أصدر المركز المصري لحقوق الإنسان تقريرا حديثا رصد فيه عدم توافق القوى السياسية منذ تنحى الرئيس السابق مبارك، وهو ما أدى إلى إجراء انتخابات برلمانية لم يتوفر لها مقومات عديدة تسمح بدعاية انتخابية مناسبة وعدم إتاحة الفرصة للمواطنين فى التعرف على البرامج الحزبية واختيار ما يناسبهم.
أكد التقرير أن الثورة المصرية مستمرة ولم تحقق مطالبها بعد، وأنه بالرغم من عدم وجود قيادة لثورة يناير حتى الآن فإن أهداف الثورة ثابتة ولم تتغير، وبالرغم من محاولات بعض القوى السياسية لإجهاض الثورة أو اختطافها أو تحويل مسارها، فإن شباب التحرير ما يزال يرفض كل هذه المحاولات ويؤكد أن التغيير الحقيقى سيحدث من ميدان التحرير بالرغم من كل محاولات المجلس الأعلى للقوات المسلحة والأحزاب السياسية والقوى السياسية بمختلف تنوعها.
أوضح المركز أن المظاهرات التى تم تنظيمها فى أيام الجمع منذ 18 فبراير 2011 والتى كان عنوانها “جمعة النصر” وحتى 25 نوفمبر 2011 والتى سميت “جمعة الفرصة الأخيرة” ، حيث وصلت هذه الجمع إلى 22 مرة، وكانت هناك مظاهرات عليها اجماع وطنى فى المطالب، وهناك مظاهرات لم يكن عليها اجماع وطنى، وهناك مظاهرات اكتفت بخروج القوى الإسلامية فقط وكانت لمرتين، الأولى لرفض المبادئ فوق الدستورية التى أعلن المجلس العسكري إعدادها، ورفض التيار الإسلامى الذى ضم جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة التابع لها، والدعوة السلفية وحزب النور والأصالة التابعين لها، والجماعة الإسلامية، واعتبروا أن هذه المبادئ بزعم إلغاء المادة الخاصة بالشريعة الإسلامية وتم حشد الجماهير لهذا الغرض، والمرة الثانية بسبب وثيقة الدكتور على السلمى بدعوى أنها وثيقة غير شرعية ولا يمكن أن تجبر أعضاء مجلس الشعب القادم، بينما كانت هناك مظاهرات تطالب بمدنية الدولة ولم يشارك بها التيار الإسلامى.
كشف الرصد الذى قام به المركز المصري عبر عدة صحف خلال الفترة من 18 فبراير 2011 وحتى السبت 26/11/2011 ان الدعوة للمليونيات للتظاهر بميدان التحرير لم تتسبب سوى فى شقاق القوى الوطنية واختلافها على بعض المطالب، ولم تتوحد الأحزاب والقوى السياسية على مطلب واحد منذ تنحى الرئيس مبارك، وانقسم ميدان التحرير إلى العديد من الحركات والائتلافات، ولم تتمكن كل هذه المظاهرات من توحيد المطالب من أجل تأسيس الدولة المصرية الحديثة.
كما كشف المركز المصري انه تم وضع عدد من العراقيل أمام المجتمع لمنعه من الاستمرار فى تأسيس الدولة الحديثة التى خرج من أجلها مئات الآلاف فى مختلف ميادين ومحافظات مصر وليس فقط فى ميدان التحرير، فتارة تم شغل المجتمع بالاستفتاء على التعديلات الدستورية، وتارة الانشغال بوضع وثيقة مبادئ فوق دستورية أخذت أكثر من مسمى، وتارة انشغال المجتمع بالقضايا الطائفية بين المسلمين والمسيحيين دون اللجوء للقانون وهو ما وسع فجوة العلاقات الطبيعية بين المسلمين والمسيحيين ولولا الرصيد الحضارى من العلاقات بينهما عقب حادث ماسبيرو لوقع المجتمع فى شبح الحرب الأهلية، ويتزامن مع كل هذه الأمور قطع الطرق وخطوط السكك الحديدية، وتكرر هذا الأمر عقب ثورة يناير بشكل لم يحدث له مثيل، وترتب على هذا الأمر منع مئات الآلاف من المواطنين من الذهاب إلى عملهم، وغياب هيبة الدولة، وتعرض ميناء دمياط للخطر واستمرار النزيف الاقتصادى، وعلاوة على ذلك تم تفجير خط الغاز الذي يتم تصديره إلى اسرائيل والأردن 8 مرات.
نوه التقرير إلى أن المجتمع عانى أيضا من بعض حوادث العنف والتى غالبا ما كان يتهم فيها طرف ثالث بعيدا عن الشعب والقوة الأمنية سواء الشرطة المدنية أو العسكرية، وتكرر هذا الأمر تارة بالقرب من مسرح البالون، وتارة أثناء اقتحام السفارة الاسرائيلية ومحاولة الهجوم على مديرية أمن الجيزة ثم ماسبيرو أثناء محاولة اعتصام الأقباط، ومؤخرا فى محاولة اقتحام الداخلية من شارع محمد محمود بالتحرير، وبالرغم من كل هذه الحوادث وتشكيل العديد من لجان تقصي الحقائق إلا أن هذه التقارير كان مصيرها الأدراج ولم تظهر أى أحكام قضائية فى هذا الشأن.
ولاحظ التقرير أن محاولات الشباب لاستعادة الثورة لم تكن فى الأيام القليلة فقط وتحديدا فى الفترة من 19 نوفمبر وحتى صدور هذا التقرير، بل كانت هناك مظاهرات فى أيام الجمع أكثر من مرة لتصحيح مسار الثورة واستعادتها من القوى التى حاولت الهيمنة عليها وتوافقت غالبية القوى السياسية على المطالب والشعارات التى تم رفعها فى هذه الأيام فى غياب جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية، واعتبروا أن هناك ضرورة للعمل والاتجاه للانتخابات البرلمانية التى ستفرز برلمانا قويا وحكومة سياسية منتخبة، وعلى سبيل المثال الجمعة 27 مايو 2011 “ثورة الغضب الثانية وتصحيح المسار”، الجمعة 8 يوليو 2011 تحت عنوان” الثورة أولا”، الجمعة 15يوليو 2011 “الإنذار الأخير”، الجمعة 9 سبتمبر 2011 “تصحيح المسار”، الجمعة 30 سبتمبر 2011 “استرداد الثورة”، الجمعة 28 أكتوبر 2011 “الدفاع عن الثورة”، والجمعة 25 نوفمبر 2011 “الفرصة الأخيرة”، “جمعة الشهيد”.
أشار التقرير إلى أنه من الأسباب التى خرج فيها المواطنون فى هذه الأيام هى استكمال مطالب ثورة يناير بعد أن شعر الشباب بأن هناك من يحوال إجهاض الثورة أو اختطافها، وأن التيارات الاسلامية برعاية جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة التابع لها لم يخرج من الإجماع الوطنى إلا على مصالح خاصة به، أبرزها عدم مشاركة أى قوى للأغلبية التى تسيطر على البرلمان القادم فى وضع الدستور الجديد، وبالرغم من التوافق الوطنى على وضع وثيقة مبادئ فوق دستورية أو الاسترشاد بوثيقة الأزهر، إلا أن جماعة الاخوان قادت تيارا للتغيير والرفض الكامل لهذه الوثائق، ولم توافق جماعة الإخوان على وثيقة الأزهر سوى بعدم وجود كلمة “دولة مدنية” وأن الوثيقة استرشادية وغير ملزمة، وكذلك رفضت الجماعة والتيار التابع لها وثيقة الدكتور على السلمى بسبب تحديد تشكيل الهيئة التاسيسية لوضع الدستور الجديد، وبالرغم من وجود رفض كبير للقوى السياسية لبعض البنود التى جاءت فى الوثيقة وقامت بفتح حوار حول مناقشتها والغاء المواد التى لا تحظى بتوافق وطنى والخاصة بميزانية الجيش وحمايته للشرعية الدستورية، إلا أن جماعة الاخوان والدعوة السلفية والجماعة الاسلامية قاموا بالدعوة لمليونية فى 18 نوفمبر لرفض هذه الوثيقة واسقاطها، ورفع شعارات دينية مثل “اسلامية اسلامية..لا شرقية ولا غربية”، “الشعب يريد تطبيق شرع الله”، وهى كلها شعارات لم تخف الرغبة الحقيقة التى تريدها الجماعة من الانفراد بتشكيل الهيئة التأسيسية لوضع الدستور الجديد بزعم حصولها على الأغلبية، فى حين أن كل اساتذة القانون الدستورى والفقهاء أكدوا كثيرا بأن الدستور لابد أن يكون توافقيا وليس بمنطق الغلبية والأقلية.
إ س
28 – 11 – 2011