تمنح جائزة نوبل للسلام إلي الأفراد والجماعات الذين يكرسون أنفسهم للعمل من أجل السلام بين الأمم أو لحل أو تقليص جيوش قائمة أو إلي من نظموا أو شجعوا انعقاد مؤتمرات سلام دولية.
وبحسب ما جاء في بيان لمؤسسة نوبل النرويجية: ##منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية منحت جائزة نوبل في المقام الأول تقديرا للمساعي والجهود التي تبذل في أربعة ميادين رئيسية هي ضبط ونزع السلاح; مفاوضات السلام; الديموقراطية وحقوق الإنسان; والعمل الرامي إلي إنشاء عالم أفضل تنظيما وأكثر سلما.##
ويوم 9 أكتوبر الماضي, أعلنت لجنة نوبل النرويجية أنها ##قررت منح جائزة نوبل للسلام للعام 2009 إلي الرئيس باراك أوباما تقديرا لجهوده الاستثنائية في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب. وقد علقت اللجنة أهمية خاصة علي رؤية أوباما وعمله في سبيل إيجاد عالم خال من الأسلحة النووية.##
وسيتسلم أوباما الجائزة في دار بلدية أوسلو يوم 10 ديسمبر , وسيصبح ثالث رئيس أمريكي يحظي بهذا الشرف كهذا خلال توليه منصب الرئاسة. وسيتسلم الرئيس ميدالية نوبل, وشهادة شخصية, ومبلغا نقديا يساوي مليون دولار. وسيتبرع الرئيس بالمبلغ لمنظمات خيرية_حسبما أفاد السكرتير الصحفي للبيت الأبيض روبرت جيبز.
وقالت اللجنة في معرض إعلانها عن منح الجائزة لأوباما : ##لقد سعت لجنة جائزة نوبل النرويجية علي مدي 108 سنوات إلي حفز تلك السياسة الدولية بالذات وإلي انتهاج المسلك الذي أصبح أوباما الآن أبرز المتحدثين العالميين باسمه.##
وفي حين تمنح خمس جوائز نوبل سنويا فإن جائزة السلام هي الأوسع شهرة في العالم, وكان في عداد الفائزين بها في السابق بعض من الشخصيات الأكثر تأثيرا وأكثرهم تمتعا بالاحترام في القرن الماضي.##
لكن علي العموم يعرف عن مؤسس جائزة نوبل, الكيميائي الذي يحمل نفس الاسم الذي كدس ثروة كثمرة اختراعه للديناميت, أقل مما يعرف عن متلقي هذه الجائزة. ومن المفارقات أن الجائزة التي تحمل اسم مخترع الديناميت عززت الأقاويل أن ألفريد نوبل كان لديه إحساس بالذنب وأنه أسس الجائزة كبادرة تكفير عن اختراعه للديناميت.
إلا أن الأمريكي إيروين أبرامز, واضع عدة مؤلفات عن جائزة نوبل للسلام, يدحض هذه الأقاويل ويجادل بأن نوبل كان معنيا وبصورة حصرية بالتطبيقات المدنية لاختراعه في مجالات مثل شق القنوات والتعدين والبناء التجاري. وشأن كثير من الاكتشافات العلمية الأخري فإن المهندسين العسكريين إنما اكتشفوا استخدامات بديلة لمنتجه هذا.
ولم يكن إنشاء جائزة للسلام في الحقيقة نية نوبل المبدئية. فكونه مخترعا, ثقف نفسه بنفسه, وبدون درجة جامعية, ابتغي نوبل أن يشجع سواه من علماء طامحين. وبالتالي, قرر أن يوصي بثروته لمؤسسات سويدية تمنح جوائز في حقول الفيزياء, والكيمياء, والطب والأدب.
لكن في وقت متأخر من عمره ألهمته صديقته البارونة النمساوية بيرتا فون ستنر كي يؤسس جائزة لصنع السلام. وكانت بيرتا المنظمة الرئيسية لحركة سلام دولية ومؤلفة رواية بعنوان ##ألقوا سلاحكم##.
وجاء في وصية نوبل أن جائزة السلام يجب أن تكون من نصيب الشخص ##الذي يكون قد أنجز أكبر قدر أو أفضل عمل من أجل الإخاء بين الأمم, ولصالح حل أو تقليص الجيوش القائمة ومن أجل عقد وتشجيع مؤتمرات السلام.##
وفي عدة مناسبات جري تقاسم الجائزة بين أطراف عملت علي تنظيم مؤتمرات سلام. ففي 1973 اختير الأمريكي هنري كيسينجر والفيتنامي لي دوك تو لعملهما علي اتفاقية وقف إطلاق نار لم تصمد طويلا. وقد رفض الأخيرتسلم الجائزة.
لكن وبصورة متواترة كان من أسباب منح جائزة نوبل للسلام ##العمل من أجل الإخاء بين الأمم, لا سيما لمن يعملون علي صون حقوق الإنسان. وكانت أول حالة تعطي فيها الجائزة لشخصية من هذا القبيل فوز ألبرت لوتولي بها في عام 1960 لما قام به من عمل لصالح الحقوق المدنية في جنوب أفريقيا.
وكانت هناك عدة حالات مشابهة لذلك من بينها تسلم مارتن لوثر كينج لجائزة السلام في العام 1964 لقيادته لحركة الحقوق المدنية الأمريكية. ونالها أدولفو إسكويفيل في سنة 1980 لعمله في مجال حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية, وليخ فاوينسا في عام 1983 لنضاله من أجل حقوق العمال في بولندا, والقس ديزموند توتو في سنة 1984 لمحاربته سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا, والدالاي لاما في عام 1989 لما قام به من عمل دفاعا عن حقوق شعب التيبيت, والأسثقف بيلو في سنة 1996 لعمله لحماية شعب تيمور الشرقية.
ومنحت أول جازة نوبل للسلام في عام 1901 بعد خمس سنوات من وفاة نوبل. ويعلن عن الجوائز في شهر أكتوبر من كل عام وهو الشهر الذي ولد فيه نوبل وتقدم في يوم 10 ديسمبر وهي الذكري السنوية لمماته. وفي بعض السنوات يجري تقاسم الجائزة بين أفراد أو تمنح لمنظمات. وفي سنوات أخري لا تمنح الجائزة كلية كما حصل بصورة متواترة في سنوات الحربين العالميتين من القرن الماضي.
ويقوم أعضاء لجنة نوبل, وأفراد في حكومات أجنبية وأعضاء في منظمات رسمية بتسمية المرشحين للجائزة. وفي العادة ترفع أسماء حوالي 150 مرشحا إلي اللجنة. كما أن حائزين سابقين للجائزة يقومون بالترشيح.
وجائزة نوبل تكون دائما آخر جائزة من جوائز نوبل الخمس التي يعلن عنها. وهي تتضمن مبلغا نقديا يساوي مليون دولار. وكانت الجوائز تقدم في إحدي قاعات مؤسسة نوبل حتي عام 1947 حينما بوشر بنقل وقائع الحفل إلي مكان أرحب في مسرح جامعي. وفي عام 1990 حينما فاز ميخائيل جورباتشوف بالجائزة نقل الحفل إلي دار بلدية أوسلو التي تضم قاعتها أكثر من 1000 مقعد. وطبقا لمؤسسة نوبل النرويجية لا أحد يعرف علي وجه اليقين لماذا أراد المخترع السويدي أن تقوم اللجنة النرويجية بتقديم جائزة السلام تحديدا او ما الذي دفعه لشمل النرويج في أعمال لجنة جائزة نوبل في المقام الأول.
وفي السنوات الي تبعت السنة التي قدمت فيه أول جائزة أصبح يحتفي بهذا الحدث بدرجة لم يكن يحلم بها نوبل بدون شك. فقد ذكر ديفيد مورلي المدير الكندي لمنظمة أطباء بلا حدود أن مكالمة هاتفية من محطة تلفزيون أيقظته في الساعة الخامسة صباحا حينما فازت منظمته بالجائزة في عام 1999 وذلك لإجراء مقابلة معه في الحال. وقال إنه في كندا وبعد الإعلان عن فوز منظمته بالجائزة زادت الأموال المساهم بها لمنظمته أربعة أضعاف وإن منظمته تتمتع الآن باهتمام أكبر من قبل المسئولين الحكوميين.
وكثيرا ما يكتنف الجائزة جدل وخلاف. فاللجنة المكونة من خمسة أفراد يعينها البرلمان النرويجي وبالتالي فإن تركبيتها تتأثر بالقوة النسبية للأحزاب السياسية في تلك الهيئة التشريعية.
ففي عام 1935 رشح الصحفي وداعية السلام كارل فون أوزييتسكي الذي كام يقبع في سجون أدولف هتلر من قبل أصدقاء كانوا يرغبون في حمايته. ولم يتوقعوا أن يفوز بالجائزة لكنه فاز بها فعلا. وقد انسحب وزير خارجية ورئيس وزراء سابق في الحكومة النرويجية من عضوية اللجنة كيلا يستثير حنق حكومة ألمانيا النازية.
ومنذ ذلك التاريخ لم يسمح لأي عضو في الحكومة أن يتبوأ عضوية اللجنة. وفي عام 1977 حظر قانون أي عضو في البرلمان من الخدمة في اللجنة.
ولأن وقائع اللجنة تظل سرية تثار دائما تساؤلات حول لماذ يتم اختيار بعض الأشخاص لنيل الجائزة دون غيرهم. فالمهاتما غاندي لم يفز أبدا بجائزة السلام كما لم يفز بجائزة الأدب الروائي الروسي الشهير ليو تولستوي.
وسيكون حفل 10 ديسمبر حدثا مهما لوسائل الإعلام يتضمن تسليما وخطابا ومأدبة عشاء ملكية وحفلا موسيقيا تحضره شخصيات لامعة. ويذكر الفائز السابق بالجائزة القس توتو أن أمتع لحظة في حفل تقديم الجائزة له في عام 1984 كانت حينما تم إخلاء القاعة من الحاضرين بسبب تهديد أمني. وخارج القاعة أنشد الجميع أغنية من أغاني الحقوق المدنية. وأشار توتو إلي أنه استمتع بتلك اللحظة إلي أبعد حد لأنه كان بين قوم عاديين.