أثار التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالحريات الدينية في العالم ردود فعل في مصر خاصة أنه وجه انتقادات كبيرة للحكومة المصرية وطرق تعاملها مع الطوائف والديانات المختلفة الموجودة بها وعلي رأسهم المسيحيون, ومن جانبها رفضت وزارة الخارجية المصرية التقرير مؤكدة أن الجهة التي قامت به لا يوجد لديها الحق في صياغته وأنه غير متوازن في تناول أوضاع الحريات الدينية في مصر, وأن الخارجية الأمريكية اعتمدت في معلوماتها علي تقارير إعلامية غير موثقة أو علي مصادر غير رسمية تفتقد إلي المصداقية.
وذكر التقرير, أن المسيحيين في مصر يمثلون ما يتراوح بين 8-12% من عدد سكان مصر الذي يبلغ 86 مليون نسمة بينما يمثل الشيعة أقل من 1%, أما عدد الجالية اليهودية فيقدر بحوالي 125 شخصا, معظمهم من كبار السن.
وأشار التقرير إلي أن الدستور المصري ينص علي حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لكن هذا لا يطبق علي المسلمين الذين يريدون التحول إلي دين آخر.
من جانبه قال الدكتور وحيد عبدالمجيد نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إن مثل هذا التقرير يصدر سنويا لتناول أوضاع الحريات في العالم كله وأن هناك مباحثات تدور بعد صدوره بين المسئولين في مصر والولايات المتحدة, وتقرير هذا العام اتسم بأنه الأشد صراحة في توجيه نقد إلي الحكومة المصرية في موضوعات بعينها وأهمها المشكلات المتعلقة بالمسيحيين والبهائيين خاصة مع تزايد الحوادث التي تقع وتتعلق بموضوع الاحتقان الطائفي.
أشار إلي أن التقرير اعتمد في تناوله للوقائع والأحداث علي ما نشر في الصحف ووسائل الإعلام أو علي مصادر غير حكومية وهذا دفع الحكومة المصرية إلي التشكيك في مصداقيته ومدي حياده وجعل الخارجية المصرية توجه انتقادا شديد اللهجة علي لسان المتحدث الرسمي باسمها السفير حسام زكي الذي أكد أن مصر لا تقبل أي تدخل في شئونها الداخلية.
ويري سيد عبدالعال أمين عام حزب التجمع أن التقرير تناول بالشرح الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة وأجهزتها المختلفة في حق المسيحيين والبهائيين فضلا عن تزايدها في الفترات الأخيرة بصورة كبيرة وتزايد الأحداث الطائفية التي أصبحت تتكرر بصورة شبه منتظمة وفي كل المحافظات ولا نجد أي رد فعل حكومي قوي أو حاسم بهذا الشأن مما دفع إلي تزايد مساحة الاحتقان الطائفي بين المواطنين المصريين.
أكد عبدالعال أن الحكومة المصرية بدلا من توجيه النقد للتقرير عليها أن تعمل علي حل المشكلات التي تتزايد وتؤدي إلي فقدان الثقة فيها مع انتشار ظاهرة الفساد السياسي والمالي, والعمل علي حل مشكلات المسيحيين الخاصة ببناء الكنائس وضرورة الإسراع بصدور قانون دور العبادة الموحد وإتاحة حرية العقيدة لكل شخص يتمتع بالحرية في وطنه.
من جانبه قال الشيخ محمود عاشور عضو مجمع البحوث الإسلامية ووكيل الأزهر السابق إن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عقد اجتماعا خاصا بمشيخة الأزهر برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف, ورئيس مجمع البحوث الإسلامية, وبحضور وزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق, ومفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة, ورئيس جامعة الأزهر الدكتور عبدالله الحسيني, وتمت مناقشة تقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكية لكي يرد عليه ردا علميا وواقعيا ودينيا, لذا كان التمثيل من مختلف المؤسسات الدينية المختلفة, وفي إطار وطني موحد تجاه هذا التقرير الذي انتقد الحريات الدينية في مصر ووصف العديد منها بالتمييز السلبي, وانطلاقا من أهمية اتخاذ موقف يجمع جميع أبناء الوطن الواحد من مسلمين ومسيحيين تجاه ذلك التقرير, لأن أي شخص وطني غيور علي وطنه لا يرد أي نوع من التدخل في شئون وطنه الداخلية.
أشار الشيخ محمود عاشور إلي بعض النقاط التي أثيرت أثناء الاجتماع, أهمها: أن تقرير اللجنة الأمريكية للحريات الدينية حول أوضاع الأقليات في مصر جاء مخالفا للشريعة الإسلامية وللمواثيق الدولية, وكذلك للقوانين والأعراف, حيث يأتي في إطار تفكيك النسيج الوطني داخل المجتمع المصري, لافتا النظر إلي الانتقاض الذي حدث علي نص المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن الإسلام هو دين الدولة, وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, التي تم إقرارها باعتبارها تعبر عن هوية المجتمع المصري, وذلك ما تم إقراره بإجماع القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية معا في ذلك الوقت عندما وضعت تلك المادة.
وفي هذا الإطار, وصف الشيخ أحمد ترك الداعية الإسلامي بوزارة الأوقاف وإمام مسجد النور بالعباسية تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الحريات الدينية في مصر بالملئ بالمغالطات وأرجعها إلي الجهل بحقائق الإسلام, والجهل أيضا بحقائق أوضاع الأقليات في مصر, مشيرا إلي الرغبة الواضحة في التدخل في شئون مصر الداخلية مما يعد هذا انتهاكا لسيادة الدولة, ولا يقبله أي من مواطنيها علي الإطلاق.
وعن قضية زواج المسلم بالمسيحية واليهودية, ومنعها زواج المسلمة من غير المسلم, ووصف الأمر بالتمييز والتعصب من قبل الإسلام أشار الشيخ ترك أن هذا لا علاقة له بالتمييز السلبي ولا بالتعصب الديني, إنما يرجع إلي أن المسلم بحكم عقيدة الإسلام يعترف بالمسيحية واليهودية ديانات سماوية ويحترمها كامل الاحترام, فالمسلم مؤتمن علي عقيدة زوجته ويحترم عقيدتها, ومن ثم يمكنها من أداء شعائرها.
أما فيما يتعلق بضعف مشاركة المسيحيين في الانتخابات النيابية كما جاء في التقرير, أكد الشيخ ترك أن الأمر غير متعلق بالمسيحيين فقط, ووصفه بأنه جزء من السلبية العامة التي اتسم بها المصريون نتيجة لبعض العوامل السياسية وهذا الأمر له فقهاؤه, وليست لأسباب دينية لكي تقتصر علي المسيحيين دون المسلمين, فلا علاقة بهذا الأمر بالتمييز السلبي ضد غير المسلمين – كما ذكر التقرير.