تطوران مهمان في إطار تفعيل معايير المواطنة حدثا الأسبوع الماضي,ولم يكن ممكنا أن أغض النظر عنهما وسط متابعة وإلحاح الأحداث الملتهبة في غزة والتي تسيطر علي الأنباء وتستحوذ علي الرأي العام,فقد دأبت علي رصد السلوكيات السلبية التي تعتري معايير المواطنة والمساواة بين المصريين, وفي المقابل أهتم أيضا برصد وتسجيل السلوكيات الإيجابية حتي لا أكون من دعاة الإثارة أو محترفي الشكوي.
هذا التطوران يخصان إجازة عيد الميلاد المجيد التي حلت الأربعاء الماضي-السابع من يناير-ومن المعروف أن ذلك اليوم خرج من قائمة إجازات أعياد المسيحيين منذ عدة سنوات عندما أعلن الرئيس مبارك اعتباره أجازة رسمية للمصريين جميعا,وبالتالي انتهت متاعب المسيحيين العاملين في مؤسسات الدولة مع رؤسائهم في المساومة علي حقهم في إجازة العيد واستحقاقهم اعتبار تلك الإجازة مدفوعة الأجر.
لكن بقيت مساحة من التنكر لهذا الحق لدي كثير من مؤسسات القطاع الخاص والتي إما لا تمنح العاملين فيها تلك الإجازة أو إذا رضخت لها لاتعتبرها إجازة مدفوعة الأجر,وهنا يكمن الجانب الإيجابي الأول في التطورين اللذين أشرت إليهما وهو ما أعلن عن قرار وتصريح السيدة عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة بأن علي مؤسسات القطاع الخاص منح العاملين فيها إجازة 7يناير-عيد الميلاد المجيد-إجازة مدفوعة الأجر…ولعل ذلك التصريح يضع حدا لجميع أشكال التجاهل أو سوء الفهم المتصل بهذه الإجازة,حيث لا يمر هذا العيد في أي سنة من السنين دون أن أتلقي شكاوي مريرة يتضرر أصحابها من اغتيال حقهم في الإجازة مدفوعة الأجر من جانب رؤسائهم في العمل,ويتعرضون في ذلك الإطار لقدر مهين من التهكم والإساءة لا يستقيم مع معايير المواطنة.
والأمل ألا يتوقف هذا التطور الإيجابي الذي أسجله بالارتياح والتقدير علي مناسبة عيد الميلاد المجيد,وأن يمتد إلي باقي مناسبات الأعياد المسيحية الصادرة بشأنها قرارات سيادية سواء جمهورية أو رئاسية وهي بجانب عيد الميلاد المجيد:عيد الغطاس,وأحد السعف,وخميس العهد,وعيد القيامة…وهي وإن لم تنضم بعد إلي عيد الميلاد باعتبارها إجازة رسمية لمصر كلها,تظل أعيادا للمسيحيين لهم فيها حق الحصول علي إجازة مدفوعة الأجر من جهات عملهم.وذلك أيضا ينطبق علي سائر المؤسسات التعليمية سواء كانت مدارس أو معاهد أو كليات جامعية,وهذا ما يقودنا إلي التطور الإيجابي الثاني الذي حدث الأسبوع الماضي.
فبالنسبة للتلاميذ والطلبة تكمن معاناتهم مع إجازات الأعياد في أمرين:الاعتراف بالإجازة أولا بحيث لا تتم مؤاخذتهم علي التغيب عن اليوم الدراسي,وثانيا ألا يتم عقد امتحانات في ذلك التاريخ….لكن تستمر مناورات المغرضين وضعاف النفوس كل عيد مسيحي لإفساد الاحتفال بالعيد علي الطلبة المسيحيين,فيتعمد الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس تحديد ميعاد امتحان ما في مناسبة العيد,وحتي بعد اعتبار تاريخ 7يناير-عيد الميلاد-إجازة رسمية للجميع,دأب أولئك عليعكننةالطلبة المسيحيين وأسرهم بتحديد مواعيد امتحانات سواء في اليوم السابق علي العيد مباشرة أو في اليوم اللاحق له مباشرة,ولا يخفي علي أحد أن الاستعداد للامتحان في اليوم السابق علي العيد يفسد بهجة الاستعداد للعيد في الأسرة,بينما الاستعداد للامتحان في اليوم اللاحق للعيد هو أمر أشد سوءا لأنه يغتال فرحة الاحتفال بالعيد ويلقي بظلال من الكآبة علي الأسرة كلها…ومرة أخري أقول إن الشكاوي في هذا الإطار لم تتوقف أبدا عن أن تصلني بكل الألم والمرارة اللذين يكتنفان أصحابها,وآخرها ما تجمع لدي خلال الشهر الماضي.
والحمد لله أنني لم أندفع نحو الكتابة في هذا الشأن لأن الأيام حملت لنا التطور الإيجابي الثاني الذي ذكرته,وهو قرار الدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم الصادر والمنشور عنه الأسبوع الماضي بتغيير موعد امتحانات النقل للمرحلتين الابتدائية والإعدادية بالجيزة من الموعد المحدد لها سلفا وهو 8يناير-اليوم اللاحق لعيد الميلاد- إلي10يناير,وكما نص القرار جاء ذلك لإتاحة الفرصة للتلاميذ المسيحيين لكي يحتفلوا بعيد الميلاد المجيد…كما أكد الوزير أن قراره ليس خاصا بمدارس الجيزة فقط ولكن تم تعميمه علي جميع مديريات التعليم في مصر,مقدما شكره لمنظمات المجتمع المدني علي دورها في إثارة الأمر والسعي إلي استصدار قراره في هذا الخصوص.
إنني إذ أسلط الضوء علي هذين التطورين الإيجابيين في اتجاه تفعيل معايير المواطنة واللذين نستهل بهما عام2009 يحدوني الأمل والتفاؤل أن يكون هذا العام خصبا في الإنجازات علي صعيد المواطنة والإصلاحات السياسية والثقافية لنتجاوز كبوة عام2008 والإحباطات التي خرجنا منه نحملها معنا في هذا العام…ولعل رسالة الدكتور يسري الجمل تصل إلي الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي ومنه إلي جامعاتنا ومعاهدنا.