خبر اكتشاف موارد طبيعية معدنية ضخمة في أفغانستان بقيمة تريليون دولار وأكثر مهم جدا لمستقبل العلاقات الدولية وبالذات العلاقات الأمريكية _ الروسية _ الصينية وكيفية تناول الدول الكبري للمسائل الإقليمية عامة وحيث يوجد النفط والمعادن القيمة بصورة خاصة. إنه خبر مهم لمسيرة الحرب الدائرة في أفغانستان ولوضع الحكومة كما لوضع طالبان وهو قد يغير جذريا الاقتصاد في البلاد الذي يعتمد كثيرا علي استخراج المخدرات وليس علي استخراج مجموعة معادن فائقة الأهمية للتكنولوجيا الجديدة. هذا خبر له أثره الكبير علي علاقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع قاعدته الشعبية داخل الولايات المتحدة ومع خصومه السياسيين من الجمهوريين, علما أن بعض قاعدته مستاء مما يسمي حرب أوباما في أفغانستان وخصمه الجمهوري لا يتمني له النجاح في أفغانستان. مثلث العراق _ إيران _ أفغانستان كان مهما أساسا في السياسات الأمريكية منذ العقود الماضية إنما اكتشاف هذه الثروة الضخمة في أفغانستان سيضع ذلك المثلث تحت مجهر جديد وسيؤدي الي علاقات مختلفة بين الدول الكبري. بالتأكيد, سيكون هناك من يشكك في توقيت اكتشاف الولايات المتحدة هذه الثروة وتوقيت الكشف عنها اليوم. سيقول البعض إن أمريكا تعرف منذ البدء بوجود هذه المعادن ولذلك أتي اهتمامها الدائم بأفغانستان, وحروبها المباشرة وبالوكالة هناك. سيقولون إن حرب أفغانستان, كما حرب العراق, هي حروب الطمع بالموارد الطبيعية. علما بأن العراق يشكل ثاني أكبر احتياطي نفطي في جوار المملكة العربية السعودية حيث الاحتياطي الأكبر الأول. سيقولون إن الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان مصطنعة و مخترعة ولم تكن يوما بسبب أسلحة الدمار الشامل التي كانت ذريعة حرب العراق ولا بسبب القاعدة أو الإرهاب أو التطرف العنفي الذي ينمو في أفغانستان. إنما سيكون هناك من سيذكر أن الأطراف التي صنعت الأصولية في أفغانستان وخلقت طالبان وربما أيضا القاعدة فعلت ذلك بقيادة أمريكية وبشراكة مع دول إسلامية من أجل إسقاط الاتحاد السوفييتي وعقيدته المنافية للدين. ففي أفغانستان التي قام الاتحاد السوفياتي بغزوها واحتلالها في أواخر السبعينيات بدأ انهياره. ربما كانت لدي السوفييت والأمريكيين دلالات مبكرة علي ما في جوف التربة الأفغانية منذ عقود. وربما كانت حروب أفغانستان والعراق وما يتخللهما من القاعدة ومشتقاتها وأخواتها هي حروب الموارد الطبيعية منذ الأساس. إنما الواضح اليوم هو أن أسلوب باراك أوباما في التعاطي مع الدول الكبري الأخري مختلف تماما عن أسلوب سلفه جورج دبليو بوش وربما عن أساليب الرؤساء الأمريكيين الديموقراطيين وليس الجمهوريين فقط الذين سبقوه الي البيت الأبيض. ولهذا دلالات. وكمثال, اعتمدت استراتيجية وعقيدة جورج دبليو بوش علي استبعاد الآخرين عن كعكة العراق من اجل الاستفراد بفوائد الموارد النفطية اقتصاديا واستراتيجيا. فعقيدة بوش التي سميت العقيدة الاستباقية كانت تهدف الي قطع الطريق علي تحول الصين الي دولة عظمي منافسة للولايات المتحدة وذلك عبر السيطرة علي منبع الموارد التي هي في أشد الحاجة إليها لتصبح الدولة العظمي, أي الموارد النفطية. ولذا كانت حرب العراق. والأمر لم يقتصر علي الصين بل أن روسيا كانت أيضا مستهدفة وكان ضروريا للولايات المتحدة استراق العراق من روسيا الذي كان شبه كعكتها. والسبب لم يكن استراتيجيا سياسيا فحسب وإنما كان اقتصاديا. فالاحتياطي النفطي في العراق, إذا أضيف الي الثروة النفطية الكبري في روسيا وإلي امتلاك روسيا أكبر احتياطي من الغاز (تليه قطر), فإن تلك تشكل عوامل رئيسية من عوامل القيادة في العالم. وربما كان ذلك أحد أسباب حرص الإدارات الأمريكية السابقة علي اعتماد سياسة استبعاد روسيا. سياسات إدارة أوباما تبدو من جهة متطابقة مع سياسات أسلافه بما فيها سياسات سلفه المباشر جورج دبليو بوش, إنما من جهة أخري, انها تختلف جذريا من ناحية العقيدة ومبادئ الاقتسام والشراكة بدلا من الاستبعاد والاستفراد. تنفيذيا, إن سياسات أوباما في العراق هي نفسها التي ورثها من بوش, علما أن الإدارة السابقة هي التي وضعت أسس الانسحاب من المدن وأن قائد العمليات العسكرية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس هو نفسه الرجل الذي قاد القوات في عهد بوش. وكذلك الأمر في أفغانستان مع اختلاف التركيز وأيهما أولا. إنما عقائديا, لقد أوضح أوباما تكرارا وأعلن من منصة الأمم المتحدة انه يريد الشراكة مع الدول الكبري الأخري ولا يريد الاستفراد بالعظمة. أوباما يكاد يقول إن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ألا تحتفظ بمرتبة الدولة الكبري العظمي الوحيدة في العالم. يكاد يعلن الطلاق عن عقيدة بوش القائمة علي زعامة القطب الواحد وعلي الاستفراد والاستبعاد. وهذا هو الجديد والمختلف, لغويا وعقائديا, في عهد أوباما. ولهذا السبب تصنع علاقات جديدة مع أمثال الصين وروسيا قد تؤدي الي عالم جديد. حرب العراق لاقت معارضة شديدة من روسيا والصين, وكذلك من فرنسا, ليس فقط لأسباب سياسية وإنما لأن الإدارة الأمريكية حينذاك رفضت اقتسام كعكة العراق وبعثت رسالة المنافسة بلغة التعالي والاستفراد. حرب أفغانستان اختلفت لأن أوباما لم يحرص فقط علي الشراكة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإنما حرص هو وقيادته العسكرية وبالذات بترايوس علي أن تكون الشراكات في أفغانستان أيضا شديدة الأواصر مع الصين وروسيا بتبريرات مختلفة ولدوافع متعددة. وهذا شمل الشراكة في قطع الطريق علي انتصار التطرف الإسلامي في أفغانستان كي لا يمتد الي الجمهوريات الوسطي الخمس التي تري روسيا فيها تهديدا لها إذا وقعت في أيدي التطرف الإسلامي. فالشيشان ليست سبب الخوف الوحيد لروسيا من تنامي التطرف الإسلامي والإرهاب. وللصين اعتباراتها المشابهة. ما يقوله أوباما في حرب أفغانستان للشركاء الأوروبيين والروس والصينيين هو: هذه حربنا معا. وما يلمح إليه هو أن فوائد الانتصار في أفغانستان ستكون فوائد مشتركة. السؤال الضروري الآن, بعد الكشف عن الثروة المعدنية في أفغانستان هو: هل سيتمكن باراك أوباما من الوفاء بوعد الانطباع الذي يتركه والقائم علي المشاركة والتقاسم والاقتسام, أم أن المصالح الكبري الأمريكية ستقطع الطريق عليه؟ هل ستستخدم لغته الجديدة وعقيدته الاحتضانية ثم تعود الي عاداتها القديمة بإدارات جديدة وتلتهم باسم الرأسمالية, أو أن وعد أوباما وعد جديد قابل للتنفيذ؟ أفغانستان والعراق وفلسطين محطات اختبار لوعد أوباما. انها عملية السير علي حبل مشدود بين المصالح الأمريكية المبنية علي المنافسة الشرسة ضمانا للتفوق الأمريكي وبين أسلوب الانخراط والشراكة. فلسطين لا تقع في مرتبة العراق وأفغانستان من ناحية الموارد الطبيعية, لكن فلسطين تبقي مفتاحا أساسيا الي بيئة آمنة في المواقع الاستراتيجية الغنية بالموارد الطبيعية. ولذلك, إن أوباما يختبر في وعد فلسطين كما في وعد أفغانستان والعراق. مكتبة الاسكندرية بقيادة الدكتور إسماعيل سراج الدين عقدت مؤخرا مؤتمرا للبناء علي الشراكة التي أعلن عنها باراك أوباما في خطاب القاهرة الشهير حمل عنوان مبادرات في التعليم والعلوم والثقافة لتنمية التعاون بين أمريكا والدول الإسلامية. أهمية المؤتمر تتعدي هذه المشاريع المهمة والمؤتمر لم ينحصر في هذه القطاعات من تنمية التعاون وإنما تناول القضايا السياسية وأبرز مركزية ومحورية القضية الفلسطينية في تطبيع العلاقات. اللافت هو مثال إسماعيل سراج الدين في الإمساك بقدمي باراك أوباما فوق النار, بحسب التعبير الأمريكي, لمحاسبته علي وعده بإيجابية ولمساعدته علي تنفيذ الوعد. إنه مثال إحداث التغيير بوعي وتماسك كي لا يمر الوعد بلا مراقبة وبلا استفادة ثم يسقط مضغا بين فكي الغوغائيين, وذخيرة بين أيدي الذين يريدون تعطيل مسيرة وشراكة أمريكية _ عربية. إنها مرحلة دقيقة ومعقدة في العلاقات والشراكات الدولية في العراق وأفغانستان وعبرهما إيران. وهي مرحلة تتطلب بالغ الحكمة في التموضع والتنبه. فالعراق تحت الرقابة في انتظار فرز العلاقات الأمريكية والدولية مع إيران ويجب علي دول الجوار العربي ألا تغيب عن المشاركة وأن تقوم بـ إمساك القدمين فوق النار بحكمة. أما في أفغانستان, فإن تاريخ الشراكة شمل المملكة العربية السعودية ولربما لمستقبل الشراكة مقومات ذات بعد آخر. فعناصر الصفقات ممتدة من أفغانستان الي العراق الي إيران وربما الي السودان الغني بالنفط الذي تريده الصين. وأفغانستان هي دائما بوتقة صياغة العلاقات الدولية وصناعة الموت الآتي عبر الإرهاب الذي أطلق عمليات 9/11 وغير معايير العلاقات. أفغانستان حيث انهار الاتحاد السوفييتي ومن حيث انطلقت القاعدة هي اليوم علي عتبة جديدة بسبب اكتشاف أو الكشف عن ثروة معدنية تغير معايير الشراكات. الحياة اللندنية