لماذا يسعي فنانونا وأدباؤنا وعلماؤنا بحثا عن الجوائز العالمية مهما كان صغر قيمتها, بينما عندنا مئات الجوائز ملقاة علي قارعة الطريق في الأدب والسينما, والعلوم الاجتماعية, والعلوم البحتة, وجوائز فرعية في القصة والشعر وغيرهما؟ ببساطة لأن جوائزنا غير محترمة, لأننا نعرف أنها خالية من الموضوعية, ومفرغة من المعايير من حيث الاختيار والتحكيم, فهي كما قال لي أديب نابه نوع من المكافأة للأصدقاء. كل واحد وشلته لديهم جائزة يمنحونها لأصدقائهم. فالموضوع ليس جوائز تنبثق من نظرة موضوعية لتميز الأعمال الأدبية أو الفنية أو حتي العلمية, بل هي مكافأة لأشخاص, والمعيار الوحيد للحصول علي جائزة في العالم العربي هو: هل يحبك أصحاب الجائزة أم لا؟ ربما يكون هذا حكما جائرا من صاحبي, فهناك جائزة أو جائزتان في العالم العربي يمكن أن نقول عنهما إنهما من الجوائز الموضوعية. ولكن تبقي هناك ملحوظات أساسية قد يستفيد منها أصحاب الجوائز لدرء الشبهات عن جوائزهم.
بداية تبدو معظم الجوائز المرتبطة بأسماء أشخاص أنها نوع من الدعاية للشخص صاحب الجائزة, وليس لتشجيع الفن أو العلم أو كليهما معا. وما يجعل هذه الشبهات قائمة هو أن معظم المؤسسات العربية المانحة للجوائز تفتقد المصداقية, بداية من مجلس الأمناء إلي لجان التحكيم. أنا شخصيا أعرف أفراد موجودين علي قمة مجلس أمناء أكثر من جائزة في الصحافة والأدب والعلوم الاجتماعية, رغم أن هؤلاء الأشخاص, وبالمقاييس المحترمة في العالم الغربي, لا يرتقي تاريخهم المهني لوجودهم في مجلس أمناء ولو جائزة محلية داخل الدولة الواحدة. بالطبع هناك في الغرب من يجلسون في مجالس الأمناء بأموالهم, بمعني أن أحد المتبرعين بأكثر من مليون دولار قد يختاره المجلس لكي يكون عضوا في مجلس الأمناء, ولكن ذلك لا يكون علي حساب الموضوعية التي تجعل الجائزة محل ثقة واحترام.
ثانيا, إذا أخذنا مثالا, جائزة الصحافة في دبي أو في مصر أو غيرهما, وقرأنا الإعلان عن الجائزة, نجد أن الإعلان نفسه يقول إن هناك مثالب فيها. فالإعلان يقول إن علي من يرغب أن يرشح نفسه للجائزة أن يتقدم بأعماله للجنة الجائزة في الموعد الفلاني. لا يوجد كاتب أو صحفي محترم يحاول أن يروج لنفسه ويتقدم بأعماله إلي جائزة, فهذا سلوك مشين ومهين. لجنة الجائزة أو الصحف ذاتها تتقدم بأحسن ما لديها من كتاب وصحفيين من دون علم الكتاب أو الصحفيين, ليفاجأ الكاتب أو الصحفي في النهاية بأنه قد حصل علي الجائزة. في العالم العربي لا توجد مفاجآت. فالجوائز هي مكافأة نهاية خدمة, أو نوع من الاعتراف بما هو موجود, كحصول كاتب صحفي مصري مثلا علي جائزتين في العام ذاته, من دبي ومن الكويت, وظني أن صاحبنا لا يحتاج إلي أي منهما الآن, فهو كاتب معروف منذ سنين, كنت أقرأ له وأنا طالب في الثانوية العامة, أي قبل ثلاثين عاما مضت, وهو رجل سبعيني, فإذا ما منحنا الجوائز اليوم لمن هم في السبعين من العمر, فمتي سنمنح من هم شارفوا علي الخمسين والستين من العمر؟. ولم أعرف من الجائزتين حيثيات الحصول علي أي منهما. هل هي جائزة علي عمل معين, أم أنها جائزة علي مجمل أعماله, أم أن أحدا قال لأصحاب الجائزة إن فلانا هو كاتب متميز, وظلم ولم يمنح جائزة طوال عمره, فشفقة به علينا أن نمنحه الجائزة هذا العام؟ إيه الحكاية؟ هل هي جائزة تميز, أم شفقة, أم إهانة؟ لا أظن أن جائزة بهذه المعايير تفرح من يحصل عليها.
جوائز السينما والمسرح التي تمنحها دول لا تنتج سينما ولا مسرحا. جائزة السينما والمسرح في هوليوود أو فينيسيا أو كان أو حتي في الهند في حالة بوليوود, هي جوائز محترمة لها مصداقية لأن مانحيها يفهمون في هذا الفن ويعدون من أفضل منتجيه, أما أن يحصل فنان علي جائزة السينما من دبي أو من الكويت مثلا, مع كل التقدير, فهذا لا يعني شيئا. لأن القائمين علي هذه الجائزة في وزارة الثقافة سيطلبون من أحد أصدقائهم في مصر أو لبنان أن يرشح لهم لجنة تحكيم ممن يعرفونهم, فيفكر صاحبنا في لجنة التحكيم وما لها من مميزات سفر وإقامة ومكافآت فيضع لجنة من أصدقائه لا تعكس معرفة مجملة بالفن المراد تقييمه, مجرد مكافأة للأصدقاء.
لا أدعي خبرة في الجوائز العربية, ولكنني عضو في لجنة تحكيم في واحدة من الجوائز الغربية المهمة, ولا أعرف بقية أعضاء التحكيم. كما أنني عضو في ترشيحات واحدة من جوائز العلوم الاجتماعية التي كنت أتمني أن أحصل عليها, ولكن بما أنني عضو لجنة ترشيحات, لا يحق لي أن أكون من ضمن المرشحين, وفي كلتا الحالتين لا أعرف من زملائي في هذه اللجان, لأنها لجان سرية, وهنا تكون الموضوعية. أعضاء اللجنة يرسلون بتقاريرهم, ولجنة الجائزة تقرر بناء علي هذه التقارير التي لا يعرف أصحابها بعضهم البعض. هذه هي الجوائز التي تساوي اسمها وقيمتها, أما جوائز الشللية, فمهما كانت قيمتها فتترك في قلب الحاصل عليها فراغا. قد تملأ جيبه, ولكنها لا تملأ قلبه, ببساطة لأنها لا تعكس أي معايير تدعو إلي الاحترام.
أضرب مثلا لهذا الفراغ بالشاعر السوري المعروف والمتميز, بلا شك, أدونيس, فظني أنه قد حصل علي العديد من الجوائز العربية, ولكنه لا يزال يبحث عن نوبل, ليس لأن نوبل مغرية ماليا فقط, ولكن لأنها محط احترام العالم كله لما فيها من انضباط في المعايير. جماعتنا ممن لم يفوزوا بها يرونها جائزة مسيسة, ولكن رأيهم لا يؤخر ولا يقدم, لأن نوبل ستظل إلي الأبد الجائزة العالمية الأولي التي يسعي إليها كل من أراد احتراما في علم من العلوم.
بكل أسف لدينا العديد من الجوائز التي تمنح أموالا كثيرة, لكنها لا تحظي بأي احترام نتيجة لغياب المعايير الحاكمة, حتي جائزة البوكر البريطانية, فقدت معناها عندما تحولت إلي جائزة عربية, وما الفضيحة الأخيرة إلا مثل صارخ لما أتحدث عنه.
الحل ليس في إلغاء هذه الجوائز, ولكن في تجميع أموالها في ثلاث جوائز عربية محترمة, في العلوم وفي الآداب وفي الفنون. جائزة يترك أصحابها العيش لخبازيه, لا لموظف سابق في حكومة من الحكومات, ولا لأصدقاء أمير أو شيخ أو رئيس, لأن في ذلك فسادا وإفسادا, هذا إن كانت نية الأمراء والشيوخ والرؤساء هي تشجيع الإبداع, لا مكافأة الموالين والأصدقاء. جوائزنا, بكل أمانة لا تقترب من أي قيمة عالمية, مهما ادعي أصحابها, وليدافع كل عن جائزته. لكن المشكلة وبكل صدق هي غياب المعايير التي تحكم عمليات الاختيار في عالمنا العربي, ولا داع أن نكذب علي أنفسنا, ونجمل في جوائز فاقدة للمعني, وبالتالي كما يقول المصريون زي قلتها.