التظاهرة التي دعا إليها شباب الثورة المصرية في عدد من ميادين مصر وساحاتها, خطوة ضرورية لإعادة الثورة الي صراطها المستقيم.
بعد خمسة أشهر من تنحي الرئيس السابق حسني مبارك, بات الجمود الحالي يهدد بخسارة الكثير من مكتسبات الثورة, ويمهد لإعادة بناء آليات الاستبداد والطغيان المتهاوية. ليس هذا كلاما في الهواء, فعدد من الحوادث والتطورات التي وقعت أخيرا في مصر, تنبئ بوجود قوي تعمل جاهدة علي إعادة عقارب الساعة الي الوراء.
غياب أي تصور لمستقبل البلاد, وأداء القضاء المرتبك (الذي يلغي في يوم المجالس المحلية ويخلي في آخر سبيل المتهمين بقتل المتظاهرين, قبل ان يتراجع مضطرا عن خطوته هذه), وتهافت الإدارة العامة, والغموض الشديد للموقف الأمني وحقيقة ما تفعله الأجهزة, والشهادات المقلقة عن استمرار الممارسات السابقة, تبقي مجرد عينات صغيرة لحالة القلق التي تهيمن علي مصر في هذه الفترة الانتقالية.
ومن ميزات المراحل الانتقالية كلها, ارتفاع مستوي الاستقطاب بين التيارات الفاعلة في البلاد. والجهتان الأكثر تنظيما في مصر اليوم, الجيش و الاخوان المسلمون, تبدوان وكأنهما لا ترغبان في نهاية هذه المرحلة, بعدما استمرأتا طعم السلطة الواسعة, والتي مازالت, والحق يقال, بعيدة عن الرقابة التشريعية والقانونية. وبعدما شهدت علاقات الجيش و الاخوان صعودا وهبوطا في ملفات معينة, كمستقبل الأجهزة الأمنية, يمكن القول ان الجانبين يقفان في خندق واحد منذ الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في (مارس) الماضي.
هنا مصدر واحد من الأخطار الكبيرة التي تواجهها الثورة المصرية: التحالف غير المعلن بين الجانبين, واستعداد الجيش و الاخوان لعقد صفقة كبري تضمن للأول الحق في تحريك الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد بعد انتهاء الفترة الانتقالية, من وراء الستار, مقابل التنازل للجماعة في ميادين السياسات الاجتماعية والثقافية والتربوية. هذا التحالف يهدد فعلا بظهور حكم يتخذ من الدين غطاء له, لكنه يسلم أعنته الي المجموعة العسكرية الحاكمة اليوم. ويعج التاريخ العربي الحديث بنماذج من التحالفات التي تقاسمت فيها الحكم مجموعات كان ديدنها الحفاظ علي مصالحها علي حساب مصلحة الأكثرية الساحقة من المواطنين.
في المقابل, تتحرك القوي التي تشعر بخيبة أمل عميقة من المجلس العسكري ومن الحكومة التي يترأسها عصام شرف (المخيب لآمال شباب الثورة هو الآخر), لدفع الأحداث صوب ما تراه استكمالا لأهداف سقط من أجلها أكثر من ثمانمائة مصري برصاص قوات أمن النظام في أيام الثورة. والحال ان العسكريين وشرف وحكومته, لم ينجزوا الكثير من الملفات, التي كان يتعين ان تقفل قبل بدء المرحلة الجديدة بعد الانتخابات المقررة في سبتمبر المقبل, فلا صيغة الدستور أولا او الانتخابات أولا أفضت الي أي مكان, ولا محاكمات رموز العهد السابق (الفاسدين والمجرمين منهم) تقدمت كثيرا, رغم صدور بعض الأحكام في مسائل لا تعتبر في صلب مطالب الثوار (الحكم علي وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي, والحكم الآخر علي نظيره في الداخلية حبيب العادلي في قضية فرعية.
وليس من يشكك في صعوبة الموقف الحالي وفي أن الأسئلة حول مستقبل مصر أكثر بكثير من الإجابات, وأن القوي الساعية الي تثبيت مواقع لها علي الساحة السياسية تخوض فيما بينها صراعات ظاهرة ومستترة شديدة التعقيد والتشعب, لكن كل هذا لا ينبغي ان يلغي حقيقة ساطعة, وهي ان الحفاظ علي الثورة مهمة لم تنجز بعد.
* الحياة اللندنية