كان الروح القدس يعمل في الكنيسة الأولي بقوة, وكانت الكنيسة آلة طيعة في يد الروح, فعمل بها عجبا وكان من ثمار عمله صفحة الاستشهاد المشرفة. موضوع الاستشهاد هو قصة المسيحية المبكرة في أبهي صورة لها حينما قدم المسيحيون ذواتهم نماذج للحب الباذل والإيمان والاحتمال ومحبة الأعداء وكل فضيلة.
قصة الاستشهاد هي قصة الكرازة بالإنجيل للعالم أجمع فإلايمان المسيحي كان ينتشر سريعا ويضرب بجذوره في أعماق المسيحية ويمتد داخلها طولا وعرضا وعمقا أكثر من انتشاره بالوعظ والتعليم, فكانت أكاليل الاستشهاد المعدة في السماء وأكاليل الغلبة والعفة والخدمة والشهادة للمسيح الذي أحبنا وبذل ذاته لأجلنا لكي يعدنا قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة.
إن سحابة الشهداء مازالت مضيئة في الكنيسة إلي يومنا هذا وهم يتشفعون أمام المسيح لأجلنا لأجل إخواتهم إلي أن يكمل العبيد رفقائهم.
إن كان لم تتح لك فرصة لتقديم جسدك يحترق بالنار فهناك نار أخري يمكن أن تتقدم إليها مثل الفقر الاختياري, فإن اختيار الإنسان ذلك في أيام ترفه ونعمته محتملا المتاعب والمشقات مميتا جسده أما يحسب هذا محرقة؟.
لقد ترجم الشهيد كبريانوس أيقونة الاستشهاد في أحد أقواله فقال: يالك من كنيسة مطوبة تلك التي تشرفت بنور العناية الإلهية في أيامنا هذه, حيث صار دم الشهداء ممجدا.
ومن أشهر شهداء الفترة المبكرة من تاريخ الكنيسة أسطفانوس رئيس الشمامسة الذي رجم سنة 63م, فقد كانت الوثنية هي العدد الأكبر الذي تصدي للمسيحية وقاومها وحاربها حرب الإبادة حرب الحياة أو الموت ولا يسجل التاريخ صداما أقوي أكثر وحشية من ذلك الصراع الذي اصتدم بين روما الإمبراطورية الوثنية بآلهتها ومحافلها, وبين المسيحية التي ظهرت علي مسرح العالم بترس الإيمان ودرع البر وخوذة الخلاص وسيف الروح, فكانت هذه الحروب سببا في إظهار فضائل المسيحية ونماذج من بطولة أتباعها الأمر الذي أدي إلي انتشارها أكثر بدخول كثير من الوثنيين في الإيمان المسيحي.
إن كل الاضطهادات التي شنت علي المسيحية ابتداء من نيرون لتتضاءل إذاء ضراوة ووحشية سلسلة الاضطهادات التي بدأها ديقلديانوس وأكملها أعوانه حتي إن البعض يحلو لهم أن يقابلوا بين الاضطهاد والعام الأخير وبين الضربة للعاشرة علي يد موسي التي أعقبها الخلاص من العبودية ولفظاعة هذا الاضطهاد اتخذت الكنيسة القبطية بداية حكم هذ الطاغية وهي سنة 284م بداية لتقويمها المعروف باسم تاريخ الاستشهاد.
ولم تعرف البشرية في كل تاريخها شهداء كشهداء المسيحية من حيث حماسهم وشجاعتهم وإيمانهم ووداعتهم وصبرهم وفرحهم.
إن بطولات الشهداء لهي أشبه بالأساطير. فقد كان المعذبون أكثر شجاعة من معذبيهم. فهؤلاء الشهداء لم يكونوا وحدهم في المعركة بل كانت ورائهم كنيسة حية ساهرة قامت بواجبها خير قيام ولولا ذلك لانهارت الجبهة المسيحية أمام بطش الدولة وكراهيتها حينما كان يحصد يوميا العشرات والمئات وأحيانا الآلاف من أبنائها.
وقد اهتمت الكنيسة أيضا بتجديد النفوس وبناءها في الإيمان المقدس ودافعت عن نفسها لاتهامات حاول أعدائها المغرضون تشويهها بها. وعن مكانة الشهداء في الكنيسة يقول القديس يوحنا: ولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم فأعطوا كل واحد ثياب بيضاء, وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا (رؤ9-11). وللشهداء مكانة متميزة في السماء في الكنيسة المنتصرة. إذ هم تحت المذبح أعطوا ثيابا بيضاء لذلك تكرمهم الكنيسة المجاهدة وتضعهم في منزلة خاصة في صلواتهم ونفوس ذخائرهم وتطلب شفاعتهم وتضعهم في مرتبة سابقة لجميع القديسين علي اختلاف رتبهم وفي المفهوم الروحي الكنسي يعتبر يوم موت الشهيد هو يوم ميلاده السماوي. والتشفع بالشهداء عقيدة إيجابية إنجيلية تمسكت بها ومارستها الكنيسة الجامعة منذ البداية إيمانا منها بالصلة القائمة فعلا بين أعضاء جسد المسيح السري الواحد.
إن الشهداء وسيرهم أمامنا هي بحد ذاتها عظة للإنسان المسيحي وعون للكنيسة وتثبيت للإيمان المسيحي وغلبة لأوهام الموت وعينة للقيام وتوبيخ للشيطان واحتقار لأباطيل الدنيا فهي سيرة ملهمة لكل الأمور الصالحة.
إن أيقونة الشهداء هي قدوة للمؤمنين في حياة التوبة لأنها تمثل الحياة المفرحة المملوءة بروح الغلبة وتعبر عن قوة الروح وتمثل عناية الرب لنا لتنفتح بصيرتنا الداخلية.
مصادر المعلومات:
1- الكتاب المقدس.
2- السنكسار الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين.
3- كتاب الاستشهاد في المسيحية لنيافة الأنبا يوأنس أسقف الغربية.
4- كتاب الاستشهاد المسيحي ومحب الشهداء لمثلث الرحمات نيافة الأنبا ياكوبوس.
عادل فوزي
خريج معهد الدراسات القبطية3.