عندما كان باراك حسين أوباما في صغره يعيش مع أمه الأمريكية وزوجها الإندونيسي في جاكرتا قبل 40 عاما, كان المسلمون في جنوب شرق آسيا مشهورين باعتدالهم. ربما كانت النساء حينئذ يغطين شعورهن بوشاح خفيف, لكن لم تكن هناك عموما من تغطي وجهها. وكان مشهد الرجل المسلم الملتحي نادرا. وكان كثير من الأشخاص يتناولون المشروبات الكحولية برفقة غير المسلمين.
واليوم بينما يستعد أوباما للقاء زعماء دول جنوب شرق آسيا في سنغافورة, فإن كل ذلك, وأكثر منه, يشهد تحولا, فالاعتدال أصبح موضع شك ونحن نري الكثير من سكان المنطقة البالغ عددهم ربع مليــار ــ والذي يفــوق عــدد المسلمين في الشرق الأوسط ــ يذهبــون إلــي مهد الإسلام لإعادة التأكيد علي هويتهم الدينية. ورغم أن الأصوليين لا يزالون أقلية, فإنهم يطالبون ــ ويحصلون ــ علي دور أكبر للشريعة, أو القانون الديني, في حياة الأسرة وحياة الأمة ككل.
وفي رحلة قمت بها أخيرا, وجدت إشارات علي هذا التغير الجارف في المراكز الإسلامية الخمسة الأهم وهي إندونيسيا وماليزيا وجنوب الفلبين وجنوب تايلاند وسنغافورة. وقد برز هذا التغير في أوضح صوره في ##بولوكومبا## الواقعة علي جزيرة سولاويسي الإندونيسية التي تشبه في شكلها نبات السحلبية. وبولوكومبا البالغ عدد سكانها 350 ألف نسمة معظمهم من المزارعين الذين تتناقص أراضيهم نتيجة الطفرات السكانية تعد واحدة من أفقر مناطق البلاد, وهناك يغلب الحكم الديني علي العلماني. ففي عام 2006 قام رجال الدين بدعم من السياسيين المحليين المتعاطفين والجيش وضباط الشريعة بفرض الشريعة علي القانون الدستوري. وبولوكومبا اليوم ما هي إلا واحدة من أكثر من 20 مدينة في الأرخبيل. وهناك تؤمر النساء بارتداء الجلباب, أو غطاء الرأس, ويطلب من ذوي الدخول التبرع بنسبة 2.5 بالمائة من دخلهم كزكاة. وكذلك يشترط علي الأطفال عند بلوغ السابعة اتقان قراءة القرآن كي يتأهلوا لدخول المدرسة الابتدائية, وهو الشرط المفروض علي المقبلين علي الزواج للحصول علي الموافقة والموظفين المدنيين للحصول علي ترقية.
وهناك تغيرات مثيلة تحصل في ماليزيا. عندما قابلت رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق, رويت له هذه القصة: في عام 1970 وخلال حفل عشاء, وجدت زوجتي نفسها ترقص رقصة الأزواج الرباعية مع والده تون عبد الرزاق الذي كان رئيسا للوزراء حينها ورقصت أنا مع والدته. اعتلت وجهه غمة ونظر إلي من خلف نظاراته ذات الإطار السلكي ولم يقل شيئا. كان كلانا يدرك أن مثل هذا السلوك لا مكان له في ماليزيا اليوم, والتي أصبحت دولة إسلامية أصولية فخورة بما هي عليه.
وعبر الحدود يذبح المسلمون والبوذيون بعضهم بعضا في جنوب تايلاند. فمنذ عام 2004, قتل في هذا الصراع نحو 3500 شخص. تقول الحكومة في بانكوك إن المقاتلين المسلمين هم مجرمون عاديون, ولكن في مدينة هات ياي يصفهم منصور صالح, وهو مستشار لجمعية الشباب المسلم المسلحة, بأنهم مجاهدون. يقول: ##يؤمن الجيل الشاب في تايلاند بالجهاد. إنهم فتية طيبون ومحترمون وملتزمون يدرسون القرآن ويعلمون إنهم إن قاتلوا الظلم فإن جزاءهم الجنة##.
وفي بلدة بيكتي الصغيرة في جنوب الفلبين الواقعة في جزيرة باسيلان التي مزقها الإرهاب, أخبرني قسيس كاثوليكي أن النزعات الأصولية كانت تشتد بين المورو, وهو الاسم الذي يطلق علي المسلمين في المنطقة. وقال الأب بيرت لايسون الذي يتعاطف علنا مع المورو: ##إنها أزمة هوية عززت منها بشكل متواصل نزعة العولمة في الصحوة الإسلامية العالمية. وهذا الأمر يدفع المورو للعودة إلي اعتقادهم القديم بأنه يجب عليهم أن يعيشوا في بيئة إسلامية كي يتسني لهم ممارسة الإسلام كما يجب##. وحسب التقديرات فإن 120 ألف شخص قتلوا في الاقتتال بين المسلمين والمسيحيين في جنوب الفلبين منذ عام .1970
أما السنغافوريون المعروفون بطاعتهم واجتهادهم كطبقة وسطي, والذين تغلب عليهم الإثنية الصينية, فقد ذهلوا عندما أعلنت الحكومة عام 2001 أنها أحبطت في اللحظة الأخيرة هجوما معقد التخطيط كان ينوي تنفيذه أفراد محليون من أعضاء منظمة الجماعة الإسلامية الإرهابية. وحاله كحال من يقود سفينة اضطرب بها البحر, فإن القبطان يظل مسكونا بالخوف من أي تهديد مستقبلي, حيث قال لي رئيس الوزراء السنغافوري لي حسين: ##نحن نجلس علي خط تصدع عالمي##.
والآن يضغط زعماء دول جنوب شرق آسيا علي أوباما في أول رحلة له للمنطقة بوصفه رئيسا كي يتعامل أكثر مع منطقة أهملتها الولايات المتحدة كثيرا. وسيكون من الحكمة أن يستجيب لهم, ذلك أنه حتي مع تزايد الأصولية بينهم, فإن مسلمي جنوب شرق آسيا يريدون من الأمريكيين أن يأتوهم وهم يلبسون الصنادل والأحذية الخفيفة وليس البساطير العسكرية, وأن يعودوا للعمل معهم كمتطوعين في هيئات السلام ومدرسين وخبراء زراعة ورجال أعمال رياديين. وقد يكون في ذلك أفضل فرصة قد تحظي بها الولايات المتحدة لإطلاق ##سلام استباقي##, وهي فرصة لتعديل مسار الأمور مع المسلمين في كل مكان.
سيمونز, وهو صحفي حاصل علي جائزة بوليتزر, مؤلف مشارك مع السيناتور الأمريكي كريستوفر بوند في كتاب The Next Front: Southeast Asia and the Road to Global Peace With Islam (الجبهة المقبلة: جنوب شرق آسيا والطريق إلي السلام العالمي مع الإسلام).
نيوزويك