الانتخاب حق لم يحصل عليه الإنسان بسهولة ولذلك فمن العبث أن يضحي به بسهولة. وحتي في الدول الديموقراطية فإن هذا الحق لم يمنح لكل فئات المجتمع بطريقة تلقائية. فإلي وقت قريب في الولايات المتحدة كان الجنس الأسود (النيجرو) وكذا النساء غير مسموح لهم بالانتخاب, ناهيك عن حق الترشيح للمناصب. وفي سبيل الحصول علي هذا الحق حدث نضال طويل, وقامت معارك ضارية, وضحي الكثيرون بأرواحهم. ولكن من الجدير بالملاحظة أن هذا النضال في أمريكا قد أتي بثماره ليس فقط بالحصول علي حق الانتخاب بل وتوج أخيرا بوصول اثنين ممن ينتمون لتلك الفئتين لقمة المنافسة علي منصب رئيس الجمهورية داخل الحزب الديموقراطي أحدهما وهو باراك أوباما والثاني امرأة وهي هيلاري كلينتون. ونجح أوباما في حزبه, ونافس مرشح الحزب الجمهوري في التصفية النهائية, ثم فاز ليصبح أول رئيس من أصول أفريقية في تاريخ أمريكا.
لا أتوقع أن نفس هذا السيناريو سيحدث في مصر قريبا. وأدرك العقبات التي تقف في طريق الممارسة الديموقراطية الكاملة في مصر. وأعلم حجم التعصب الديني الذي يسيطر علي عقلية بعض الناخبين. بل ولا أستطيع إغفال عامل الفساد . كل هذه أمور واردة. وللأسف قد دفعت البعض وخاصة من بين الأقباط إلي نوع من الإحباط والعزوف عن المشاركة في الانتخابات معتقدين أن الانتخابات هي تحصيل حاصل ولا جدوي منها وما هي إلا تضييع للوقت لأن النتيجة محسومة ولا يمكن تغييرها.
لكن, علي العكس, نفس هذه الأمور, بدلا من أن تدفع الأقلية القبطية إلي الانسحاب من المشهد فإنها يجب أن تدفعها إلي إعادة تجميع الصفوف ومحاولة ابتكار استراتيجيات جديدة للتغلب علي الصعاب وتفعيل الصوت الانتخابي. وبذلك لا تترك الساحة للآخرين أن يفعلوا ما يشاءون.
للأسف الوضع الذي يسود مصرالآن يدفع الكثير من الناخبين الي التصويت علي أساس الهوية الدينية بدلا من الكفاءة. ومضي الوقت الذي كان فيه المرشح المسيحي ينجح بالإنتخاب الحر في دوائر يكون الغالبية الساحقة من سكانها من المسلمين. والعكس أيضا كان صحيحا فالمسلمون أيضا كانوا ينجحون في دوائر كان معظمها من المسيحيين. وعسي أن تمر غمة التعصب الكريه وترجع مصر إلي سابق روح التسامح والتعايش المشترك. ولكن إلي أن يحدث هذا فليس من مصلحة الأقباط أن يهملوا في ممارسة حقهم الانتخابي بل في اعتقادي أنه رغم كل شيء فإنه في الإمكان استعمال العملية الانتخابية لتحسين أحوالهم.
أهم شئ يفعله كل قبطي مؤهل للانتخاب هو أن يستخرج له بطاقة انتخابية وأن يمارس حقه الانتخابي كمواطن أصيل له الحق في إبداء رأيه في القضايا التي تهم الوطن. عدد المسجلين يمثل قوتهم الانتخابية وإذا سجل جميع الأقباط أنفسهم فإنهم سيمثلون قوة انتخابية لا يستهان بها. وحتي إذا كان عددهم ليس بالقوة الكافية حاليا لإنجاح المرشح القبطي فإن هذه القوة الانتخابية تستطيع أن تكون عاملا في نجاح أو سقوط المرشحين الآخرين طبقا لموقفهم من القضايا التي تخص الأقباط.
إذا كان الأقباط لهم هذه القوة الانتخابية فستجد المرشحين يتسابقون إلي محاولة خطب ودهم. سيأتون لهم حيث هم ويعرضوا عليهم برامجهم الانتخابية ويمكن أن تحدث مفاوضات معهم ووعود بالتأييد لمن يقدم برنامجا يشتمل دراسة مشاكل الأقباط وإيجاد حلول عادلة لهم.
هذا ما تقوم به الأقليات المختلفة في أمريكا, وقد نجحت في أن تكون مؤثرة بعد أن كانت مهمشة ومضطهدة. وهذا ما يجب أن يفعله الأقباط الآن في مصر بعد أن كانوا مهملين له في الماضي. ولا أنسي ما قاله المرحوم د. فرج فودة أنه سقط في الانتخابات في شبرا المنطقة التي بها كثافة قبطية كبيرة لأن الأقباط مكثوا في بيوتهم ولم يذهبوا للانتخابات. ولو كانوا قد انتخبوه لنجح وبذلك يكون لهم نائبا متعاطفا معهم في مجلس الشعب.
الأقباط قوة لا يستهان بها إذا اتحدوا وسيكونون قوة أكبر لو أضيف لهم أقباط المهجر, وأطالب بأن تسمح الدولة لأقباط المهجر بالمشاركة في الانتخابات طالما لا يزالوا يحملون الجنسية المصرية كما تفعل كثير من الدول بالنسبة لأبنائها الذين يعيشون في الخارج. أنا لا أطالب بحق الترشيح الذي لا يحق لمزدوجي الجنسية, ولكن بمجرد الاشتراك في الانتخاب وهو حق لكل إنسان يحمل الجنسية المصرية ويمكن أن يتم في السفارات والقنصليات المصرية وتحت إشرافها.
لست في وهم لأعتقد أن الانتخابات وحدها يمكن أن تحل جميع مشاكل الأقباط. ولكنها جزءا مهما من اتخاذ الأقباط موقفا جديدا وجريئا في طريق نبذ السلبية والخروج من العزلة إلي الحياة العامة وإعلان أنهم جادون في أخذ حقوقهم الدستورية والإنسانية بكل الوسائل السلمية المشروعة. وتشمل هذه المشاركة السياسية في الأحزاب, والدخول في انتخابات النقابات, والتصميم علي أن يتم التعامل معهم بالعدل ورفع كل أنواع الغبن والظلم .
الحقوق لا تعطي للخانعين المستسلمين, الحقوق تنتزع ولا تمنح, ولا يضيع حق وراءه مطالب.
[email protected]