هناك في صعيد مصر تسكن كل المتناقضات… يعلو الحياء الهامات… السطوة هناك فقط للأعراف والتقاليد والعادات… هناك حيث الصفاء وقسوة الطباع… حيث النقاء يجتمع مع النخوة بلا افتراق… وحمية الصعايدة مع طيبة القلوب تجدها في الأشرار منهم والأبرياء…
من جوف صعيد مصر بلد لأول مرة أسمع عنها اسمها العضايمة في محافظة إسنا – حدثتني المرأة الحديدية… أنفاس لاهثة كما لو كانت تخشي الحديث… كلمات مهتزة كما لو كانت مراقبة من آخرين… ونبرات بدت الارتعاشات فيها كما لو كانت مقتادة إلي النهاية… حقا أصابني الاضطراب لدي شعوري باضطرابها .. وقد نقلت لي خوفا مجهولا وارتباكا لا أعلم له سببا… حتي أنني طلبت منها أن ترجيء الاتصال بي إلي ما بعد مواعيد العمل…
مرت الساعات و لم تتصل المرأة المجهولة… ثم مرت الأيام… طاردني خوفها كثيرا… بادرت بالاتصال بها… للاطمئنان عليها مدفوعة بفضولي لمعرفة القصة التي تقف وراء خوفها… فلم ترد… في صباح اليوم التالي هاتفتني معتذرة عن عدم ردها علي مكالمتي… لم أسالها عن السبب واسترسلت في الحديث سائلة إياها: ماذا بك؟ أجابت تحكي قصتها:
أنا سيدة في الثلاثين من عمري… تزوجت منذ اثني عشر عاما أي وعمري 18 سنة… لم يمنحني الله سوي ابنة وحيدة… قرت بها عيناي ففرحت وهي الآن كل حياتي… بعد أن انتقل أبوها إلي السماء… منذ أكثر من عام… لم تكن لدي أية مشاكل حتي وفاة زوجي… وتلتها وفاة أبي… واسودت الحياة في وجهي… حصار من كل نوع… أنا وابنتي أصبحنا عارا علي العائلة لأننا نعيش بمفردنا… كدنا نختنق لولا بقية من الأمل في غدنا… و لكن يبدو أن الأمل لا يأتي إلا بالهروب ولكن إلي من أهرب… وإلي أين يمكنني أن أهرب من جحيم إخوتي.
بعد أن توفي زوجي استولي إخوته علي كل ميراثي بحجة العرف والتقاليد قائلين: الأرض ماتروحش لغريب والإرث كله عبارة عن أرض ..وليس لدي ولد وابنتي عندما تصل لسن الزواج سوف ترتبط بآخر قد لا يكون من العائلة .. لذلك فهم حراس الأرض .. إنهم يسرقونني بحجة الأرض .. وما فعله إخوة زوجي فعله إخوتي بي أيضا فقط لأنني أنثي .. بأي عرف وفي أي دين . . وبأي ضمير يمكن أن يقبل إنسان هذا الذل؟.. لماذا يفعل الإخوة هكذا بأخواتهم؟ لماذا يسرقوننا باسم العرف ؟؟ لماذا يسرقون أعمارنا باسم العادات .. أو كتب علينا الاستعباد من ذوينا؟ أنا أحدثك والخوف يملأني ولا أعلم ماذا سيفعلون بي إذا ما عرفوا ذلك .. لكنني علي يقين أن الله الذي أرشدني للاتصال بك سوف يحفظني منهم .. لكن لا أعلم ماذا أفعل, لا أنكر أنهم يقومون بواجبهم المادي تجاهي وتجاه ابنتي وفقا لما يرونه بالطبع .. لكن لنا حقوق تقدر بمئات الآلاف فبأي حق يتم السطو عليها هل ذنبي أن الله خلقني وذريتي إناثا؟؟
رد المحررة
إنها المعادلة الصعبة يا سيدتي .. فإن بقيتي صامتة فأنت قديسة في أعينهم .. وإن تجرأت وطالبت بحقوقك فأنت متمردة وربما أيضا مجرمة في نظرهم ..فرغم ما يزعمه المجتمع المصري من ارتقاء بأوضاع المرأة إلا أنها لا تزال تعيش محنة التخلف وأعماقها السحيقة .. سجينة العصبية الصعيدية وغير الصعيدية أحيانا.
وحديثك عن الهروب ليس حلا لكن التفكير فيه ربما يقودك لتكوني شعلة التغيير في موقعك .. لابد أن تحلي المعادلة الصعبة رغم الخوف والقهر, وحتي يتم ذلك عليك التسلح بمعرفة حقوقك التي شرعها لك القانون والدين ولا يوجد ظلم باسم العرف .. إنهم يسرقوننك باسم العرف باسم العرض باسم الأرض .. إنهم يسرقون ابنتك .. يسرقون كل امرأة تحت دعوي الحماية.
لذلك اعلمي يا عزيزتي أن القانون في صفك, والشريعة المسيحية في صفك ولترجعي إلي التشريع القبطي في ذلك الذي وضعه أبناء العسال – أبناء أسرة قبطية اشتغلت بالعلم والأدب والتشريع, وشغل علماؤها مناصب مهمة في الدولتين الأيوبية والمملوكية, وكما كانوا مقربين من الدولة, كانوا مقربين من الكنيسة والكتاب المقدس.
بذلوا جهدا كبير ا في تنظيم وترتيب الشريعة المسيحية في كتاب ضخم اسمه المجموع الصفوي الذي وضعوه بتكليف من الكنيسة الأرثوذكسية المصرية. وأطلقت عليه الكنيسة الحبشية اسم قوانين الملوك لأن كتاب ##قوانين الملوك## يضم المجموعة الشرعية شبه الرسمية للفقه المسيحي القبطي, وخلاصة ما توصل إليه آباء الكنيسة الأوائل, والمقتبسات من التشريعات المحلية والأعراف والتقاليد والعادات, ولأن الكتاب وضع تحت سمع الكنيسة وبصرها فقد كتبت إلي عموم الكنائس بالالتزام بأحكامه .. هذا الكتاب ينص في باب الميراث منه علي أن تشريعات العهد الجديد تعطي النساء حقوقهن في الميراث, وأن يتساوي الأبناء والبنات في الدرجة والتقدير وهو ما لا يوجد نظيره في تشريعات العهد القديم .. إذا الأصل في الشرعية المسيحية هو المساواة بلا قيد أو شرط .. لكن عندما ألغيت المحاكم المختلطة- التي كانت تفصل في الأحوال الشخصية للمسيحيين والأجانب – في بدايات القرن العشرين دخلت المواريث المسيحية في المحاكم العادية التي تستمد نصوصها من الشريعة الإسلامية .. لذلك إذا لجأت إلي الكنيسة لحل مشكلتك فسوف تحصلين علي ميراثك كاملا .. أما إذا خضعت الكنيسة في بلدتك إلي العادات فلا يتبقي أمامك إلا المحاكم لتحصلي علي نصف حقوقك مضافا إليها خسارة إخوتك وإخوة زوجك الخسارة المعنوية.
فقط كوني مستعدة لدفع ضريبة تمردك فربما تكون القطيعة أو الهجوم الشرس غير محمود العواقب .. لكنني ما زلت عند رأيي لا يضيع حق وراؤه مطالب .. ومن اعتاد التنازل سوف يظل يتنازل للأبد وإن تمسكت اليوم بحقوقك غدا ستزهر الدنيا لك ولابنتك فالكون فسيح لا تضيقيه في سجن العائلة وتدفعي الثمن من حق ابنتك في حياة آمنة لتستمتع بإرث أبيها و جدها.
==========
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
2500 جنيه من يدك وأعطيناك
400 جنيه من عطايا الرب
50 جنيها من يدك وأعطيناك
1000 جنيه ديروط
9000 جنيه فاعل خير
500 جنيه أحباب الأنبا مكاريوس بالغردقة
500 جنيه فاعلة خير
5000 جنيه من يدك وأعطيناك