انتقال النفوذ من الغرب إلي الشرق, يستمر مع فرض الدول النامية شروطها علي مجموعة الدول العشرين في لندن أخيرا, ومطالبة الصين وروسيا باعتماد عملة احتياطي دولي جديدة تحل مكان الدولار. جوزيف إي ستيجليتز الحائز جائزة نوبل, الذي أطلق فكرة ##العملة العالمية## في كتابه Making Globalization Work إنجاح العولمة, أصبح الآن محور الكثير من الجدل بشأن مستقبل الرأسمالية العالمية. وقد تحدث إلي مراسلة نيوزويك رنا فروهار عن الشراء الآسيوي والقروض الأمريكية السيئة وسبب استمرار نجاح دولة الرفاه الأوربية. وهذه مقتطفات:
فروهار: تحدثت طوال سنوات عن مشاكل نظام الاحتياطي بالدولار فما سبب موافقة الجميع علي فكرتك الآن؟
ستيجليتز: علي عملة الاحتياطي أن تكون مستقرة لتكون فعالة, ومنذ فترة, يبدو من الواضح أن الدولار ليس مستقرا. الأزمة المالية أظهرت صحة ذلك وبانتقام. الوضع المالي في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يفوق التصور. فهو غير مسبوق, وهناك مخاوف كبيرة بشأن التضخم وتأثيراته المستقبلية علي الدولار. ومن الواضح أن المسئولين الصينيين قلقون جدا بهذا الشأن. فهم يلاحظون أن بعض استثماراتهم في الولايات المتحدة (مثل بلاكستون) أدت إلي خسائر كبيرة, وهم يخشون أن يكونوا قد عملوا جاهدين لإدخار تريليوني دولار من الاحتياطي قد تصبح عديمة القيمة بسبب التضخم. في الوقت نفسه, ثمة مخاوف أوسع نطاقا من أن نظام الاحتياطي الحالي يجبر البلدان الفقيرة علي إقراض الولايات المتحدة بمعدلات فائدة متدنية جدا. هذا غير منصف, وهو أيضا يقوض الطلب الاستهلاكي في حين أن الحاجة ماسة إليه الآن.
لماذا لا يساهم اليورو في ملء الفراغ؟
نظام احتياطي قائم علي عملتين سيكون أقل استقرارا من نظامنا الحالي, لأن الناس سيعتمدون الدولار أو اليورو كاحتياطي تبعا لسعر صرفه, مما سيزيد الوضع تقلبا.
لقد اقترحت نظاما احتياطيا جديدا في الأمم المتحدة أخيرا. فما تفاصيله؟
سيلقي النظام الجديد دعما بفضل إجراء تمت الموافقة عليها في صندوق النقد الدولي لمضاعفة حقوق السحب الخاصة المتوفرة للبلدان التي تعاني ضائقة. وبدلا من وضع أموالها في احتياطي بالدولار, وهو أمر لا يزيد من الاستهلاك, بإمكان البلدان سحب الأموال من صندوق حقوق السحب الخاصة الذي يحتوي علي 42.8 مليار دولار عند الحاجة. بهذه الطريقة, تنفق البلدان مدخولها بدلا من تخزينه.
هل تعتقد أن دعم الصين لنظام احتياطي لا يعتمد علي الدولار يشكل موقفا سياسيا اقتصاديا جديدا أكثر عدائية في العالم؟
أعتقد أن الصين تلعب دورا أكثر نشاطا منذ بعض الوقت بشكل لم يحظ باهتمام كبير. نحن نعرف عن مساعداتهم لأفريقيا ومحاولتهم شراء شركة ##ريو تينتو## وأمور مماثلة, لكن ما لا يتم التطرق إليه هو أنهم يفوزون بأكثرية عقود البنك الدولي في أفريقيا. إنهم شديدو التنافسية. وأظن أنهم يحاولون تمثيل البلدان الأقل تقدما, لكنهم حاولوا القيام بذلك في معظم الأحيان بشكل غير تصادمي, كي لا تستاء الولايات المتحدة التي غالبا ما تعتبر نفسها في حالة تنافس مع الصين, في حين أن الصينيين لا يعتبرون أنفسهم في حالة تنافس مع الولايات المتحدة.
لقد عدت للتو من الصين كيف هي حال الاقتصاد هناك؟
أظن أنهم يديرون الأمور بشكل جيد جدا. وقد اعتمدوا خطة تحفيزية أكبر وأوسع من تلك التي اعتمدناها نحن. وهم لا يعانون مشاكل في الأسواق المالية مثلنا.
ماذا عن أوربا؟ أنت تعمل مع الحكومة الفرنسية للتوصل إلي طريقة جديدة لقياس النمو الاقتصادي تأخذ بعين الاعتبار منافع التعليم والعناية الصحية التي توفرها الحكومة, إلخ. كيف يتم ذلك؟
الناتج المحلي الإجمالي هو رقم حسابي مضلل. فأرقام المداخيل تحظي بشكل شبه دائم بأهمية أكبر من الأرقام المتعلقة بالإنفاق. سأعطيك مثالين. في الولايات المتحدة, ننفق أموالا كثيرة علي العناية الصحية, لكن منافع هذه الأموال فيما يتعلق بمتوسط العمر المتوقع ونسبة المرض بين السكان أقل بكثير منها في عدد كبير من البلدان الأوربية. غير أن هذا الإنفاق يؤدي إلي زيادة ناتجنا المحلي الإجمالي مع أن الإنفاق علي العناية الصحية يشكل هدرا بمعظمه. مثال آخر: لدينا أعلي نسبة من المساجين بين البلدان المتقدمة. هذا أحد عوارض المجتمعات المختلة. لكن الإنفاق علي السجون يزيد من ناتجنا المحلي الإجمالي, إنه تأثير مضلل. لذلك نحاول التوصل إلي وسيلة حسابية تأخذ بعين الاعتبار هذه المسائل, فضلا عن منافع التعليم والعناية الصحية والكثير من العوامل الأخري. الأمر لن يكون سهلا, ومن المؤكد أنه لن يحصل بين ليلة وضحاها, لكن الهدف منه هو تحفيز النقاشات بشأن كيفية التوصل إلي نمو حقيقي مستدام.
هل تعتقد أن نموذج الرفاه الاجتماعي الأوربي يلائم الحاجات الاقتصادية الحالية بشكل أفضل؟
نعم, بالتأكيد. فشبكة الأمان الاجتماعية الأوربية يمكن أن تشكل نوعا من التحفيز الاقتصادي, مشجعة الناس علي الاستمرار في الإنفاق, أو أقله علي عدم الادخار بالقدر نفسه, لأنهم يشعرون بأمان أكبر. الواضح أن النموذج الأمريكي القائم علي رفاه الشركات التجارية ــ أي الاهتمام بهذه الشركات وليس بالناس ــ تشوبه عيوب.
ما رأيك بخطة جايتنر لشراء الأصول الخاسرة من البنوك في الولايات المتحدة؟
إنها مريعة. وهي تعفي المستثمرين من أي مسئولية, بإمكانهم أن ينجوا بفعلتهم إن ساءت الأمور. هذا ما أسميه بالاشتراكية الأمريكية, يتم تأميم الخسائر لكن الأرباح تبقي خاصة.
نيوزويك