عماد خليل:
شهدت الانتخابات المصرية تراجعا شديدا في نسب المشاركة وعدم احترام إرادة الناخبين، وقلة ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات، وضعف تطبيق المعايير الدولية للانتخابات الديموقراطية، وتنظيم مضطرب وغير لائق للمراقبة
الوطنية. حيث رصد ائتلاف مراقبون بلا حدود لمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان خلال متابعته لعملية الاقتراع فى الجولة الأولى والإعادة للانتخابات البرلمانية المصرية، التى أجريت يومى 28 نوفمبر و 5 ديسمبر
2010 عن عدة ظواهر سلبية شابت العملية الانتخابية شملت الآتى عدم تعبير الانتخابات عن الإرادة الحرة للناخبين، وغياب المعايير الدولية لحرية ونزاهة الانتخابات فى سير عملية الاقتراع وجود حالات عديدة لتزوير وتسويد بطاقات الاقتراع لصالح مرشحى الحزب الوطنى والمنتمين لهم، مما ضيع فرصة تاريخية أمام إيجاد نقلة وتطور ديموقراطى حقيقى يتيح للأحزاب السياسية المشاركة فى صناعة القرار داخل البرلمان المصرى، وتداول
السلطة وإهدار 5 سنوات قادمة أمام المواطن المصرى، لكى يشارك مرة أخرى فى اختيار ممثلية بحرية فى المجلس التشريعى، وأدت حالات التزوير إلى مصادرة حق الناخب المصرى القانونى والدستورى فى المشاركة
السياسية الجادة، وهو ما انعكس على نسبة التصويت فى الجولة الأولى التى لم تتجاوز 14% وانخفضت إلى أدنى مستوياتها فى جولة الإعادة، ولم تصل 5% بسبب حالة الإحباط وفقدان الثقة لدي الناخب فى إجراء انتخابات تحترم رغبته وإرادته فى اختيار ممثليه، والتى عصفت بصورة كبيرة بوجود معارضة حقيقة داخل البرلمان بعد انسحاب حزب الوفد، والإخوان المسلمين عن استكمال جولة الإعادة.
عدم وجود إرادة سياسية صادقة وقوية لإيجاد تغيير للمناخ السيئ
والتدخلات الأمنية والإدارية للأجهزة التنفذية الحكومية فى سير العملية
الانتخابية، وإعلان نتائج غير معبرة عن اتجاهات التصويت واستبعاد غالبية
المرشحين ذو الثقل السياسى من المرحلة الأولى نتيجة التلاعب والتزوير فى
عملية التصويت، وهو ما أدى إلى فوز الوطني في الجولة الأولى للانتخابات
بعدد 221 مقعدا من بينها 173 من المقاعد العامة و48 مقعدا لكوتة المرأة
بنسبة 43.5% من إجمالي عدد مقاعد المجلس بالجولة الأولى، حيث فاز فيها
الحزب الوطني بـ 209 مقاعد، بما يعادل 41.1% من إجمالي عدد
المقاعد منها 56% فئات و 44% عمال وفلاحين، بينما فاز المستقلون بـ 7
مقاعد، والمعارضة الحزبية 5 مقاعد من بينها 2 للوفد، ومقعد واحد لكل من
أحزاب الغد والعدالة الاجتماعية والتجمع، كما جاءت نتائج الإعادة في صالح
الحزب الوطني لتزيد من سيطرته على البرلمان، وقبضته الثقيلة على الحياة
السياسية فى مصر.
ارتفاع حدة الانتهاكات والتجاوزات فى الانتخابات البرلمانية 2010على الانتخابات البرلمانية 2005 بسبب غياب الإشراف القضائى الكامل فى هذه
الانتخابات ووجود اشراف جزئى غير مكتمل فى اللجان العامة، ومشاركة أقل من
2800 قاضى وعضو هيئات قضائية بمتابعة الانتخابات فى 45 ألف لجنة فرعية
مما صعب من التحديات التى يواجهها القضاة فى المرورعلى اللجان
الانتخابية خلال 11 ساعة هى مدة التصويت لعدم قدرتهم على المرور فى كافة
اللجان والوقوف على شكاوى المرشحين والناخبين، وهو مما يتطلب دراسة هذا
الوضع وعودة الإشراف الكامل للقضاة على الانتخابات.
لزيادة ضمانات الحياد فى العملية الانتخابية، حيث قام القضاة بدور وطنى
رائع فى الانتخابات البرلمانية الماضية.
وجود ضعف شديد فى الإمكانيات الإدارية والفنية للجنة العليا
للانتخابات، والتى أثرت بشدة فى قدراتها على تنظيم الانتخابات منذ بدايتها
حتى نهايتها، وعدم إفصاح اللجنة عن الميزانية المخصصة لها لإدارة
الانتخابات وتضارب الاختصاصات بينها وبين إدارة الانتخابات بوزارة
الدخلية، ورفضها تنفيذ نحو 700 حكم قضائى بإيقاف وإلغاء الانتخابات، مما
يدعو إلى ضرورة تشكيل لجنة دائمة مستقلة أو مفوضية عليا للانتخابات، وتطوير قانون إنشاء اللجنة العليا لكى يسمح بالاستقلالية أكبر فى القيام
بأعبائها.
ضعف القدرات القانونية لموظفى اللجان الانتخابية وعدم وعى نسبة عالية
منهم بقواعد تنظيم سير الاقتراع، ووقوعهم فى أخطاء عديدة واستهانتهم
بالنصوص القانوينة بقانون مباشرة الحقوق الساسية، وقواعد اللجنة العليا
للانتخابات وفى مقدمتها تأخير موعد فتح اللجان والتراخى فى إيقاف تدخل
مندوبى المرشحين فى عملهم، وعدم إلزامهم للناخبين باستخدام الحبر
الفسفورى، والتوقيع فى الكشوف، واستخدام أقلام رصاص فى التصويت، ووضع
الصناديق الانتخابية خلف الستائر، وليس أمام رؤساء وأمناء اللجان وعدم
التزامهم بسرية التصويت، وسماحهم بالتصويت العلنى
والجماعى، وقيامهم بالمشاركة مع أنصار المرشحين فى تسويد وتزوير البطاقات
الانتخابية، وتقصيرهم فى إجراءات غلق الصناديق وعدم اتباع الإجراءات
القانونية السليمة، وإلقاء أوراق الاقتراع المتبقية داخل اللجان
الانتخابية، وعدم إثبات الأوراق غير المستخدمة فى التصويت فى المحاضر
بسسبب عدم وجود تدريبات لهم من اللجنة العليا للانتخابات رغم أنهم عصب
عمليات التصويت والفرز.
تعمد نسبة مرتفعة من المرشحين وفى مقدمتهم مرشحى الحزب الوطنى بعدم
الالتزام بالقواعد التى حددتها اللجنة العليا للانتخابات بشأن تنظيم
التصويت والفرز والحملات الانتخابية وسقف الإنفاق الانتخابى، بما لا يزيد
على 200 ألف جنيه فى الجولة الأولى و100 ألف جنيه فى الجولة الثانية، ووفقا لروايات المرشحين أنفسهم فقد تجاوزوا هذا السقف من 5 أضعاف هذا
المبلغ إلى 30 ضعفا على الأقل، مما يعنى أن اللجنة العليا لم تضع شروطا
تتفق مع الواقع العملى فى الإنفاق والمشاكل والمتطلبات للانتخابات، كما
أنها لم تقم بأى إجراء قانونى فاعل ضد استخدام المرشحين من
الوزراء والأعضاء البارزين من الحزب الوطنى وأحزاب المعارضة والإخوان
المسلمين للدعاية الدينية واستخدام المساجد والكنائس والآيات القرآنية فى
حملاتهم الانتخابية أمام وداخل اللجان، وظل الضغط الإعلامى على
المنافسين للوطنى هو الوسيلة الأبرز فى تهديدات اللجنة بالشطب من
المحكمة الإدارية العليا.
تراخى الأجهزة الأمنية واللجنة العليا للانتخابات فى عدم
التصدى لمحاولات البلطجة والعنف واستخدام الأسلحة النارية وإرهاب
الناخبين أمام اللجان والرشاوى الانتخابية والمشاجرات بين المرشحين
وأنصارهم وترك الساحة لزيادة معدلات العنف الانتخابى والاعتداء على
المرشحين والناخبين، والتى زادت فى هذه الانتخابات على الانتخابات
البرلمانية فى 2005 بنسبة تزيد إلى 30%.
ضعف إقبال الناخبين على المشاركة السياسية بسبب عدم ثقتهم فى
العملية السياسية وتعبير الانتخابات عن اختيارتهم فى عملية التصويت،
وتراجع نسبة اختيار الأحزاب لمرشحين يتمتعون بالقبول والثقل السياسى، وضعف
دور الأحزاب فى التعبير عن قضايا المجتمع والمشاكل الملحة التى يعانى
منها الناخب ببرامج حقيقة تتصدى للنقص فى الخدمات والرعاية الاجتماعية
والصحية للأسر الفقيرة، وذات الدخل المحدود ومشاكل البطالة، وضعف البنية
الأساسية بالريف، وأدت لحد بعيد الأخطاء فى الأسماء وعدم دقة الكشوف
الانتخابية والمنع من دخول اللجان، وزيادة حدة
أعمال العنف والبلطجة، والتي أودت بحياة4 قتلى وإصابة73 شخصا في الجولة
الأولى، وإصابة 50شخصا فى جولة الإعادة وتسويد البطاقات الانتخابية
والبلطجة إلى تراجع مستوى إقبال الناخبين.
ضعف تجربة كوتة المراة فى جذب السيدات للتصويت والمشاركة
السياسية فى الجولتين الأولى والثانية نتيجة الأخطاء التى وقعت من اللجنة
العليا للانتخابات فى عدم تنفيذ الأحكام القضائية لصالح بعض المرشحات
بتمكينهن من القيد بكشوف المرشحين والدور السلبى لاختيارات الحزب الوطنى
فى استبعاد بعض الناشطات السياسيات من الترشح، واختياره لمرشحات فى بعض
الدوائر بعيدات عن العمل الاجتماعى والسياسى، والتلاعب من قبل اللجان
الفرعية فى عملية التصويت والفرز والنتائج، وإقصاء بعض الفائزات اللاتى لهن
حق دخول الإعادة، مما ساهم فى نجاح الحزب الوطنى.
بالاستحواذ على مقاعد الكوتة، وعدم شعور المرشحات بأية انفراجة سياسية
حقيقية لصالح تمكين المرأة سياسيا، وغلق الباب أمام الراغبات فى العمل
السياسى من المستقلات والراغبات من داخل الحزب الوطنى نفسه.
ارتفاع نسبة المظاهرات والاحتجاجات والمسيرات من المرشحين
وأنصارهم شارك فيها أعداد تتراوح من 2000 شخص إلى3000 شخص اعتراضا على
التلاعب فى نتائج الجولة الأولى التى لم تأت معبرة عن سير عمليات
التصويت ووجود تزوير متعمد وواضح فيها، واستخدام شعارات ضد التزوير
وتدخل السلطات التنفيذية الأمنية عن طريق منع دخول الناخبين لعدد
من اللجان وطرد مندوبى المرشحين ووكلائهم غير المنتمين للحزب الوطنى،
وقصر اعتماد التوكيلات من أقسام الشرطة على مرشحي الوطني، وإتاحة الفرصة
أمام أنصار الوطنى لتزوير الانتخابات فى الجولة الأولى، بينما قامت
السلطات الأمنية بتغيير أسلوبها فى الجولة الثانية للإعادة، واهتمت بعدم
التدخل جزئيا فى سير التصويت، وترك الفرصة أمام المرشحين الأقوياء لتقفيل
اللجان دون أن تحرك ساكنا واهتمت بالتدخل عند حدوث أعمال العنف
والمشاجرات والاعتداءت بين أنصار المرشحين.
حدوث عدة تجاوزات في سير عملية التصويت بالجولة الأولى والإعادة
وتصويت غير قانوني شمل زيادة عمليات تسويد البطاقات بنسبة لا تقل
عن38%وشراء الأصوات بصورة لا تقل عن 25% من الحالات، وطرد مندوبي المرشحين
المستقلين وأحزاب المعارضة وطرد مندوبي مرشحات الكوتة المستقلات من
السيدات بنسبة 27%، وعدم اهتمام اللجان الانتخابية بالاطلاع على إثبات
شخصية الناخب والسماح بالتصويت العلني، وعدم الاهتمام باستخدام الحبر
الفسفوري في التصويت ووجود دعاية انتخابية للمرشحين داخل اللجان، وتواجد
رجال الأمن داخلها والتأخر في فتح اللجان الانتخابية لمدد
تراوحت بين ساعة والنصف عن الموعد القانوني، وعدم مد فترات بدلا منها
في نهاية الاقتراع.
عدم نجاح اللجنة العليا للانتخابات في تهيئة مناخ إيجابي للمراقبة
الوطنية للمنظمات الأهلية ووضعت قيودا شديدة على عملها، وقامت بالتمييز في
منح التراخيص بالمراقبة وأصدرت نحو 6000 تصريح لـ 53 منظمة أهلية من بين
نحو 13 ألف تصريح تقدمت بها 76 منظمة واستبعاد 13 منظمة، منها الجمعية
المصرية للمشاركة المجتمعية رغم صدور قرار لصالحها من محكمة القضاء
الإداري لتمكينها قبل جولة الإعادة وعدم قبولها لطلبا ت اللجنة المستقلة
برئاسة مركز بن خلدون للتنمية وحرصها فقط على استخراج جانب من التصاريح
للمنظمات التي قامت بتقديم طلبتها لمجلس حقوق الإنسان، بينما
لم تف اللجنة بكثير من وعودها التي قطعتها مع المجلس القومي لحقوق
الإنسان على تسهيل عمل المنظمات، وأصرت على إصدار تصاريح للمرحلة الأولى
فقط، وجعلها متابعة وليس مراقبة وإصدارها لبيان صحفي عن استمرارها في
المرحلة الثانية، وهو ما لم ينفذ على أرض الواقع، وتم منع وطرد واسع
للمراقبين في الجولة الأولى والإعادة، وعدم اعتراف رؤساء اللجان بالتصاريح
الصادرة من اللجنة لعدم ختمها منها وقيام أجهزة الأمن بمنع واسع لدخول
المراقبين في الجولتين، مما يتطلب دراسة مستقبل المراقبة الوطنية في ظل
القيود المفروضة على عملها لأنها لم تتمكن من القيام
. بمراقبة قوية تكون بديلا عن المراقبة الدولية التي أصرت الدولة على رفضها
ويعرب ائتلاف مراقبون بلا حدود عن قلقه وعدم رضائه عن مستوى
المشاركة السياسية، وضمانات نزاهة العملية الانتخابية التي شهدتها مصر
التي تؤثر مستقبلا على مقومات الدولة المدنية ومقومات الإصلاح السياسي
والدستوري والديمقراطي التي يمكن أن تشهدها مصر في ظل رغبة حقيقية من
الشعب المصري في أحداث تغيير وتتطور بها وتمسك الحزب الوطني الحاكم بعدم
وجود إصلاحات جوهرية فيها سريعة تلبي طموح الناخب المصري.
وسيقوم الائتلاف بإصدار التقرير النهائي عن الانتخابات التشريعية
المصرية منذ فتح باب الترشيح حتى نهاية الانتخابات، وإعلان النتائج
وتوصياته خلال الشهر الحالي وتقديمه لمؤسسات الدولة، وعدد من المنظمات
الأهلية الوطنية المهتمة بحقوق الإنسان والديموقراطية إنطلاقا من دور
مؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان في الاهتمام بالقضايا الرئيسية
للمجتمع المصري.