عندما ترنم المرنم بهذه الكلمات: أساسه في الجبال المقدسة الرب أحب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب (مز 87: 1-2) لم يكن يقصد جبالا بعينها فكل جبل يحل عليه الرب يتقدس بحلوله كقوله المبارك لموسي عند جبل سيناء اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة (خر 5: 3) ويحتل جبل أسيوط مكانة رفيعة بين الجبال لما ناله من بركة الحلول الإلهي وتجلياته النورانية.
ويمكننا أن نتعرف علي ملامحه القدسية, وسماته الروحية من دراستنا لجبل تابور الذي ورد ذكره في أسفار متعددة من الكتاب المقدس وحظي بكثير من التجليات الإلهية والنعم السمائية فجبل العذراء الذي تسمي بجبل أسيوط تذكارا لتجلياتها المباركة وتمجيدا لاسم المسيح وتصديقا للنبوة القائلة ويكون محله مجدا تماثل في ذلك بالجبال التي أخذت ألقابها من الأحداث التي حدثت عليها.
فجبل المريا أخذ لقبه من قول إبراهيم لابنه إسحق: الله يري الحمل الذي يقدم محرقه يا ابني (تك 22: 20). وأيضا التجلي صار اسما للجبل الذي تجلي عليه المسيح (مت 17: 1). وما بين جبل تابور فخر جبال العهد القديم – وجبل أسيوط الذي تلألأ في العهدا لجديد الشيء الكثير الذي يملأ قلوبنا بالفرح والبهجة ونراه فيما يلي:
أولا: الاسم: تقول دائرة المعارفة الكتابية أن تابور محرف من دبورة ومعني كلمة دبورة كما ورد في المعاجم اللغوية نحلة ولعلها سميت كذلك لما لجبل تابور من ارتباط بالنصر الذي تحقق لشعبها وكان الانتصار حلوا كالعسل, وهذا ما يتميز به جبل أسيوط الذي حلت به العائلة المقدسة فصار هذا الجبل طاقة فاعلة وباقة من الزهور والورود (نش 1: 14, 2: 12) وامتصت منه العذراء رحيقها الطيب فكان لها الشهد والعسل الذي يقول فيه سفر النشيد شفتاك يا عروس تقطران شهدا تحت لسانك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لبنان (نش 4: 11, 12).
ثانيا: الصفات: فقد جاء وصف جبل تابور في تفسير المزامير ص486 لدير القديس أنبا مقار, أنه أكثر الجبال جمالا وأروعه منظرا, إذ تعلوه الخضرة الدائمة والبساتين المثمرة والأشجار الباسقة ذات الظل الوارف والوجود المريح لذلك كان مقصد الكثير من الأنبياء والقديسين علي مدي العصور والأجيال ولعل جبل أسيوط يحتل هذه المرتبة السامية أيضا بين جبال وصحاري مصر الذي حلت به العائلة المقدسة والعذراء فردوس حياتنا تتوسطه شجرة الحياة التي يطيب تحت ظلالها الرواح والجلوس تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي (نش 2: 3) ولهذا يتوافد الزائرون من كل حدب وصوب إلي جبل العذراء يشمون رائحته ويتظللون بظلاله المقدسة.
ثالثا: حبل الهتاف والشهرة: فقد أعطي الرب من شهرته لهذا الجبل الذي جعل له صيتا مدويا واسما مشهورا ولم تكن هذه الشهرة من فراغ ولكنها كانت ثمرة التسابيح والتهاليل التي يترنم بها كما قيل تابور وحرمون باسمك يهتفان (مز 89: 20) إنه الهتاف الممتد لمنتهي الأجيال علي جبل أسيوط حيث الألحان والتماجيد تتواكب مع موكب العذراء الطائف بأنحاء الدير يبارك أناشيده نيافة الحبر الجليل أنبا ميخائيل مطران أسيوط وتتصاعد إلي السماء صلوات العابدين الأنقياء مع بخور المجامر الذي يشتمه الله رائحة سرور ورضي عن شعبه المصفق بالأيادي مستعيدا بذلك قول المرنم: يا جميع الأمم صفقوا بالأيادي اهتفوا بصوت ابتهاج.
رابعا: تابور منطلق الملوك: نلاحظ أن تابور سمي بوادي الملوك تذكارا للقاء الذي تم بين الملوك بإبراهيم أب الآباء بعد رجوعه منتصرا في معركة تحرير لوط (تك 14: 18). وصموئيل النبي عندما اختار شاول ملكا لإسرائيل, أتي به إلي بلوطة تابور (1صم 10: 3) وهناك مسحه ملكا علي إسرائيل فدعي بمسيح الرب (1م 12: 3, 16, 6) وبهذا تكون مسيرة الملوك قديما لتولي الملك انطلاقا من جبل تابور الرمزي وتواصل ذلك إلي أن جاء الرب يسوع الذي قيل عنه ويعطيه الرب كرسي داود أبيه ويملك علي بيت يعقوب ولا يكون لملكه نهاية (لو 1: 33). وإذا كان شاول قد أخذ مسيرته إلي العرش من تابور فالمسيح تمجد اسمه أيضا في جبل أسيوط.
حيث جاء الأمر ليوسف النجار قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلي أرض إسرائيل (مت 2: 20) وهكذا خرج يسوع من مصر – منطلقا من جبل العذراء إلي شعبه الذي سيملك عليه لكي يتم فيه القول مبارك شعبي مصر.
خامسا: جبل تابور والكهنوت الملكي: وتقول عنه دائرة المعارف الكتابية (ص331) – إنه المكان الذي تقابل فيه ملكي صادق ملك ساليم بإبراهيم أب الآباء (تك 14) فكان لقاء الكهنوت الرمزي الذي كان ظلا لكهنوت المسيح أقسم الرب ولن يندم أنك أنت كاهن إلي الأبد علي رتبة ملكي صادق. وهو الكهنوت الذي تسامي بالآتي:
1- كهنوت التبرير: فإذا كان إيمان إبراهيم قاده إلي مصاف الأبرار فآمن بالرب فحسبه له برا (تك 15: 6) فملكي صادق كرمز للسيد المسيح هو ملك البر (تك 14: 18, عب 7: 2).
2- كهنوت التحرير: إن المناسبة التي وقف فيها إبراهيم أمام ملكي صادق هي مناسبة تحرير الأسري من أيدي كدر لعومر ملك عيلام وأتباعه وكان من بينهم لوط ابن أخيه (تك 14), أما الحرية الأسمي والأعظم فكانت حرية إبراهيم الذي تحرر حتي من عادات الشعوب التي كانت تقضي له بحق المقتنيات المغتصبة من الغاصبين ورفضها بإباء وكرامة رفعت يدي إلي الرب الإله العلي مالك السموات والأرض لا أخذن لا خيطا ولا شراك نعل ولا من كل ما هو لك (تك 14: 4) وكأنه قد نال من حرية المسيح الذي دعانا إلي حرية مجد أولاد الله (رو 8: 21) وإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا (لو 8: 36).
ج: كهنوت التغيير: الذي به تغيرت الذبائح والتقدمات التي تقدم لله فالذبائح الدموية استبدلت بالتقدمة التي قدمها ملكي صادق من (تك 14: 18) من الخبز والخمر وهذا التغيير حدث علي جبل تابور. وهو ما يقوم به جبل أسيوط الذي يدعو زائريه إلي التغيير الشامل والكامل في الشكل والذهن والروح تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رو 12: 2).. فهيا بنا جميعا نصعد إلي جبل العذراء لنقابل المسيح الآتي طافرا علي الجبال قافزا علي التلال (نش 2: 8) لنركع أمامه شاكرين وبأمه العذراء متشفعين أن يحفظ لنا أبانا الطوباوي المكرم نيافة أنبا ميخائيل مطران أسيوط الذي هيأ جبل أسيوط بالرعاية والتعمير ليكون مقدسا لحلول الرب الذي له المجد إلي الأبد. آمين.