بالرغم من اختلاف الحكومات والوزراء بعد الثورة إلا أن غياب الرؤية وتحديد الأولويات كانت السمة الغالبة, وهو ما دعا الخبراء والمهتمين إلي المطالبة بتحديد أولويات المرحلة الراهنة لتحقيق التحول الديموقراطي المطلوب, في ظل ارتعاش الوزراء من اتخاذ القرارات المهمة وبالتالي تعطل مصالح المواطنين وتراكم المشكلات بشكل يزيد من الأعباء.
أجرت وطني هذا التحقيق للتعرف علي الملفات المطلوب حسمها من الوزراء بغض النظر عن أسمائهم.
في البداية قال الدكتور عمرو الشوبكي رئيس منتدي البدائل العربي: لابد أن تمتلك الحكومة الجديدة قدرا كبيرا من الرؤية السياسية يتناسب مع المرحلة الحالية, حيث تتطلب الأمور أولوية كبيرة لإرساء إصلاحات شاملة ومختلفة خاصة مسألة إعادة هيكلة الملف الأمني, لأنه يستحوذ علي النصيب الأكبر من اهتمامات المواطنين, وهذا جنب إلي حيث الملف الاقتصادي الذي يتساوي في أهميته مع الملف الأمني مع ضرورة الإسراع بإجراء إصلاحات تتعلق بالعدالة والقضاء نظرا لأهمية هذا الملف أيضا في المرحلة الحالية والمقبلة.
أضاف بقوله: الملفات الثلاثة في غاية الأهمية لكل أفراد المجتمع في كل مكان حيث يتفرع منها قضايا مهمة وملحة ولا تقل في أهميتها عما سبق, ومنها موضوع العدالة الاجتماعية وخلق فرص للعمل تستوعب أكبر عددا ممكنا من الشباب وغيرهم, كذلك محاربة الفساد في كافة مناحي الحياة وخلق الأجهزة القوية القادرة علي القيام بذلك ومن الأمور المهمة أيضا والتي لا تتحمل التأجيل إعادة هيكلة وزارة الداخلية وإعداد خطة لاستعادة الجيل الوسط من ضباط الشرطة جنبا إلي جنب جيل الشباب منهم.
أما بالنسبة للملف الخاص بإعادة فتح الكنائس المغلقة فقد طالب د. عمرو الشوبكي بالإسراع في إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة, مؤكدا أن هناك صعوبات واجهت إصدار هذا القانون, ومازالت هذه الصعوبات قائمة لأن مشروع القانون لم ينل رضاء البعض, لكن يجب تكرار المحاولة من جديد دون ملل.
من جانبه قال الدكتور محمود حسين مستشار بنك الاستثمار سابقا والخبير الاقتصادي والمالي قائلا: علي الحكومة الجديدة أن تهتم بالعديد من الملفات وعلي رأسها الملف الاقتصادي, فمسألة خفض نسبة البطالة يجب أن تكون من أولي الأولويات من خلال وضع خريطة استثمارية تشمل كل القطاعات في كل المحافظات وترجمة ذلك في شركات مساهمة بنظام الاكتتاب العام تعمل في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة, ثم تأتي ملفات في غاية الأهمية وتمتد إلي وزارات المجموعة الاقتصادية بأكملها وهي تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال وضع حد أدني وأقصي للأجور, والتوسع في التأمين الصحي الشامل لكل أفراد الشعب دون استثناء وعلي مستوي لائق, بجانب زيادة الإنتاج والصادرات وخفض الدين العام وعجز الموازنة من خلال مجموعة من البرامج والخطط المعلنة مع تحديد إطار زمني لأنه دون ذلك تصبح المسألة بلا قيمة بل فقط مجرد أمنيات.
أما عن ملف الطاقة الذي تحدت به أزمات من آن لآخر أوضح د. محمود حسين أن مسألة دعم الطاقة يتسم بالعبث الشديد خاصة بالنسبة للموازنة العامة للدولة, مطالبا المجموعة الوزارية بسرعة إعادة النظر في ترشيد استخدامتها خاصة بالنسبة للشركات والمؤسسات الإنتاجية التي تتعامل بالأسعار العالمية.
استطرد الخبير الاقتصادي قائلا, بشأن إذا كانت هناك تشريعات أو قوانين اقتصادية تنتظر الحكومة الجديدة: إن التعديلات القانونية لا تجبر في الوقت الحالي, فقط يجب تفعيل ما هو قائم, مؤكدا أن تحقيق الأمن الاقتصادي وتوفير فرص العمل يؤدي إلي تحقيق الأمن وهدوء الشارع, كما طالب بالاعتماد علي رأس المال الوطني وبالعملة المحلية في إدارة الخطة الاستثمارية, وكذلك مدخرات المصريين في الخارج والداخل وليس الأجانب في هذه المرحلة, مؤكدا علي ضرورة تأجيل كل برامج السياحة الدينية والترفيهية هذا العام, مع تحويل هذه المدخرات إلي مساهمات في شركات إنتاجية.
وعن وزارة الاستثمار التي سيتم إلغاؤها قال د. محمود حسين: نحن في الوقت الحالي في أمس الحاجة إلي هذه الوزارة, فلماذا نلغيها؟ وكنا نأمل بأن تقوم بتوجيه الاستثمارات المحلية والتي بدورها ستحقق النمو الاقتصادي المنشود.
وأكدت السفيرة الدكتورة ماجدة شاهين مساعدة وزير الخارجية الأسبق علي أهمية الاهتمام بمسألة العدالة الاجتماعية لأنها من أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير, كذلك بالعمل علي ترسيخ الديموقراطية وعدم التحكم في اتخاذ القرارات من جانب أي مسئول حكومي علي كافة المستويات, وقالت: لابد من تغيير الثقافة السائدة وهذا يفوق ظروف وإمكانات المجموعة الوزارية الجديدة لأنه يحتاج سنوات وليس أياما وشهورا, علينا بغرس ثقافة الحوار وقيمة العمل والوقت, وأتمني ألا يتكرر ما حدث من جانب الحزب الوطني مع أي حزب آخر, هذه قواعد عامة يجب أن تطلبها الوزارات الجديدة بل والأحزاب الناشئة, وعلينا أن نعمل في إطار تشريعات جديدة بالنسبة للعمل البرلماني, وترسيخ المبادئ الجديدة من وزارات كالإعلام والثقافة والتعليم, فالتغيير ليس لمجرد التغيير, مع الاحتفاظ بالخطط المسبقة التي تصلح للعمل بها في ظل الظروف الجديدة بما يحقق العدالة الاجتماعية بمفهوم الثورة, كما نطالب بوضع خطط تشجع العمل والإنتاجية, لأن توفير التعليم للجميع دون النظر إلي وسائل توظيف هذه الإمكانات والطاقات البشرية ليس من العدالة الاجتماعية, بل هو هدر لإمكانات الدولة, كما يجب الارتقاء بمنظومة العدالة الاجتماعية ليس فقط من خلال وزارة التضامن الاجتماعي وإنما من خلال الاهتمام بنظام التأمين الصحي أيضا.
كما طالبت د. ماجدة شاهين بوضع منظومة للاستفادة من الموارد البشرية وتوظيفها بالشكل الأمثل في كل الجهات والمؤسسات سواء العامة أو الخاصة, بل والأخذ بمسألة الرجل المناسب في المكان المناسب, فالكوادر الموجودة في كل القطاعات لكل منظومة العمل تكاد تكون متوقفة في الكثير من المواقع, وهذا ما يجعل الكثير يعتذوا عن تولي منصب أو وزارة ما, علينا أن نجعل النظام يعمل بكفاءة.
أما بالنسبة للتعامل مع العالم الخارجي قالت مساعدة وزير الخارجية السابق: يجب أن نصبح أصحاب كلمة وقرار أمام العالم, لأن السياسة الخارجية تعكس الوضع الداخلي, فعلينا ترتيب البيت من الداخل, فملفات الوزارة كلها في غاية الأهمية كالتعامل مع الاتحاد الأوربي ودول حوض النيل وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية وروسيا بالإضافة للعديد من المنظمات الدولية.
من جانبه قال ماجد أديب مدير المركز الوطني لحقوق الإنسان إن الحكومة عليها عبء إعادة تواجد المرأة في كل مؤسسات الدولة, في ظل تراجع المرأة عن المناصب الرسمية وغير الرسمية, ولذلك علي الحكومة التمسك بهذا الحق وليس من المقبول أن تتذرع الحكومة برفض التيارات المتشددة أو اعتبار أي انتصار في الماضي للمرأة محسوب علي سوزان مبارك, وهي كلها أمور غير مقبولة.
دعا أديب إلي قيام الحكومة أيضا بالنظر إلي مستقبل المجتمع وحق الأجيال القادمة في ثروات البلد, لأنه من غير المقبول أيضا إهدار ثروة البترول والغاز والثروات المعدنية ومن ثم لابد من إعادة الأولويات لبرامج الحكومة والاهتمام بالإنتاج المحلي علي حساب التصدير, ومحاولة وضع حلول عملية للفساد الموجود في المحليات نظرا لانتشاره لعشرات السنين ويتطلب تدخلا حاسما ينهي هذا الفساد.