##استخدام العنف من قبل الحكام العسكريين في مصر ضد المحتجين الأقباط إنما يقوض الشرعية الدولية لهؤلاء الحكام ويلحق الضرر بحيويتهم الداخلية.##
في 9 أكتوبر وفي أسوأ مثال علي العنف منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير, قتل 25 مصريا وجرح أكثر من 320 آخرين في معارك شوارع بين المتظاهرين الأقباط والجنود المصريين. وقد نتجت بعض الإصابات من جراء إطلاق النار بينما حدثت خسائر أخري في الأرواح عندما دهست ناقلات جنود مدرعة بعض المتظاهرين.
قدمت هذه الأحداث تذكرة تقشعر لها الأبدان عن تصاعد الهجمات التي تستهدف الطائفة المسيحية القبطية في مصر-التي تشكل نحو 10 بالمائة من السكان- سواء قبل أو خلال الشهور التي تلت الإطاحة بمبارك. ففي 1 يناير علي سبيل المثال, قتل ثلاثة وعشرون شخصا وجرح سبعة وتسعون في هجوم علي كنيسة في الإسكندرية. وقد شملت حوادث لاحقة حرق كنيسة في حلوان في أوائل مارس, وحرق ثلاث كنائس قبطية في إمبابة في 7 مايو قتل خلالها خمسة عشر شخصا وجرح أكثر من مائتين, وهجوم نفذه مئات من السلفيين علي كنيسة في المنيا في 24 يونية, شمل محاولة اغتيال البطريرك القبطي المحلي.
وبالإضافة إلي النجاح المتوقع للإسلاميين في الانتخابات البرلمانية المقبلة فإن هذه الأحداث قد أوهنت عزيمة أقباط مصر. وفي المقابل, ومنذ بداية مارس احتج نشطاء الأقباط دوريا خارج مبني الإذاعة والتليفزيون التابع للدولة في وسط القاهرة والمعروف باسم ##ماسبيرو## مطالبين ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة -##الهيئة العسكرية الحاكمة المؤقتة##- بإعادة بناء الكنائس القبطية وتقديم المهاجمين إلي العدالة وتوفير أمن أفضل للمجتمعات القبطية. وفي 5 أكتوبر, وردا علي هجوم تم فيه حرق كنيسة مارجرجس في أسوان في 30 سبتمبر, نظم نشطاء أقباط اعتصاما أمام ##ماسبيرو## ولكنهم أجبروا علي تركه علي يد الشرطة العسكرية وقوات الأمن المركزي. وفي حين انتشرت أشرطة فيديو علي شبكة الإنترنت عن أعمال العنف التي جرت ضد المتظاهرين, كان رد نشطاء الأقباط الغاضبين هو التخطيط لمسيرة في 9 أكتوبر من شمال القاهرة إلي ##ماسبيرو##.
ويقال إن مسيرة 9 أكتوبر قد جذبت حوالي عشرة آلاف متظاهر وشملت إطلاق شعارات معادية لـ ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة. ولدي وصولهم وسط المدينة رشق المتظاهرون بالحجارة قذفها عليهم بلطجية مرتبطون بـ ##المجلس العسكري## و-عند اقترابهم من ##ماسبيرو##- هوجموا بالهراوات. ومن الجانب الرسمي كانت رواية السلطات أنها قامت بالرد أولا علي هذه المسيرة بإطلاق النار في الهواء, لكن سرعان ما زال ضبط النفس تمثل بقيام اثنين من ناقلات الجنود المدرعة بدهس المتظاهرين وقيام جنود من كل ناقلة بإطلاق النار علي الحشود, وهي المناورة التي أسفرت عن وقوع معظم الضحايا في ذلك اليوم. وفي الوقت الذي انتشرت فيه أخبار الهجوم علي الشبكات الاجتماعية اندفع النشطاء الشباب إلي مسرح الأحداث لحماية المتظاهرين الأقباط.
استغلال وسائل الإعلام
في أعقاب هذا القمع الدموي تحركت السلطات المصرية بسرعة لاستمالة التغطية الإعلامية لصالحها. فقد نصح وزير الإعلام أسامة هيكل وسائل الإعلام المملوكة للدولة بتغطية الصدامات ##بحكمة## واستجاب التليفزيون المصري علي ذلك بإشارته إلي تقارير تفيد بأن المتظاهرين الأقباط كانوا يهاجمون الجيش بالحجارة وقنابل المولوتوف والذخيرة الحية. وعندما استخدم العديد من موظفي التليفزيون الحكومي خدمة رسائل ##تويتر## للتبرؤ من تغطية شبكاتهم للصدامات أعلن هيكل أنه ستجري محاكمة لأي شخص ##ينشر الشائعات.## كما أن الصحافة التي تملكها الدولة أفادت أيضا بأن ثلاثة جنود قد قتلوا بينما الحقيقة هي أنه لم تقع علي الإطلاق أية وفيات في صفوف الجيش.
وفي الوقت نفسه, تحرك ##المجلس العسكري## لغلق منافذ إعلامية مستقلة حيث اقتحم الجنود استوديوهات ##الحرة## وهي المحطة الفضائية التي تمولها الولايات المتحدة و##قناة 25 يناير## المملوكة للقطاع الخاص وقطعوا التغطية الحية للاشتباكات التي كانت تبثها القناتان. ووفقا للتقارير حاولت شخصيات من رجال الشرطة ترتدي ملابس مدنية اقتحام استوديوهات قناة ##العربية## مما أسفر عن حدوث قطع في تغطيتها.
إن الأمر المقلق بصورة أكثر هو استخدام الحكومة المصرية لوسائل الإعلام التي تملكها الدولة للتحريض علي قيام المزيد من العنف ضد المتظاهرين الأقباط, وذلك عن طريق دعوة المواطنين المصريين للخروج إلي الشوارع لحماية الجنود. وقد استجاب المتظاهرون الإسلاميون لذلك وقاموا بترديد هتافات ##إسلامية! إسلامية!##. وثمة متظاهرون آخرون موالون للجيش وقفوا جنبا إلي جنب مع قوات الأمن ويقال إنهم كانوا ينادون ##الشعب يريد إسقاط المسيحيين.## والعمل الذي زاد أعمال الشغب هو هجوم البلطجية علي الشركات المملوكة لمسيحيين في جميع أنحاء وسط القاهرة وكذلك علي المستشفي القبطي الذي كان يعالج فيه العديد من الضحايا قبل أن يبدأ الجيش بفرض حظر التجول في الثانية صباحا.
وحتي قبل أحداث 9 أكتوبر استخدم ##المجلس العسكري## مرارا الحاجة إلي استعادة النظام كذريعة لتوسيع حكمه الاستبدادي. وفي 1 أغسطس ألقي الجيش القبض علي 115 ناشطا عند إخلاء اعتصام استمر شهرا في ##ميدان التحرير##. وفي 9 سبتمبر وبعد الهجوم علي السفارة الإسرائيلية في القاهرة مدد الجيش قانون الطوارئ المثير للجدل ثم استمر في استخدام ارتفاع الجرائم في الشارع منذ ثورة يناير كحجة لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. إلا أن أحداث العنف الأخيرة ضد الأقباط تمثل أول مثال علي التورط الجلي لـ ##المجلس العسكري##.
نقاد ومقربو ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة##
علي الرغم من أن زعيم ##حزب الغد## أيمن نور وزعيم ##حزب مصر الحرية## عمرو حمزاوي وقيادي ##الحزب الديموقراطي الاشتراكي## محمد أبو الغار, وممثل ##جمعية محمد البرادعي الوطنية للتغيير## قد شبهوا ##المجلس العسكري## وعلي نحو سلبي بنظام مبارك إلا أن الكثير من اللاعبين السياسيين الرئيسيين قد وقفوا في صف الجيش, فعلي سبيل المثال يقال إن المرشح البارز للرئاسة عمرو موسي قد شدد علي أهمية ##الحكم بقبضة من حديد لحماية البلاد من الفوضي الوشيكة.##
وقد تم ترديد موقف موسي الموالي لـ ##المجلس العسكري## بصدي مدو من قبل الزعماء الإسلاميين. فقد اعتبر القيادي السابق من جماعة الإخوان المسلمين والمرشح الحالي للرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح الصدامات بأنها تغذي ##الأهداف الخارجية والصهيوينة.## وثمة مرشح رئاسي إسلامي آخر وهو سليم العوا ألقي باللائمة علي الأجانب مدعيا أن الولايات المتحدة كانت تسعي للحصول علي ذريعة للتدخل عسكريا في مصر لحماية دور العبادة المسيحية.
وتشير ردود الأفعال هذه من قبل الإسلاميين بأنهم ما يزالون منحازين بقوة لـ ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## حتي علي الرغم من الخلافات الأخيرة بشأن توقيت الانتخابات وكتابة المبادئ فوق الدستورية. وبينما لا يزال هناك وبلا شك انعدام ثقة بين الإسلاميين والجيش يستمر الإسلاميون في رؤية ##المجلس العسكري## – والاستقرار المحدود الذي يوفره – كأفضل السبل لتحقيق أقصي نفوذ في مصر ما بعد مبارك. وأما القادة الليبراليون واليساريون, فهم علي النقيض من ذلك يرون ##المجلس العسكري## وبصورة متزايدة بأنه السبب الرئيسي في الغموض السياسي وعدم الاستقرار المستمر في البلاد.
الخيارات السياسية الأمريكية تجاه ##مجلس عسكري## أكثر تشددا
تؤكد التصرفات الأخيرة من قبل ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## عن نيته لعب دور مهيمن في مستقبل مصر السياسي. ومن المرجح أن يكون الدافع من وراء مثل هذا الهدف, علي الأقل جزئيا, هو الخوف من أن يؤدي الانتقال السياسي نحو نظام أكثر ديموقراطية إلي تعريض امتيازات الجيش الكثيرة إلي الخطر. ونتيجة لذلك يسعي ##المجلس العسكري## علي نحو متزايد إلي استخدام أية وسيلة يراها ضرورية لقمع المعارضة بما في ذلك التحريض علي قيام عنف طائفي لتحقيق مكاسب سياسية.
واليوم وحيث إن ##المجلس العسكري## هو اللاعب الوحيد الذي يتمكن من الحفاظ علي قدر من الاستقرار في مصر, فإن المسار الحالي لا يؤكد نوع الاستقرار الذي سترضي عنه واشنطن لفترة طويلة. والأمر المزعج أيضا هو التحالف الذي يبدو متينا بين ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## والأحزاب الإسلامية في مصر.
ودعت الكنيسة القبطية في مصر إلي تكريس صوم لمدة ثلاثة أيام للتعبير عن سخطها وهو مسار يرفضه الكثير من الأقباط باعتباره غير كاف. وفي الوقت نفسه يؤكد النشطاء الشباب في مصر أنهم سوف يستخدمون جنائز أولئك الذين لاقوا حتفهم خلال القتال الذي وقع في 9 أكتوبر, للقيام بمظاهرات جديدة يدعون فيها إلي استقالة الحكومة المؤقتة التي يترأسها عصام شرف. ويؤكد هذا الشعور أن العنف -ضد الأقباط ومتظاهرين آخرين- سيتصاعد علي الأرجح.
وبالفعل, أصدرت إدارة أوباما بيانا علنيا عبرت فيه عن ##قلقها العميق## بشأن أعمال العنف. ومع ذلك, فبما أن العنف يخاطر بإشعال جولة أخري من المظاهرات التي تستهدف سلطة ##المجلس العسكري## إلا أن بيان الإدارة الأمريكية -الذي دعا إلي ##ضبط النفس## ولكنه لم يذكر حتي ارتكاب الجيش للعنف المفرط- كان يمكن, بل أحري به أن يكون أكثر صرامة.
ويبدو أن نفوذ صناع السياسية الأمريكيين علي حليفهم الحالي ##الأفضل##- وهو ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة##- آخذ في التناقص. فأعمال العنف التي ارتكبها الجيش هي إساءة للشعب المصري وتقوض فرص الانتقال الديموقراطي في مصر. لقد حان الوقت الآن سواء سرا أو علنا للتوضيح للقيادة المصرية ما الذي علي المحك. فالشراكة الأمريكية المصرية يمكن أن تتحمل قيام ثورة وسياسات شعبوية وخطاب مناهض للولايات المتحدة. لكن من غير المرجح أن تستمر فترة طويلة في ظل مذابح ترعاها الحكومة ضد المسيحيين الأقباط في مصر.
إريك تراغر زميل آيرا وينر في معهد واشنطن ومرشح لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بنسلفينيا حيث يكتب أطروحته عن أحزاب المعارضة المصرية.
معهد واشنطن