طفت علي السطح مرة أخري قضية شهادة المسيحي في الأحوال الشخصية وهل هي جائزة أم لا؟شهدت جلسة لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب منتصف الشهر الحالي مناقشات ساخنة وجدلا شديدا حول تصريحات الدكتورة زينب رضوان الأستاذة في أصول الشريعة الإسلامية,وكيلة المجلس بشأن السماح بسماع شهادة أصحاب الديانات الأخري في مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين مؤكدة أنه لا يوجد مانع صريح في القرآن الكريم والسنة للأخذ بها.في الوقت الذي اعتبر فيه أعضاء اللجنة أن الحديث عن هذه الأمور يعد مخالفة صريحة لأحكام الشريعة الإسلامية,وخروجا علي القواعد الدينية الثابتة في المجتمع.وقد صرحت الدكتورة زينب رضوان أنها كأستاذة في أصول الشريعة الإسلامية لا تريد من إثارة هذه الأمور المساس بثوابت الشريعة الإسلامية التي لا تستطيع أن تجترئ عليها,ولكن طلبها جاء حرصا منها علي الفهم الصحيح للإسلام وعظمة الدين الإسلامي السمح.وأكدت علي شرعية شهادة المسيحي أمام المحاكم وهو ما يتطلب إعادة النظر تشريعيا في هذا الأمر حيث لا يجوز إهدار الشهادة لأي شخص متي توفرت كافة مقومات الاطمئنان علي مصداقيته وأمانته.
جدير بالذكر أن محكمة الزيتون للأحوال الشخصية كانت مسرحا لقصة واقعية حول قضية شهادة المسيحي في قضايا الأحوال الشخصية لمسلمين حيث تقدم ممدوح وشقيقه محمد إلي المحكمة بطلب لإشهار إعلام وراثة بعد أن توفيت والدتهما,وحددت المحكمة جلسة لنظر الطلب في القضية وطبقا للقواعد القانونية فإنه لابد من وجود شاهدين يعرفان المتوفاة وأفراد عائلتها جيدا…وهو ما جعل ولديها يطلبان شهادة جارهما المسيحي الذي يقيم معهما في البيت نفسه بالزيتون,أن يكون شاهدا في القضية لاسيما أنه كان شاهدا في قضية مشابهة بعد وفاة والدهما أمام نفس المحكمة من قبل…
رفض القاضي شهادة الجار لأنه مسيحي وطلب من الشقيقين ما نصه ”أخرجا وأحضرا شاهدا من الشارع وأنا أقبل شهادته” وأمام إصرار الشقيقين أجل القاضي نظر الطلب لمدة أسبوع لحين إحضار شاهد مسلم.تدعو هذه الواقعة للتساؤل حول النصوص القانونية في هذا الموضوع؟! وهل من حق القاضي أن يحكم بما تحت يده من نصوص وتشريعات قانونية؟!
قضية جدلية
في البداية يقول الدكتور مصطفي لبنة رئيس محكمة استئناف الإسكندرية إن القضية جدلية حيث ينص قانون الإثبات في المسائل المتعلقة بالشهادة في المحكمة علي عدم التمييز أو التفرقة طبقا للأديان ويسري ذلك علي القضايا المدنية والجنائية أما بالنسبة للشهادة في قضايا الأحوال الشخصية فلم تذكر في أي قانون.ويضيف المستشار لبنة أن هذا الأمر أدي إلي أن القاضي يقبل أو يرفض شهادة المسيحي في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين طبقا لقناعاته.فالبعض يأخذ بأن قاعدة الإثبات تضمن المساواة في الشهادة في جميع القضايا في حين يري آخرون طبقا لبعض المذاهب الإسلامية أنه لا يجوز الأخذ بشهادة القبطي في هذه القضايا.
ويتفق مع الرأي السابق الأستاذ جمال البنا المفكر الإسلامي وقال إنها قضية جدلية ومسألة اجتهاد باعتبار أن الشهادة في الأحوال الشخصية تخص قضية يحكم فيها بناء علي الشريعة الإسلامية وبالتالي فاجتهاد المحكمة له ما يبرره ولا يعني ذلك أي تفرقة أو تمييز.
غير دستوي
أكد المحامي بالنقض سامي حرك أن هذه واقعة تدخل في إطار التمييز الناتج عن اختلاط الثقافة الشعبية بالنصوص الدستورية والقانونية وأضاف أن الشهادة أمام المحاكم ينظمها قانون الإثبات الذي وضع شروطا عامة ليس من بينها الديانة لكن جاء في مقدمة قانون الأحوال الشخصية ضرورة الحرص علي عدم التعارض مع مبادئ وأحكام الشريعة.
واستطرد قائلا:إنه للأسف الشديد يعد رفض القاضي لشهادة المسيحي أمرا قانونيا لكنه ليس دستوريا لأن المادة الثانية تشير إلي مبادئ الشريعة,لا أحكام الشريعة,والفرق بين الاثنين شاسع,فالمبادئ -وفقا لتعريف المحكمة الدستورية- هي الأصول العامة الثابتة علي وجه القطع واليقين,بينما الأحكام تتعدي الأصول إلي أدق التفاصيل معززة بأدلتها وتفاسيرها المأخوذة عن الفقهاء والشراح!
وأشار حرك إلي أنه من المفارقات أن المحكمة تأخذ بشهادة المسلم في الأحوال الشخصية لغير المسلمين بينما لا يحدث العكس.وأضاف أن مجموعة من المصريين ستحرك دعوي قضائية للطعن علي مقدمة قانون الأحوال الشخصية وتغييرها لتصبح أكثر اتساقا مع الدستور ولا تفرق بين مواطن وآخر.
انحياز الدولة
قال بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان إن القانون لا يميز فيما يتعلق بالشهادة بين المسلمين وغيرهم من المصريين لكن التصرفات التي تصدر في سياق التمييز تأتي نتيجة عدم احترام مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون من قبل الدولة التي تتصرف بشكل منحاز في عدد متزايد من القضايا المنظورة أمام المحاكم.
أضاف أنه إذا كانت الدولة تتصرف هكذا فلا عجب أن يقوم أحد القضاة برفض شهادة المسيحي في بعض القضايا لا سيما أن بعضهم مشبع بثقافة دينية محافظة وسلفية.
استطرد قائلا إن المادة الثانية من الدستور تمنح سندا بشكل مباشر وغير مباشر بالرغم من أنها موجهة إلي المشرع كما جاء في تفسير المحكمة الدستورية لها وهو ما ظهر جليا في قضايا البهائيين والقرآنيين.
تجريد من الآدمية
أيد الأستاذ حازم عبد الرحمن الكاتب بالأهرام الدكتورة زينب رضوان,ورأي أن الأهلية في الشهادة تتحق للمرء بمجرد كونه إنسانا,وليس لأنه مسلم أو مسيحي أو يهودي…الإنسان الذي كرمه الله علي العالمين,الذي سخر الله له الرياح والبحار والطير والدواب والأرض…هذا الإنسان وفقا لهذا المفهوم الرباني من الذي يحرمه من حق الشهادة؟
وأضاف أنه بمجرد وجود الإنسان يصبح له حق الشهادة…فكيف لا نقبل شهادته لمجرد أنه من ديانة مختلفة؟أليست هذه عنصرية وتمييزا وتحيزا لا يقبله الإسلام؟ لا يجب حرمان أي إنسان من حق الشهادة مهما كانت ديانته إلا بحكم قضائي من محكمة مدنية وأمام قاض طبيعي…ثم كيف نتيح للإنسان,امرأة أو رجلا من أي دين,في مجتمعنا هذا,حق الانتخاب,واختيار رئيس الجمهورية,واختيار مجلس الشعب,ومجلس الشوري,وتكوين كل الهيئات والمجالس التي تدير الدولة ثم نحاول أن نجرده من آدميته الكاملة لمجرد أنه امرأة أو من دين مخالف؟!
مصريون ضد التمييز
دار حوار فعال بين أعضاء مجموعة ”مصريون ضد التمييز الديني” حول هذه القضية والإجراءات التي يجب اتباعها لتصحيح هذا الوضع وقال الأستاذ حسام بهجت رئيس مركز المبادرة الشخصية لحقوق الإنسان إن القاعدة في مسائل الأحوال الشخصية هي عدم قبول شهادة غير المسلم علي المسلم,وذلك ليس بناء علي نص في القانون وإنما علي التفسير المستقر لمحكمة النقض,مثل الحكم الصادر عام 1974,الذي ينص علي أنه يشترط في الشاهد الإسلام إذا كان المشهود عليه مسلما وعللوا ذلك بأن الشهادة فرع من فروع الولاية لما فيها من الإلزام ولا ولاية لغير المسلم علي مسلم.
وأضاف أن مفتاح فهم مشاكل الطائفية في مصر يكمن في موضوع الولاية.
وصف الدكتور سامر سليمان الأستاذ بالجامعة الأمريكية الواقعة بأنها خطيرة جدا,ولكنها ليست الأولي.وقال إنه سمع عن حالات مماثلة من قبل,وتنبع خطورة الموضوع من أن التمييز جاء من داخل المؤسسة القضائية التي من المفترض أن يكون لها دور محوري في مكافحة التمييز الديني.
وطالب الدكتور سليمان بوضع تفسير محدد للمادة الثانية من الدستور يتيح المساواة التامة بين المواطنين والتي تنص علي أن ”المواطنون لدي القانون سواء,وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة,لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
وطالب الدكتور محمد منير مجاهد مؤسس ”مصريون ضد التمييز الديني” بإنشاء شكل مؤسسي يتمكن من متابعة قضايا التمييز بشكل منهجي ومستمر والسعي إلي القضاء علي التمييز من خلال العمل علي تنمية الطابع المدني الديموقراطي للدولة المصرية.