استقبلنا منذ شهور خبر تطويب قداسة البابا المتنيح يوحنا بولس الثاني -بابا الفاتيكان- برئاسة قداسة البابا بنديكت البابا الحالي ليصبح قداسته أول بابا يطوب سلفه, وحينما تابعنا حفل تطويب البابا يوحنا بولس -الأحد الماضي- تذكرنا نفس المشهد الذي تجمع حوله أيضا الآلاف حينما انتقل البابا يوحنا بولس الثاني إلي السماء عام 2005 وصرخ الجموع في ساحة القديس بطرس قائلين: أعلنه قديسا, واليوم بعد مرور 6 أعوام من التحقيقات والدراسات ترفعه الكنيسة إلي رتبة الطوباوي, وحول معرفة حياة قداسة البابا المطوب وقصة التطويب ذهبت وطني لتحاور الأب الذي رافق البابا يوحنا بولس الطوباوي.. في بداية المراسم أعلن البابا بنديكت السادس عشر باللغة اللاتينية تطويب يوحنا بولس الثاني, ثم جلبت راهبتين زجاجةة تحتوي علي دم الحبر الأعظم فقبلها البابا بنديكت بكل خشوع, وكان قد تم استخراج التابوت الذي يضم رفات البابا الراحل من المدفن الكائن تحت كاتدرائية القديس بطرس كما يوضع أمام المذبح خلال مراسم التطويب التي شهدها الآلاف, وحضرها الرئيس الإيطالي جورجونا بوليتانو وسيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي بالإضافة إلي 16 رئيسا وشخيات رفيعة المستوي جاء من العديد من دول العالم.. أثناء زيارته لمصر, وكان أقرب الشخصيات لقداسته أثناء زيارته التاريخية, هو الأب رفيق جريش رئيس المكتب الصحفي للكنيسة الكاثوليكية بمصر وراعي كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك -بالكوربة- وكان هذا اللقاء.
* نريد أن نتعرف علي حياة البابا يوحنا بولس الثاني الذي تم تطويبه منذ عدة أيام؟
* * البابا يوحنا بولس الثاني يعد من عظماء البابوات الكاثوليك, واستطاع قداسته أن يكتسب احترام الشعوب, وكسب قلوب رؤساء الدول, فهو البابا الذي لفت أنظار العالم له برسالته للسلام, وعن حياته, ولد قداسته باسم كارول جوزيف وجتيلا في 18 مايو 1920 ببولندا, أتم دراسته في مدينته والتحق بعدها بكلية الآداب والفلسفة في جامعة كراكوفيا, ثم رسم كاهنا في أول نوفمبر 1946 وسافر إلي روما لاستكمال دراسته ونظرا لنشاطه الكنسي والرعوي عينه البابا بيوس الثاني عشر أسقفا في كراكوفيا -ببولندا- عام .1958
وفي عام 1964 منحه البابا بولس السادس رتبة رئيس الأساقفة ثم عين كاردينالا في .1967
ثم انتخب بابا للفاتيكان في 16 أكتوبر 1978 وكان في الثامنة والخمسين من عمره ليصبح أول بابا من أصل غير إيطالي بعد البابا أدريانوس السادس -1523- أي بعد 450 عاما.
ومنذ أن اعتلي الكرسي البابوي بدأ في العديد من الزيارات حتي أصبح البابا الوحيد من بابوات روما الذي زار أكثر بلاد العالم, وحذره مستشاروه من أن نشاطه قد يجعله هدفا للاغتيال, غير أنه فضل الاستمرار.. وفي 13 مايو 1981 تعرض لإطلاق النار في ساحة القديس بطرس وأصيب برصاص من أحد المتطرفين يدعي محمد علي أغا تركي الجنسية.
والجميل في حياة الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني هو أنه بعد فترة طويلة من التعافي من الإصابة بالرصاص التقي البابا مع التركي محمد أغا وأعلن له عن صفحه عنه.
وبعد سنوات كثيرة تعرض البابا لمتاعب صحية فأصيب بالتهاب في المفاصل, وتعرض لداء باركينسون (الشلل الرعاش), وأجريت له جراحة في الفخذ عام 1994, وسقط مغشيا عليه خلال رحلة لفرنسا عام 1996, وبرغم كل المتاعب والأمراض التي عاني منها قداسته إلا أنه استكمل رحلاته في مختلف البلاد حتي زار مصر عام 2000 ليصير أول بابا للفاتيكان يزور أرض مصر.
وتنيح قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في 12 أبريل 2005 عن عمر يناهز 84 عاما.
* ماذا عن رتبة الطوباوي في الكنيسة الكاثوليكية وما شروطها؟
* * في الكنيسة الكاثوليكية للوصول إلي رتبة قديس, لابد من المرور بثلاث مراحل وهي: مكرم, طوباوي, حتي الوصول إلي قديس, ولا يرتفع المتنيح إلي رتبة طوباوي إلا بعد أن يتثبت من وجود معجزات, وشفاء لأمراض متعددة, وهذا التطويب أيضا لا يتم سريعا, فيشترط أن يمضي علي نياحته خمسة أعوام علي الأقل.
وتطويب البابا يوحنا بولس الثاني ليس وليد اللحظة, فالبابا تنيح مكرم وفي جنازته صرخ الآلاف أعلنه قديسا, ولكن الأمور في الكنيسة الكاثوليكية لا تمر بسهولة, وانتظرت الكنيسة 6 سنوات تلقت خلالها طلبات كثيرة من الشعب مؤيدة بوثائق طبية, وغيرها تأكد حدوث معجزات كثيرة تحققت بطلب شفاعة البابا يوحنا بولس الثاني, ولم يكتف الكرسي البابوي بذلك بل أقام دعوي قضائية بحضور محققين ومحامين وأطباء وهذا يسري علي جميع مراحل التطويب لأي متنيح.
* ما الأسباب التي دعت الآلاف لتصرخ يوم وداعه وتطالب بتقديسه؟
* * البابا الطوباوي قبل نياحته بعشرة أيام كانت الآلاف تتوافد في ساحة القديس بطرس بعدما تردد أن البابا يمر بلحظات صعبة والمرض يشتد عليه وكان يخرج لهم من شرفة غرفته دائما ويعطيهم البركة, وصلي الشعب من أجل كل هذه الأيام, ومع اقتراب يوم النياحة -12 أبريل 2005- طلب قداسته المسحة الأخيرة والمناولة وبعدها انتقل إلي الفردوس وعندما أذيع الخبر تجمعت أعداد غفيرة بساحة القديس بطرس وعلت أصواتهم بالتهليل وأيديهم بالتصفيق للروح التي استقرت في موطنها الأصلي, وهتف الجميع أعلنه قديسا لأن الكل كان يري أن البابا المتنيح تحمل الكثير من الآلام والمرض وبذل كل جهده لإتمام خدمته وتحمل علي ذاته الكثير من أجل الجميع لنشر السلام وتعاليم المسيح, وعرفوا بعد ذلك -من وصيته- أنه كثيرا ما فكر في تقديم استقالته عندما كثرت أمراضه, ولكنه من أجل استكمال مهام الكرسي البابوي كان يتغلب علي هذا, وقال: آلامي لا تقارن بآلام السيد المسيح المصلوب وأنا أقدم آلامي من أجل الإنسانية كلها ومن أجل السلام.
والجميع يعرفون تعب البابا يوحنا, فقطع قداسته أكثر من مليون كيلومتر في 226 رحلة قام بها في حبريته بزيارة 119 دولة في العالم, وألقي قداسته 3100 خطاب, ثلثها خلال سفرياته الدولية, والتقي قداسته بما يقرب من 550 من رؤساء الدول, وهذه الأرقام كشفت للجموع التي هتفت أعلنه قديسا كم بذل هذا الرجل العظيم من مجهودات من أجل نشر السلام في الوقت الذي كان يحتاج فيه إلي راحة وهدوء.
* رافقتم البابا الطوباوي في زيارته لمصر, فحدثنا عن البابا من قرب وعن تفاصيل الزيارة التاريخية.
* * زيارة البابا لمصر جاءت في إطار رحلة حج بمناسبة الألفية الجديدة, وأراد قداسته أن يزور أرض مصر التي استلم موسي النبي لوحي الشريعة علي أرضها بجبل سيناء, والأرض التي هربت إليها العائلة المقدسة ليجدوا الأمان.
وعن تفاصيل زيارته لمصر في الفترة من 24 إلي 26 فبراير عام 2000 استطرد الأب رفيق جريش قائلا: عند وصوله لمطار القاهرة الدولي كان البابا يرغب في أن يقبل الأرض المباركة ولكننا كنا نعرف أنه لن يستطيع بسبب ما يعانيه من التهاب في مفاصل قدميه, وأمام إصرار قداسته أحضرنا طفلين بملابس الفلاحين حاملين طبقا به كمية من الطين قبله البابا وبهذا تحققت رغبته في تقبيل أرض مصر, وتوجه قداسته إلي المقر البابوي بالعباسية وزار قداسة البابا شنودة الثالث, وأتذكر أنه وقتها قال له البابا يوحنا بولس: أنت بابانا شنودة. ثم توجه إلي مشيخة الأزهر الشريف واستقبلنا الراحل فضيلة الإمام محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر, وفي اليوم التالي قام قداسته برئاسة صلاة قداس بالصالة المغطاة باستاد القاهرة حضره أكثر من 28 ألف من الشعب المسيحي بمصر.
وفي ظهر ذات اليوم أقام قداسته صلاة مسكونية حضرها قداسة البابا شنودة والقس صفوت البياضي رئيس الكنيسة الإنجيلية بمصر, وترأس قداسته صلاة تدشين كاتدرائية العذراء سيدة مصر للأقباط الكاثوليك بمدينة نصر, وأتذكر عند دخوله للكاتدرائية انزعج الحرس لأنه توجه إلي الشعب ليباركهم ولم يسر في الحارة المخصصة لسيره داخل الكاتدرائية, وإذ كان قداسته يحب الشعب ويريد دائما أن يكون قريبا منه ليتعامل بروح التواضع والمحبة وليس بروح الرئيس.
وفي اليوم الثالث والأخير زار قداسته سيناء واستقبله رئيس دير سانت كاترين للروم الأرثوذكس بحفاوة, وعند دخوله إلي الدير خلع حذاءه ليقف أمام العلية الموجودة خلف هيكل الدير.