حذر تقرير حديث لأوكسفام الدولية من أن مظاهر مناخية متعددة قد تقضي علي 50عاما من العمل للقضاء علي الفقر,إذ يتسبب ترحيل الفصول في تدمير المحاصيل وانتشار الجوع,لكن هذه مجرد واحدة من مظاهر عدة لتغير المناخ,تحدث آثارها علي أشد الناس فقرا في العالم.
جاء التقرير تحت عنوان المعاناة من العلم-تغيير المناخ والناس والفقر,الذي ينتشر قبيل قمة جي8 التي ستعقد في إيطاليا والخاصة بالدول الصناعية المتسببة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري,حيث يحتل تغير المناخ والأمن الغذائي رأس جدول الأعمال,يجمع بين أحدث الملاحظات العلمية حول تغيير المناخ,وأدلة في المجتمعات التي تعمل معها أوكسفام في ما يقرب من 150دولة حول العالم ويكشف عن شدة وطأة تغير المناخ علي الفقراء.
يحذر التقرير من أن عدم اتخاذ إجراءات فورية سيؤدي إلي الخسارة الدائمة لـ50سنة من مكاسب التنمية في البلدان الفقيرة فالمجاعات المرتبطة بالمناخ قد تكون عنوانا للمأساة الإنسانية في هذا القرن.
استند التقرير إلي مقابلات مع مزارعين من خمسة عشر دولة في جميع أنحاء العالم أوضحوا كيف ترحلت المواسم فجأة واختفت الأمطار. فلم يعد المزارعون من بنجلاديش إلي أوغندا ونيكاراجوا قادرين علي الاعتماد علي الخبرات الزراعية التي توارثوها عبر الأجيال وأصبحوا يواجهون مواسم حصاد فاشلة,واحدا تلو الآخر,بالإضافة لانخفاض المحاصيل من الأرز والذرة.
وسيمتد تأثير تغير المناخ لعدة قطاعات أخري,منها الصحة فستزحف أمراض مثل الملاريا وحمي الضنك,التي ظلت طويلا محصورة في مناطق جغرافية بعينها,إلي مناطق جديدة حيث لا يملك السكان الحصانة أو المعرفة أو البنية التحتية للرعاية الصحية اللازمة للتعامل معها,وبقدر متوسط عدد الأفراد الذي ساهم تغير المناخ في وفاتهم سنويا بـ150ألف شخص منذ السبعينيات وأكثر من نصف هذه الوفيات تحدث في آسيا.
وفي مجال العمل: ارتفاع درجات الحرارة,سيجعل من المستحيل علي الناس العمل بنفس المعدل خلال أيام الصيف الحارة,دون آثار خطيرة علي الصحة وعواقب ضخمة علي العاملين بالساعة والاقتصاد الأوسع,وقد تشهد المدن المدارية مثل دلهي انخفاضا في إنتاجية العمال يقدر بـ30%.
وفي قطاع الماء: أصبح التهديد الذي يواجه إمدادات المياه بالحدة التي تجعل مدنا كبري بما في ذلك كاتماندو ولاباز تعتمد علي أنهار الجليد في جبال الهيمالايا وجبال الأنديز,والتي ستصبح قريبا غير قادرة علي أداء مهامها.
وعن الكوارث فالكوارث الكبري بما فيها الحرائق والعواصف آخذه في الازدياد,ويمكن أن تصل إلي ثلاثة أضعاف بحلول عام 2020,وكانت الخسارة خلال موسم الأعاصير في عام 2005 وحده وقد قدرت بـ225 مليار دولار,ويقول قطاع التأمين إن تغير المناخ سيجعل الوضع أسوأ,لا سيما بالنسبة للفقراء الذين لا يمكنهم الحصول علي التأمين,وبالتالي يزداد معدل التشريد,فحتي الآن تم تشريد ما يقدر بنحو 26مليون شخص كنتيجة مباشرة لتغير المناخ كما ينزح كل عام أكثر من مليون شخص بسبب الأحداث المتعلقة بالطقس,وأجبرت بالفعل مجتمعات كانت تعيش في جزر فانولو وتوفالو وخليج البنغال علي الانتقال بسبب ارتفاع مستوي سطح البحر.
تغير المناخ هو قضية الفقر المركزية في عصرنا هكذا قال جيرمي هوبس المدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام الدولية. وأضاف: تغير المناخ يحدث اليوم ليضر بالأساس أكثر الناس فقرا في العالم,الذين يواجهون بالفعل صراعا يوميا للبقاء علي قيد الحياة والأدلة ماثلة أمام أعيننا. إن التكلفة البشرية لتغير المناخ حقيقة مثلها مثل التسريح من العمل وخسارة المنازل نتيجة لعدم القدرة علي دفع الأقساط.
وتؤكد دراسة استقصائية لكبار علماء المناخ تنشرها أوكسفام أيضا علي أن الفقراء الذين يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة والجزر المرجانية ودلتا الأنهار والمزارعين,هم الأكثر تعرضا للخطر من جراء تغير المناخ بسبب الفيضانات وفترات الجفاف الطويلة. واعتبر العلماء المساهمون في الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) أفريقيا وجنوب آسيا مناطق ساخنة من حيث مدي تأثرها بتغير المناخ.
ويشكك العديد من العلماء في الوقت الحالي من إمكانية العالم من الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري في إطار درجتين مئويتين لأنهم لا يعتقدون أن السياسيين مستعدون للاتفاق علي ما يلزم من تخفيضات من الانبعاثات الكربونية,كما أن درجتين تعتبر مقبولة اقتصاديا بالنسبة للدول الغنية ولكنها تعني أيضا تدمير مستقبل 660مليون شخص في الأماكن الفقيرة.
قالت الأستاذة ديانا ليفرمان,المساهمة في ثلاثة تقارير لـ(IPCC),وعضو الأكاديمية الوطنية للعلوم,وهي اللجنة التي تقدم المشورة للحكومة الأمريكية بشأن تغير المناخ إذا لم تجر الآن تخفيضات عميقة في معدل الانبعاثات سيؤدي تغير المناخ لإجهاد حراري,وارتفاع في مستوي سطح البحر وزيادة معدلات الجفاف والفيضانات,الملاحظات العلمية تشير إلي احترار العالم,ويبدو أن الكثير من الضعفاء قد بدأوا بالفعل في تجربة آثار تغير المناخ,يمكن لمنظمات مثل منظمة أوكسفام أن تحاول مساعدة الناس علي التكيف مع تغير المناخ ولكن من دون بذل جهد جاد للحد من الاحترار,يصبح الملايين من الناس عرضة للخطر في ظل عدم وجود تمويل دولي للتكيف,والغذاء, والمياه, والصحة, وسبل المعيشة.
ويقول تقرير أوكسفام إنها لمفارقة أليمة أن يكون تعرض المناطق المعتدلة لآثار تغير المناخ خفيفا -علي الأقل في البداية. ولكن في المناطق المدارية,حيث يعيش النسبة الأكبر من البشر,وأغلبهم في حالة فقر,بدأت آثار تغير المناخ المعوجة والضارة في الظهور.
وتدعو أوكسفام قادة الدول الصناعية الثمانية لتحمل مسئولية شخصية عن توفير صفقة عالمية وكافية لمعالجة تغير المناخ,بما أن الالتزام السياسي علي أعلي مستوي,يمكنه وحده منع وقوع كارثة إنسانية. ويجب علي الدول الصناعية الغنية,التي خلقت أزمة المناخ والتي تملك الموارد اللازمة للتصدي لها. أن تخفض من انبعاثاتها بحلول عام 2020 بنسبة لا تقل عن 40% بالمقارنة بمستويات عام 1995,كما يجب عليها جمع 150مليار دولار سنويا لتمويل خفض الانبعاثات والتكيف في العالم النامي.
اختتم هوبز مدير أوكسفام التقرير قائلا إنها لفضيحة أن قادتنا لا يزالون يقاومون فعل ما يلزم في حدود سلطتهم لمعالجة أزمة المناخ,يجب علي قادة جي8 الذين يمثلون أكثر دول العالم مساهمة في التلوث,أن يتحملوا المسئولية الشخصية عن توفير مناخ عالمي يأخذ في الحسبان احتياجات أشد الناس فقرا في العالم.