اجتذب شبح التغير المفاجئ للمناخ أبحاثا علمية جادة لأكثر من عقد من الزمن, وأثار هذا الموضوع اهتماما زائدا رافقه بعض الارتباك المتزايد حول العوامل المسببة لهذا التغير ونتائجه نظرا لما يسببه تغير المناخ المفاجئ السريع في حالة الجو الكلية في الكرة الأرضية, وحدثت هذه التغيرات بالفعل من قبل ودامت عدة سنوات, ومن المحتمل أن تحدث في المستقبل.
ولم يستطع العلماء تقييم قدرة المناخ علي التقلب لولا عينات الجليد وهي عبارة عن أعمدة هائلة من الجليد التي يبلغ طولها نحو 3 كيلومترات دفنت في طبقاتها مجموعة واضحة من السجلات المناخية تغطي حوالي المائة ألف سنة الماضية, إذ يكشف تركيب الجليد نفسه عن درجة الحرارة التي تشكل عندها, وقد كشفت هذه الدراسات عن تاريخ طويل من التقلبات الكبيرة للمناخ من حيث البرودة والدفء, وأثار هذا الموضوع اهتمام العلماء في جميع أنحاء العالم.
أكدت التحاليل أن سمك طبقة الجليد في نصف الكرة الشمالية أظهر أن تساقط الثلج تضاعف فعلا في سنة واحدة. كما أكد تحليل فقاعات الهواء القديمة المحبوسة في الجليد التنبؤ القائل بزيادة سقوط الأمطار في مناطق أخري, كما أشارت بعد طبقات الجليد التي حبست بعض الأتربة والغبار في قارة آسيا إلي مصدر الرياح التي كانت سائدة في تلك الأزمنة وظهرت فترات دفء شديدة مفاجئة أكثر من 20 مرة في سجلات جليد جرين لاند ثم تبعتها فترات برودة شديدة وكل ذلك في قرن واحد من الزمان وليس هذا فقط في جرين لاند بل في مناطق عديدة من العالم, وهذا التغير المفاجئ الذي كان يحدث في الماضي يمكن أن يدفع مناخ الكرة الأرضية إلي تغيرات سريعة مفاجئة وذلك لعدة أسباب منها أن ملوحة وعذوبة البحر تلعب دورا مهما في تغير المناخ.
تضم العينات الجليدية في شمال المحيط الأطلسي دليلا علي حدوث فترات باردة بعد أن انخفضت ملوحة المياه في شمال الأطلسي, وقد يرجع السبب في ذلك إلي تفجر مياه البحيرات العذبة التي أخذت طريقها إلي مياه المحيط, ويصبح ماء المحيط أقل ملوحة وكثافة ربما إلي درجة تجعله يتجمد علي شكل جليد بحري يجعل درجة الحرارة باردة جدا.
ومع استمرار الاحترار العالمي في تسخين كوكب الأرض يمكن أن يجعل المياه العذبة الذائبة في الغطاء الجليدي في جرينلاند ومن الكتل الأرضية المتجمدة الأخري في المناطق الشمالية أن تندفع في المحيط الأطلسي وهذا يعيق ما يسمي بدوران التيار الناقل للماء في شمال المحيط الأطلسي وهي منظومة التيارات المائية التي تجلب الدفء إلي أوربا والتي لها تأثير كبير في المناخ في مناطق أخري من العالم.
فتوقف التيار الناقل أو حتي حدوث تباطؤ فيه يمكن أن يزيد من برودة منطقة شمال الأطلسي حتي لو استمرت درجة حرارة الأرض في الارتفاع.
وتنبأ الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ الذي أنشأته هيئة الأمم المتحدة أن معدل درجة الحرارة للأرض سوف يرتفع ما بين (1.5 إلي 4.5 درجة مئوية) خلال المائة سنة المقبلة, وهذا الاحترار التدريجي للأرض يمكن أن يقود إلي تبريد مفاجئ يبلغ عدة درجات مئوية, ويمكن أن تكون هذه التغيرات أكبر بكثير من تلك التي حدثت خلال العصر الجليدي الصغير عندما تجمد نهر التيمز في لندن في حوالي عام 1400 بعد الميلاد واستمرت 500 عام, ومن المعروف أن الفترات الباردة في المناطق الشمالية له آثار سيئة تصيب مناطق أخري في العالم, وأوضحت سجلات المناخ لمناطق أفريقيا وآسيا والتي تستفيد عادة من فصل الأمطار الموسمية الغزيرة أن هذه المناطق كانت جارفة عندما كانت منطقة شمال المحيط الأطلنطي باردة, مما يسبب مجاعة واسعة الانتشار كما أن احترار الأرض يمكن أن يسبب قلقا شديدا علي مناطق كثيرة من العالم, فأحزمة زراعة الحبوب التي تمتد داخل عدد كثير من القارات تواجه خطرا إقليميا وهو حدوث جفاف لهذه المناطق, فمعظم النماذج الحاسوبية للمناخ تظهر احتمال حدوث جفاف عند ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض بغض النظر عما يحدث في شمال المحيط الأطلنطي, كذلك توضح هذه النماذج أن الاحترار الناجم عن الاحتباس الحراري للأرض سيزيد من هطول الأمطار ربما علي شكل عواصف رعدية شديدة أو فيضانات جارفة.
ويخشي العلماء من الوصول إلي فجوة عدم المعرفة بشأن التغيرات المفاجئة للمناخ لأنه من الممكن قيام الناس بممارسات عديدة من شأنها الإخلال بتوازن المناخ, كتحويل الغابات إلي أراضي زراعية وهذه تزيد من أشعة الشمس التي تحملها الأنهار إلي المحيطات.
ويمكن لاحتواء العواقب السلبية للمناخ إذا حدثت بشكل تدريجي أو متوقع, أن يقوم المزارعون الذين يتوقعون جفافا بحفر الآبار, أو تعلم زراعة محاصيل أقل اعتمادا علي الماء, كما أن هناك دعوة إلي تقليل انبعاثات الكربون لتقليل الارتفاع التدريجي لدرجة حرارة الأرض, ويمكن للمجتمعات أن تتكيف لمواجهة العواقب المحتملة للتغير في مناخ الأرض.
ارتفاع مذهل للبحار
كما يرجع سبب التغير السريع في الارتفاع المتوقع لمستويات البحار إلي زيادة سريعة في المعلومات المتاحة وفي عام 2007عندما قدمت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي انعقدت تحت إشراف الأمم المتحدة توقعاتها بارتفاع مستوي سطح البحر بنسبة تتراوح بين 18سم و59سم بحلول عام 2100 كان عدم توفر معلومات حول سلوك قمم الجليد القطبي وراء الكثير من الشكوك ومنذ ذلك الحين كان هناك ترقب عن كثب وكانت النتائج مثيرة للقلق وكانت القمم الجليدية في جرينلاند والقطب الجنوبي تذوب بمعدل متسارع, إن ذوبان الجليد هو المسئول عن رفع مستوي سطح البحر بشكل أسرع بكثر مما كان متوقعا.
وفي الواقع يقدر العلماء الآن أن مستويات البحار سترتفع بين 50سم و100سم بحلول عام 2100 مالم يتم اتخاذ إجراءات للحد من تغير المناخ, ويقول كونراد ستيفن من جامعة كولورادو والمشرف علي إحدي الدراسات المتعلقة بالغطاء الجليدي في جرينلاند إن ذوبان هذا الغطاء لا يرجع فقط إلي كونه أكثر دفئا ولكن أيضا لأن المياه التي تتسرب عبر شقوقه تعمل علي كسره وقد تم إغفال هذا التأثير في التقرير السابق.
وقام جون تشيرش من المركز الأسترالي لبحوث المناخ والطقس بقياس أثر ذوبان الجليد وقال أمام المؤتمر إن أنظمة القمر الاصطناعي والمراصد الأرضية أظهرت وجود ارتفاع في مستويات البحار منذ عام 1993 بصورة أسرع مما كانت عليه في وقت سابق من القرن العشرين وأعرب عن قلقه بأن يتسبب المزيد من تغير المناخ في تسارع معدل ارتفاع البحار أيضا.
وقام ستيفان رامستورف من معهد بوتسدام لبحوث التأثيرات المناخية بدراسة البيانات التي تمتد علي مدي 125 عاما وتربط بين الزيادة في درجات حرارة سطح البحر بارتفاع مستويات سطح البحر وقال في المؤتمر إنه بناء علي الخبرة السابقة أتوقع أن يتسارع معدل ارتفاع مستوي سطح البحر مع زيادة سخونة الكوكب, وقد أيده في هذا الرأي الخبير الرابع أريك ريجنوت من جامعة كاليفورنيا في إيرفين الذي دعا قادة العالم علي خفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة لظاهرة الاحترار.
عن: مجلة العلوم الأمريكية – العربي العلمي
B.B.C