تزايد المخاوف
كشفت أزمة معبر رفح عن حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيون لكنها في الوقت ذاته أثارت العديد من المخاوف الأمنية والسياسية بعد عبور عناصر مسلحة من حركة حماس إلي سيناء .
من جهة أخري أعيد طرح المشروع القديم بإقامة سوق حرة بين مصر وفلسطين لكن عشرات المعوقات السياسية مازالت تقف أمامه.
من هنا يأتي السؤال: هل يمكن إيجاد حل جذري لمعاناة الفلسطينيين أم أن الأمر سيتوقف عند تصدير مشاكل فلسطين لمصر؟.
سوق عربية موحدة
أشار الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابع لجامعة الدول العربية إلي أن مقومات إقامة منطقة للتجارة الحرة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وأية دولة عربية أخري متوفرة بموجب قرار صادر عن مجلس جامعة الدول العربية ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية منذ 4 سنوات لذا فقرار إقامة منطقة للتجارة بين مصر وغزة ليس جديدا ويقضي إقامة هذه السوق بإعفاء كافة السلع المصدرة من فلسطين إلي البلدان من الضرائب وعدم اخضاعها لشروط الرقابة علي الواردات حيث إن مثل هذه الإعفاءات علي السلع الفلسطينية هي في حقيقتها عصب أي اتفاق للتجارة الحرة بين أي دولتين في العالم.
أضاف د. جويلي أن وزير الاقتصاد الفلسطيني السابق المهندس مازن سنقرط دعا في مارس 2006 إلي أن تحل البضائع المصرية محل الواردات الفلسطينية من إسرائيل والتي تقدر بـ 3 مليارات دولار سنويا ومعظم الصادرات الفلسطينية زراعة أهمها الزيتون والعنب والموالح بشكل عام بجانب صناعة الملابس والأثاث والصابون المحلي والفحم الطبيعي والرخام وبالتالي ستكون الاستفادة كبري للطرفين المصري والفلسطيني في حالة إقامة هذه السوق الحرة فعليا.
يري د. جويلي أن مساعدة مصر لفلسطين مؤخرا ساهمت في رفع حالة اليأس عن الشعب الفلسطيني المتمثلة في حصار غزة فالحزن والجوع والخوف من المستقبل والحرب يسيطرون علي الحياة في غزة ومن غير اللائق أن يتخلي العالم العربي عن فلسطين حيث إنه منذ سنوات توقف عن مساندة القضية ماعدا مصر فمن الواجب الآن علي العالم العربي مد أيدي المساعدة للفلسطينيين من خلال إقامة هذه السوق الحرة لمنع الحصار عن الفلسطينيين وعودة الانضباط علي الحدود تمهيدا لبدء الخطوات الأولية لبناء مثل هذا المشروع الذي سيكون النواة لإقامة سوق عربية موحدة فيما بعد كما يأمل كل العرب.
تداعيات المشكلة
أوضحت د. هيثير جلايس مسئولة بالمفوضية العليا لشئون اللاجئين بالقاهرة وأستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية أن قطاع غزة شريط ضيق من الأراضي بمحاذاة البحر المتوسط يقع بين مصر وإسرائيل يبلغ طوله 40كم وعرضه 10كم ويضم قطاع غزة 1.5 مليون فلسطيني وتسيطر مصر عليه منذ 22 عاما وبالرغم من ذلك; فإسرائيل تسيطر علي الحدود البرية للقطاع فضلا عن مياهه الإقليمية ومجاله الجوي ونتيجة لتضييق الخناق الإسرائيلي علي معابر فلسطين الأخري معبر المنطار وبيت حانون والعودة والشجاعية وكرم أبو سالم كان مصر رفح هو الملاذ الوحيد للخروج من سجن غزة الكبير لذلك فوجـئت السلطات المصرية مؤخرا باقتحام الفلسطينيين للمعبر دون سابق إنذار ليصاب 38 ضابطا من قوات الأمن المصري بعد إطلاق قوات حماس المتواجدة علي متن إحدي الحافلات العابرة لرفح نيران أسلحتها علي القوات وقبلها قام أعضاء من حركة حماس أيضا بتفجير أجزاء من معبر رفح البري الواقع بين قطاع غزة ومصر لإحداث عدة ثقوب به وبالتالي عبر من خلاله مئات الآلاف من الفلسطينيين والذين يقدرون بنحو 750 ألف فلسطيني لشراء احتياجاتهم الغذائية من مصر أي نصف سكان غزة.
أضافت د. هيثير أن محاولة القوات المصرية تنظـيم العبور في معبر رفح جاءت بنتيجة عكسية فالمحللون السياسيون بالعالم توقعوا قيام فلسطين بهذا الأمر لكن مصر كانت لديها نوايا حسنة للمساعدة فالأسلاك الشائكة لن تحمي قواتها من الإيذاء, كما أن مصر ستصبح سوقا للإرهاب في حالة عدم استطاعتها السيطرة علي الوضع الأمني هناك خاصة أن القوات المصرية لم تدافع عن نفسها ولو برصاصة واحدة حتي بعد إطلاق 5 قذائف عليها مما يعني ضرورة إغلاق المعبر لحماية مصر وزيادة مآسي فلسطين لحين سيطرة الحكومة الفلسطينية علي فصائلها واحترام شرعية الأراضي الأخري فمصر لم تسمح بأي حال من الأحوال بتحويل رفح لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين كما أن قطاع غزة به 8 مخيمات هي جياليا/الشاطيء/رفح/النصيرات/خان يونس والبريج/المغازي/دير البلح ونقدر أعداد لاجئي غزة فقط بـ 95 ألفا و187 لاجئا يعيشون في الجهة الفلسطينية للمعبر ومصر لاتستطيع إيواء هؤلاء اللاجئين في ظل مواردها المحدودة وبالرغم من ذلك تقوم بتقديم معونات لهذا الكم الهائل علي حساب ارتفاع أسعار المواد التموينية لمواطنيها.
إقامة منطقة تجارة حرة
قال د. روبرت وليم أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأمريكية: إن إقامة منطقة تجارة حرة حدودية بين مصر وقطاع غزة حل ممتاز لتجاوز أزمة حصار قطاع غزة وتداعياته ولكن في ظل الظروف الحالية من وقف التفاوضات بين إسرائيل وفلسطين والتشتت الفلسطيني بين حماس وفتح والحركة الشعبية يصبح الأمر صعبا جدا فغزة متوقع لها الحصار الدائم طبقا لمقاومتها الصارمة لإسرائيل والحل المتاح هو إقامة هذه المنطقة ولكن ليس علي أراضي مصرية فقط ولا فلسطينية فقط وإنما علي أرض مدينتي رفح المصرية والفلسطينية بحيث يتم السماح للتجار بين الدولتين فقط بدخول النطاق الجغرافي للمدينتين بغرض البيع والشراء دون الخروج عن هذا الأمر وبذلك تكون مصر خلقت سوقا للفلسطينيين متاحا بها كل المستلزمات والاحتياجات للشراء وللبيع عن للمنتجات الزائدة لهم مما يؤدي لخلق روح واحدة وطنية فلسطينية موحدة بين فصائله الحالية.
أضاف د. وليم أن إقامة هذه السوق الحرة يتوقف علي عدة أمور أهمها فصائل فلسطينية مترابطة لضمان الأمن والخروج النهائي للفلسطينين من رفح والعريش والعودة إلي ديارهم حتي يتم اتخاذ القرار بعيدا عن الظروف الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون الآن, بالإضافة إلي عمل دراسة اقتصادية شاملة كل الجوانب لمعرفة مدي الاستفادة من السوق لكل من الطرفين الفلسطيني والمصري بجانب تحديد موقف إسرائيل من غزة.وفي حالة تمسك إسرائيل بغزة فعليها تحمل مسئوليتها الكاملة كدولة احتلال من توفير كافة الحاجات الإنسانية للسكان الموجودين علي الأراضي بموجب اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 والتي تنص علي حماية حقوق المدنيين خلال فترات الحرب من قبل الدولة المحتلة لهم.
ضغوط عديدة
قال أ.د عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق إن مدينة رفح مقسمة إلي شطرين الحدود بين قطاع غزة ومعبر رفح والمعبر مكان حيوي لسكان غزة يوصلهم مع أنحاء العالم فمنذ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في سبتمبر 2005 وحركة حماس تسيطر علي القطاع ومنذ 2007 أصبح المعبر شبه مغلق تماما إلا لدخول الفلسطينيين لقضاء شئونهم من رفح المصرية كشراء المواد التموينية والدوائية دون استخدام السيارات ولكن بعد دخول أيضا حماس فمصر ستصبح سوقا هائلا ومركزا لتهريب السلاح والمخدرات والإرهاب فضلا عن اقامة مخيمات للاجئين علي جانبي الحدود والتي تمتد بطول 14كم سيصبح هؤلاء اللاجئين في رقبة مصر أمنيا وغذائيا وصحيا وتعليميا حيث إن المفوضية العليا لشئون اللاجئين عجزت السنة الماضية عن توفير احتياجات اللاجئين.
أشار أ. د الأشعل إلي أن فتح معبر رفح جاء بقصد إنقاذ الشعب الفلسطيني الشقيق من حصار غزة القاتل ولكن المشكلة الآن تكمن في كيفية إعادة وضع الحدود كالسابق لذلك تبذل مصر أقصي طاقتها من تحركات واتصالات لإنهاء معاناته, كما تسعي مصر حاليا لضبط حدودها مع عزة بإغلاق مدينة العريش أمام مئات الآلاف من الفلسطينيين بجانب إغلاق المعبر مؤخرا حتي لا يتسلل الفلسيطنيون إلي مدينة القاهرة ويقيمون بها بالإضافة إلي أنه هناك بعض التكهنات بأن تضغط حماس علي مصر لتطبيق اتفاق طويل الأمد يسمح لفلسطيني غزة بعبور الحدود لشراء احتياجاتهم الأساسية من مصر ثم العودة مرة أخري.
طالب أ.د الأشعل بضرورة إيجاد مصر لتصور كامل عن كيفية التعامل مع قطاع غزة والتوصل لتعاون بين حماس والسلطة الفلسطينية حيث إن الواقع يقول الآن إن مصر في مأذق يعرض الأمن المصري علي الحدود لخطر كبير فلا توجد أي دولة فعلت ما فعلته مصر تجاه القضية الفلسطينية ولكنها من حقها تأمين حدودها.
تدفق فلسطيني
أكد اللواء حسام سويلم – خبير استراتيجي – أن قرار فتح المعبر الحدودي بين مصر وغزة قرار غير حكيم حيث إنه استجلب لمصر الكثير من المتاعب منذ افتتاحه في 23 يناير الماضي فهم لايتدفقون فقط لسيناء والعريش ولكن يتسربون لباقي المحافظات المصرية من هنا تبدأ المشاكل الاجتماعية ثم تهديد أمني لعدم القدرة علي غلق الحدود مرة أخري بالإضافة إلي ارتفاع الأسعار بشكل جنوني للسلع الغذائية والوقود واللحوم…وغيرها نتيجة استغلال تجار العريش وسيناء ورفح للأزمة مما سيخلق جوا من الصراع بين المستهلكين والتجار.
أوضح الدكتور حسام زكي المتحدث باسم وزارة الخارجية أن المشكلة التي تحاول مصر السيطرة عليها هي بعض التصرفات السلبية من أبناء غزة كرفع العلم الفلسطيني علي أماكن مصرية, كما أن هناك بعض المشاجرات أدت لسقوط جرحي من قوات الأمن المصري علي الحدود لذا تسعي مصر لضبط حدودها خوفا من تهديد حياة أبناء قوات الأمن المصرية حيث إن هناك سعيا من أجل التوصل إلي إعادة الترتيبات التي كانت عليها الحدود فيما قبل وتسعي الحكومة المصرية حاليا لتوجيه دعوة لقيادات حماس وللسطلة الفلسطينية كل علي حدة للحضور للقاهرة لبحث تنفيذ الإجراءات الخاصة بالمعبر – حسب الاتفاق الدولي – كما وفرت الأجهزة التنفيذية المصرية كميات كبيرة من السلع واحتياجات الفلسطينيين من مواد غذائية وتموينية وأدوات كهربائية وذلك بالتنسيق مع كافة الأجهزة المعنية المصرية حيث قررت وزارة التضامن الاجتماعي زيادة حصة محافظة شمال سيناء من الدقيق والأرز والسكر لمواجهة زيادة الاستهلاك لتلبية احتياجات الفلسطينيين باعتبارهم ضيوفا علي الأراضي المصرية.
مخاوف سياسية
قال اللواء بنهاون سويلم خبير عسكري إن قرار فتح المعبر يثير المخاوف السياسية والأمنية ومن خلال فرض الحصار القاسي علي غزة تصدر لنا إسرائيل المشكلة الفلسطينية والدخول مع مصر في خلافات جديدة لكن لابد الآن من ضبط الحدود تدريجيا في أسرع وقت وإعادة الوضع إلي الشكل المقبول بما يضمن عدم تكراره بالإضافة إلي أن الاتحاد الأوربي يدرس الآن إعادة مراقبة الحدود بين مصر وغزة ثانيا في إطار حل مسألة المعابر بشرط ضمان عدم مقاومة حماس للأمر بجانب دراسة مصر لنقل بعض البيوت القريبة من الحدود وعمل منطقة عازلة تزرع بها أجهزة صاعقة أو متفجرات لمنع العبور مرة أخري وضمان حفظ أمن الحدود بطريقة شرعية.
قال الدكتور مصطفي الفقي – رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب – إن إسرائيل تسعي منذ سنوات لدخول الفلسطينيين سيناء والخوف من تصدير الإرهاب للعالم ومنه مصر والدليل علي ذلك تفجيرات ذهب وسيناء الماضية مما يؤثر بالسلب علي السياحة وبالتالي علي الاقتصاد المصري ككل ونحن في أشد الحاجة لزيادة استثمارات السياحة ودفعها لإنعاش الاقتصاد الذي سيعم في النهاية علي المواطنين من ارتفاع رواتب وسيطرة علي الأسعار فالوطنية والمشاركة شيء والمصلحة السياسية والاقتصادية لمصر شيء آخر لذلك يجب أن نفكر بعقولنا وليس بقلوبنا.
أشار د. عماد جاد – الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية – أن ما حدث علي الحدود المصرية الفلسطينية لايعتبر فتح معابر وإنما اقتحام لها وكان النظام المصري أمام خيارين الأول يقضي بمنع تلك الأعداد الغفيرة بالقوة وبالتالي حدوث مجزرة للفلسطينيين أو أن تقوم بفتح الحدود وهذا ما حدث ولكن ذلك ليس عن ضعف ولكن للشفقة علي الفلسطينيين.
أزمة رفح تحتاج حلا فوريا
أضاف فايز أبو فرح – عضو مجلس الشعب عن شمال سيناء والشيخ زايد – أن رفح تعاني حاليا من نقص في بعض المواد الغذائية بسبب دخول الفلسطينيين خاصة الألبان مما أدي لارتفاع الأسعار بشكل جنوني بالإضافة إلي أن قوات الأمن المصرية تسيطر الآن علي عملية الدخول والخروج بعد عودة الفلسطينيين إلي غزة وأن أساس المشكلة يرجع للحصار الإسرائيلي لغزة لمدة طويلة والمؤسف في الأمر هو رفع العلم الفلسطيني علي أرض سيناء وضبط بعض الأسلحة والمواد الناسفة مع بعض الفلسطينيين ولكن هذا لايعبر عن غالبية الشعب الفلسطيني وأن العلاقات المصرية الفلسطينية لن تتأثر بهذا الفعل المؤسف.
يري اللواء شوقي فراج – الخبير العسكري – أن ما حدث علي الحدود بمثابة انفجار أولي للفلسطينيين للتعبير عن الظلم ولكن المؤسف حدوث التخريب في الأراضي المصرية وإلقاء القبض علي المخربين داخل المحافظات ولابد من إلقاء اللوم الآن علي صراع قادة فتح وحماس الذين يعيشون في برج عاجي ولايهتمون بالفقراء من غزة الذين تصل نسبة البطالة بينهم إلي 90% ويجب أن تقوم مصر بسد تلك الفجوة بين أبو مازن وحماس حتي لاتتحول فلسطين للبنان أخري.
كما تخوف السفير أمين يسري من موقف مصر الحالي وخاصة في مجال السياحة حيث إن وجود فلسطينيين علي أراضي سيناء يشعل صراعا مع السياح الإسرائيليين ولايوجد حل غير التفاوض بين القادة الفلسطينية أولا ثم التفاوض مع الكيان الإسرائيلي وليست المقاومة هي السبيل الوحيد لحل المشكلة الفلسطينية.