واجهت التعديلات الأخيرة التي أقرها المجلس العسكري وأعدها مجلس الوزراء علي قانوني مجلسي الشعب والشوري بانتقادات كبيرة من جانب الأحزاب والقوي السياسية, خاصة ما يتعلق بحجب الترشيح علي المقاعد الفردية للأحزاب, وعدم الأخذ بالتطلعات التي تطالب بإقرار نظام القائمة النسبية غير المشروطة وعدم الاتفاق علي المبادئ الأساسية لاختيار الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور أو مبادئ عامة للدستور, حيث وافق مجلس الوزراء علي تعديلات جديدة علي قانون مجلسي الشعب والشوري, وأقر تخفيض عدد أعضاء مجلس الشعب إلي 498 عضوا بدلا من 504 أعضاء, علي أن يكون نصفهم علي الأقل من العمال والفلاحين, وتعديل المادة الثالثة بقانون مجلس الشعب بحيث يكون انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب بنظام القوائم الحزبية المغلقة والثلث الآخر بالنظام الفردي, وأن يكون عدد الأعضاء الممثلين لكل محافظة عن طريق القوائم الحزبية المغلقة مساويا لثلثي عدد المقاعد المخصصة للمحافظة, وأن يكون عدد الأعضاء الممثلين لها عن طريق الانتخاب الفردي مساويا لثلث عدد المقاعد المخصصة لها ويراعي ألا يلي مرشح من غير العمال والفلاحين مرشحا من غير هؤلاء وأن تتضمن كل قائمة مرشحا من النساء علي الأقل, وتقضي التعديلات أن يتم تقسيم الجمهورية إلي 46 دائرة تخصص للانتخاب بنظام القوائم و83 دائرة أخري تخصص للانتخاب بالنظام الفردي. وتمت إضافة مادة تنص علي أنه إذا أسفر توزيع المقاعد عن عدم استكمال نسبة العمال والفلاحين في أي دائرة من دوائر القوائم تستكمل النسبة من القائمة الحاصل أعضائها المنتخبين علي أقل معامل انتخابي للدائرة وبالترتيب الوارد في تلك القائمة, ويحتسب المعامل الانتخابي بقسمة عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة في الدائرة علي عدد الأعضاء المنتخبين منها.
ونصت تعديلات قانونمجلس الشوري علي أن يتألف مجلس الشوري من 270 بدلا من 390 عضوا, وأن يكون انتخاب ثلثي أعضاء المجلس بالقوائم الحزبية المغلقة والثلث الأخير بالنظام الفردي, وتقسم الجمهورية إلي 30 دائرة بنظام القوائم و30 للنظام الفردي, ينتخب عن كل دائرة منها عضوان يكون أحدهما علي الأقل من العمال والفلاحين. وتضمنت إضافة مادة جديدة برقم 12 مكرر تنص علي أنه إذا أسفر توزيع المقاعد بناء علي نتيجة الاقتراع علي عدم استكمال نسبة العمال والفلاحين في أي دائرة من دوائر القوائم تستكمل النسبة من القائمة الحاصل أعضاؤها المنتخبون علي أقل معامل انتخابي بالدائرة وبالترتيب الوارد بتلك القائمة, ويحتسب المعامل الانتخابي بقسمة عدد الأصوات التي حصلت عليه كل قائمة في الدائرة علي عدد الأعضاء المنتخبين منها.
حاولنا التعرف علي القانون في هذا التحقيق:
التعديلات لا تلبي المطالب !
أكد كل من فريد زهران المتحدث باسم الكتلة المصرية التي تضم 12 حزبا وقوي سياسية ومحمد حامد عضو المكتب السياسي بحزب المصريين الأحرار أن الكتلة أعلنت عن رفضهما لتعديلات قانون مجلسي الشعب والشوري, إذ أن هذه التعديلات لا تلبي الحد الأدني من المطالب التي تقدمت بها القوي السياسية في العديد من الاجتماعات مع المجلس العسكري, وأنه حتي تأتي الانتخابات القادمة بمجلسي شعب وشوري قادرين علي النهوض بمهامها الدستورية والتشريعية والرقابية, وألا تدفع البلاد للمزيد من الفوضي عن طريق عودة سطوة البلطجية ورأس المال خصوصا في ظل الوضع الأمني الراهن, وبالرغم من الاستعداد الكامل لخوض الانتخابات في مواعيدها, إلا أنه المطلوب مجددا تحقيق كافة المطالب التي أجمعت عليها القوي السياسية دفعة واحدة وهي إصدار الإعلان الدستوري الذي أعلن عنه المجلس العسكري ومجلس الوزراء ولم يصدر بعد بشأن المبادئ الأساسية للدستور ومعايير تشكيل الجمعية التأسيسية, وإجراء الانتخابات بنظام القوائم النسبية فقط, والقضاء علي الانفلات الأمني في الشارع فورا واسترداد الحالة الأمنية قبل خوض الانتخابات, وتفعيل قانون منع استخدام الشعارات الدينية, ووضع حد أقصي للإنفاق علي الدعاية الانتخابية والإشراف التام علي ميزانية الأحزاب ومصادر تمويلها, وتفعيل قانون الغدر أو إقصاء أعضاء الحزب الوطني المنحل من المشاركة البرلمانية. والكتلة ستتخذ خطوات تصعيدية تصل إلي مقاطعة الانتخابات في حال عدم الاستجابة إلي المطالب, مضيفا أنهم أرسلوا نسخة من البيان إلي مجلس الوزراء والمجلس العسكري مرفقة بقائمة المطالب.
اتفق معهم الدكتور وحيد عبدالمجيد منسق التحالف الديموقراطي الذي يضم 43 حزبا, وأعلن عن رفض التحالف الديموقراطي للتعديلات. وقال إن ما أقرته من إجراء الانتخابات بنسبة الثلثين بالقائمة والثلث الفردية, وكذلك عدم جواز ترشح أي عضو حزبي علي القوائم الفردية وعدم انضمام أي مستقل إلي أي حزب بعد نجاحه من الانتخابات, بما يحمل معه شبهة في عدم الدستورية وتمييز واضح.
أضاف أن التحالف عقد لقاء موسعا مع القوي السياسية والحزبية لبحث سبل الرد والتصعيد علي المجلس العسكري سواء باتخاذ قرار جماعي بالمقاطعة الكاملة أو مطالبة العسكري بتلبية مطالبهم بالرجوع عن القانون وإجراء الانتخابات بالقائمة النسبية فقط.
ترشح القانون أمام الفلول
نوه د. محمد البلتاجي أمين حزب الحرية والعدالة أن التعديلات الأخيرة لمجلسي الشعب والشوري ضمن بيئة قانونية انتخابية لا تصل إلي برلمان قوي يتناسب وهذه المرحلة الشائكة, فالإصرار علي النظام الفردي الذي يتيح بدخول أكبر عدد من فلول الحزب الوطني والنظام السابق أمر يدعو للاستغراب كذلك تعطيل مشروع قانون الغدر السياسي لمن أفسدوا الحياة السياسية والنيابية خلال العشر سنوات الماضية يساعدهم من ناحية أخري للحصول علي أكبر عدد من المقاعد في المجلس الجديد تحت دعوي تخصيصها للمستقلين, ومن ناحية أخري يمنع القوي السياسية من التنافس علي هذه المقاعد كما لو كان خصصت كوتة للمقاعد الفردية.
أشار البلتاجي إلي أن هذه التعقيدات يصبح لدينا حالة من الارتباك الشديد بين القوي السياسية بما ينجم عنه برلمان لا علاقة له بالثورة وغير قادر علي النهوض بأحوال مصر في هذه الفترة الحرجة, مشيرا إلي أن الدوائر الفردية واسعة جدا وتسمح بدخول القادرين والعصبيات القبلية الذين سوف يسيطرون علي 166 مقعدا فرديا من مقاعد المجلس القادم.
ومن جانبه أكد عصام شيحة عضو المكتب السياسي لحزب الوفد أن هذه التعديلات تعني مرحلة أسوأ فمازال صانع القرار يتعامل مع القوي السياسية بنظام المفاصلة وتغافل كافة مطالبهم والتي تتبلور في إلغاء النظام الفردي من ناحية والعمل بنظام القائمة النسبية غير المشروطة والتي تعتبر من أفضل الأنظمة الانتخابية والتي تصلح في هذه المرحلة الانتقالية في ظل الاضطراب الأمني الموجود, وتحد من نظام البلطجة والعصبية والقبلية وشراء الأصوات وتسهل علي الناخب العملية الانتخابية والإقدام عليها.
أوضح شيحة: لم يتضح حتي الآن قانون تقسيم الدوائر ولكن الانطباع من خلال التقسيمات المعلنة بتوسيع الدوائر هو أمر يفيد في نظام القوائم والتي أصبحت 46 دائرة بدلا من 58 ولكن الأمر ينعكس في النظام الفردي الذي وصلت عدد دوائره إلي 83 يشكل صعوبة للمرشحين وعلي الجانب الآخر كنا نأمل بزيادة عدد النواب في مجلس الشعب في الوقت الذي قرر المجلس تقليله بتكهنات غير معلنة.
نوه أمين إسكندر وكيل مؤسسي حزب الكرامة: أن إصدار التعديلات الأخيرة لقانوني مجلسي الشعب والشوري مخيبة للآمال, خاصة في ظل وجود النظام الفردي والتي كان من المتوقع أن يسود نظام القائمة ولا تكتفي بالثلثين فقط, الأمر الذي يدعو للاستغراب لمنع الأفراد من الانتماء لأي حزب سياسي ومن يحالف تسقط عنه العضوية, ويؤكد أن ما يحدث حاليا هو حالة كبيرة من الارتباك الشديد في ظل انخفاض أعداد أعضاء المجلس بدلا من الحرص علي زيادتهم للوصول إلي أكبر عدد من فئات عديدة تستطيع أن تقوم بخدمة ورعاية المواطنين, ومن ناحية أخري لم تظهر في الأفق ملامح وحدود تقسيم الدوائر واكتفي بصدور أعدادهم فقط وننتظر صدور القانون الخاص به والذي نسير علي خطاه.
قال الدكتور سيد البدوي رئيس حزب الوفد: رفض الحزب بشكل كامل لقانون مجلسي الشعب والشوري ووصفه بأنه التفاف علي إرادة الشعب المصري وأهداف ثورة 25 يناير, وقانون الشعب والشوري بوضعه الحالي يعيد إنتاج النظام السابق ويضرب عرض الحائط بأهداف ثورة 25 يناير, خاصة أنه مليء بالعورات والشبهات الدستورية, مضيفا أن القانون يتضمن حرمان المستقلين من الانضمام إلي أي حزب سياسي بعد دخولهم مجلس الشعب بالمخالفة لما أقرت عليه المبادئ الدستورية الكافلة لحرية الرأي والتعبير والعقيدة السياسية, وشدد أن استمرار تعسف الحكومة وإصدارها قوانين مخالفة لإرادة الشعب يعد أمرا خطيرا ومؤشرا لعدم الاستجابة للمطالب التي اجتمعت عليها الأحزاب والقوي السياسية, خاصة أن الحكومة عقدت اجتماعات مع العديد من الأحزاب والقوي السياسية واستمعت إلي وجهة نظرها في القانون السابق, آخرها اجتماع الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة مع 45 حزبا سياسيا أبدوا جميعا وجهة نظرهم حول هذا القانون ورغبتهم في إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية غير المشروطة للأحزاب والمستقلين.
أين احترام القوي الوطنية؟!
وقال السعيد كامل رئيس حزب الجبهة الديموقراطية إنه سيتم رفض القانون فكان يجب احترام إجماع القوي الوطنية علي الطلب بأن تكون الانتخابات بالقائمة ولا يوجد بها فردي وإذا أصر المشرع أن يكون هناك ثلث فردي سيطالب الحزب أن تخصص لشباب الثورة وليس لفلول النظام السابق فهو يري أن ما يحدث هي عقوبة لشباب الثورة.
وحول وجود كوتة للمرأة داخل القوائم ولا يوجد للأقباط أوضح رئيس حزب الجبهة الديموقراطية: سنطالب في الفترة القادمة بعدة مطالب منها وجود قبطي علي قوائم الأحزاب بدون إلزام القانون, بالإضافة إلي دعم الأحزاب السياسية للتواصل مع الجماهير عن طريق الإعلام القومي من قنوات تليفزيونية وصحافة حتي لا يكون دورها فقط الإعلان عن بقايا الحزب الوطني وتكون هذه القنوات أداة للتحكم في الانتخابات القادمة.
انتقد د. ضياء رشوان مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام الإصرار علي النظام الفردي مؤكدا أن هناك دوائر لا توجد بها أحزاب أساسا ومع ذلك لا تطبق النظام الفردي كاشفا أن القائمة النسبية غير المشروطة خطوة علي الطريق الديموقراطي وأن عدد المقاعد بالدوائر أكبر من قدرة الأحزاب حاليا ومن ثم فلابد من التنسيق فيما بينهم شريطة أن يكون التنسيق من القاعدة ومن المرشح القوي وليس من القاهرة مثلما يفعل الوفد والإخوان, وكشف عن أن نتائج المرشحين علي القوائم لا تعلن إلا في المرحلة الثالثة لأن القانون يشترط حصول الحزب علي نصف في المائة من مقاعد مجلس الشعب لكي يكون له تمثيل.
أين الأقباط
أشار الدكتور يحيي الجمل أستاذ القانون بجامعة القاهرة ونائب رئيس الوزراء السابق: النص القانوني صحيح فعندما أرشح نفسي علي صفة مستقل وينتخبني الناخب علي ذلك يجب أن يحافظ المرشح علي ثقة الناخب وصفته فإن أراد أن يغير صفته لا يلتزم بذلك وإذا كان سكان مصر حوالي 85 مليون نسمة لا يوجد منهم أكثر من 2 مليون فرد منتمي للأحزاب فلا أستطيع أن أغفل الـ65 مليون الآخرين فالمشرع وفق في هذه المادة. أما بالنسبة لترتيب القائمة وإغفال الأقباط بها فكنت أتمني أن تتضمن القائمة امرأة وقبطي ويكونوا علي رأس القائمة حتي يمثلوا في الانتخابات النيابية والمجالس النيابية وأتمني أن تتفق الأحزاب علي أن تضع أقباط علي قوائمهم دون إلزام القانون بذلك حتي لا يقول أحد إن يوجد في ذلك أنه نوع من التمييز للأقباط.
نوه الدكتور عثمان محمد عثمان رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة 6أكتوبر بقوله: الموضوع أوسع من هذه التعديلات فهناك اتفاق بين القوي السياسية في مصر وفي مقدمتهم شباب الثورة علي أن يكون النظام المثالي للانتخابات هو الانتخاب بالقوائم النسبية ويكون التنافس بين الأحزاب تنافسا سياسيا بين البرامج السياسية يختار الناخب من خلالها البرنامج الحزبي الذي يراه محققا لمطالبه وطموحه, بالتالي الإصرار علي أن تكون هناك نسبة في الانتخاب بالنظام الفردي هو خروج علي إجماع القوي السياسية في مصر فنظام القوائم سيقوي التجربة الحزبية والأحزاب ويرسخ لمفهوم الديموقراطية والمواطنة أما النظام الفردي فسيعود بنا إلي سيطرة سلاح المال والبلطجة والعصبيات السياسية والعائلية في الانتخابات والتجارب الانتخابية السابقة خير دليل علي ذلك.
أما عن إغفال الإلزام بوجود قبطي علي القوائم كما للعمال والفلاحين والمرأة أكد بقوله: الأحزاب عندما تتنافس ستكون حريصة علي أن تكون القائمة التي يتقدم بها للمواطن في أي دائرة تضم عناصر تضمن له الموافقة علي هذه القائمة واختيارها من قبل الناخبين, وكل دول العالم التنافس في الانتخابات تكون بين الأحزاب ولا يوجد مستقلون ولجنة الأحزاب الآن تضع شروطا بسيطة لإشهار أي حزب وإذا كان هناك مستقلون يريدون الترشح فلماذا لا يبقوا حزب للمستقلين ينافس في العملية الانتخابية, فقد ثبتت التجربة أن أي نظام انتخابي مزدوج يضر بالعملية الانتخابية أكثر مما يفيد, والمجلس العسكري برئ تماما عن كل ما يحدث فلقد عرض أكثر من حوار وطني كان يهدف منه أن يعطي فرصة للقوي الوطنية والأحزاب أن تتفق علي خارطة طريق تتضمن النظام الانتخابي, الدستور أولا أم الانتخابات أولا وشكل اللجنة التي تصيغ الدستور.