحالف خلال الأيام القليلة القادمة.
ربما يحدث هذا, وإن كانت العادة قد جرت أن تكون الأقوال في مثل هذه الأحوال أسهل من الأفعال. ويرجع ذلك لحقيقة أنه لا توجد هناك قوة أخري في العالم تمتلك نوعية الأسلحة والمعدات المتطورة التي تمتلكها الولايات المتحدة, والتي ستكون -من دون شك- غير راغبة في وضع مثل هذه المعدات والأسلحة المتطورة تحت القيادة والسيطرة العسكرية لدولة أخري من الدول الشريكة لها في التحالف, خصوصا إذا ما كانت تلك الأسلحة سوف تستخدم في تنفيذ مهام خطرة, يمكن أن تنتج عنها خسائر أمريكية في الأرواح.
إن أمل أوباما هو التدمير السريع لأسلحة ومعدات الزعيم الليبي وقواته, مما يمهد الطريق للعمل من أجل التوصل لحل سياسي, يتم في إطاره استبدال القذافي أو إجباره علي ترك ليبيا. لكن, ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يتحقق ذلك؟ ماذا يحدث لو تمتمرس القذافي في مواقعه وواصل القتال؟ يجب ألا ننسي أن الرجل يمتلك موارد مالية هائلة, وأنه قادر علي استخدام تلك الموارد في تجنيد أعداد كبيرة من المرتزقة لمواصلة القتال. وحقيقة الأمر أنه بدون إرسال قوات علي الأرض, فإن حلفاء ##الناتو##, أو الجامعة العربية -في هذا السياق- لن يكونوا قادرين علي إنهاء هذه الحرب بسرعة. وسوف يتعين علي الثوار الليبيين إذن إنجاز ذلك, بيد أن المشكلة هي أننا لا نعرف من هم هؤلاء الثوار علي وجه الدقة, وهو ما يفاقم المشكلة.
من هنا, يجد أوباما نفسه في الوقت الراهن في منحدر زلق… وما لم يتمكن من فك ارتباط الولايات المتحدة, وعلي وجه السرعة, بالمهمة الأولية, فإن تلك المهمة سوف تتحول إلي مسئولية سياسية مشابهة للحرب التي تخوضها الولايات المتحدة حاليا في أفغانستان.
إن العمليات العسكرية في ليبيا تظهر مرة أخري أن الولايات المتحدة وحلفاءها قادرون علي إلحاق هزيمة سريعة بأي قوة عسكرية في العالم من خلال الهجمات التي يتم شنها علي هذه القوة بالأسلحة المتطورة فائقة الدقة. لكن الدروس التي يمكن استخلاصها من الحروب الأخري تفيدنا أيضا بأن الاستخدام الفعال للقوة العسكرية قد يكون هو الجزء الأسهل علي الإطلاق في أي حرب.
لذلك فسنجد أنفسنا حتما مواجهين بالسؤال العويص: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تفك ارتباطها بالعملية الجارية في ليبيا حاليا, من دون أن تبدو في نفس الوقت وكأنها قد تخلت عن حلفائها؟
نيويورك تايمز