اللمسات الإبداعية لفنان الأيقونة القبطية هي التفرد الذي يميز ملامح فنه من خلال تسجيله للأحداث الكتابية,حيث تشكل خطوط الأيقونة نبراسا له مذاق خاص فترتقي بالفكر والمشاعر إلي درجة الروحانية…وقد تتحول قراءة الأيقونة إلي صلاة نارية تصل إلي درجة صرخة إلي الله من عمق الألم والضيق والحزن المميت مثلما فعل يونان النبي…فيمد الله يده بحنان وتراحم لإنقاذ البشرية ويمسح الله كل دمعة من عيونهم وقلوبهم…
يعد صوم نينوي(9فبراير),(وكانت عاصمة للإمبراطورية الآشورية عام1270ق.م وهي قبالة الموصل),يعد من المناسبات النادر تصويرها فنيا بالرغم من قوة وعمق رموزها القبطية,فقد صام أهلنينويبانسحاق ثلاثة أيام بعد أن أرسل الله لهميونانالنبي لينذرهم بالتوبة والرجوع إلي الله..ويقال بإن هذا السفر كتب عام862 ق.م (3-أصحاحات),وهو من الأسفار النبوية ذات الجاذبية والعمق حيث ترمز العديد من أحداثه إلي أمور وحقائق مستقبلية مثل موت رب المجديسوعودفنه في القبر ثلاثة أيام(كما حدث ليونان في بطن الحوت)وقيامته من الأموات في اليوم الثالث ليعطي للبشر الحياة الأبدية.
تكثيف لغة الرمزية:نجح الفنان أيمن أديب في تكثيف لغة الرمزية بإبداع عند استخدامه لخامة الموزاييك في لوحته(2.40*1.55),بكنيسة أبي سيفين بالمهندسين,بداية من التكوين الخارجي للوحة الموزاييك والتي أحاطها الفنان بإطار مبتكر مرشق بالصلبان ليشير لأهمية السفر النبوية ولترابط العهدين القديم والجديد معا…مرورا بمحتوي اللوحة وتكوينها الداخلي البديع حيث يعبر الفنان من خلالها عن أحداث القصة الحقيقية لحظة أن ألقي البحارة يونان النبي في البحر مباشرة فتظهر السفينة وهي ترحل إلي ترشيش بإسبانيا, تاركة إياه للأمواج الغاضبة التي تشير إلي دوامة العالم وصراعاته…ليرمز إلي أن المعونة قد فارقته بسبب الخطية,خاصة مع ظهور الترددات الصوتية المبتكرة في الخلفية والتي توحي بابتعاده عن الحياة واختفاء الأصوات الكونية من حوله قبل انزلاقه داخل هوة أعماق الحوت المظلمة وانعزاله عن العالم المحيط ليدخل في شركة مع الله.وقد برع الفنان المتميز أيمن أديب في تصوير اللحظة الفارقة في حياة يونان النبي لحظة ابتلاع الحوت إياه خاصة مع إبراز حالة الاستسلام والتي ظهرت بوضوح في انضمام يديه ونظرات عينيه تقابلها نظرات العتاب في عين الحوت,ليمهد لقارئي الفن القبطي ومشاهديه للدخول في حالة روحية مع الله.وقد عمد الفنان في تشكيله لوجه يونان أن يتشابه مع وجه الرب يسوع ليؤكد علي رمزية ونبوة سفر يونان,كما نجح في اختيار تكونياته اللونية المعبرة من خلال التعبيرية والتأثيرية وأناقة التشكيل وبراعة التقنية.
لغة الحركة والسكون:
أما الفنان أرميا القطشة فقد أبدع في ابتكاره ببراعة لأيقونة يونان النبي بالرغم من بساطة ملامحها (بمقاس50*70)وقد استخدم فيها أسلوب التمبرا من صفاء البيض بالأكاسيد الطبيعية وهي بكنيسة مارجرجس بشيكاغو بأمريكا….مستخدما لغة الحركة والسكون,واختزال العناصر خاصة العنصر الزمني حيث صور يونان النبي أثناء إخراج الحوت إياه من فمه بعد ثلاثة أيام من حياته داخل بطن الحوت وأشار لذلك بالصخور الحادة علي الشاطئ والياقطينة الصامتة التي تبدو كما لوكانت في انتظاره,وقد أجاد الفنان في استخدام أدواته من خلال الأسلوب الذي يتبع نظام الكتلة والفراغ خاصة في توزيع عناصر الأيقونة التي تلاصقت للتأكيد علي ترابطها من خلال فم الحوت وذيله والصخور الحادة التي تحتضن الأمواج المتصارعة والدوامة المائية أسفل الزعانف ويدي يونان وملابسه.فأضفت الحركة الحيوية والحياة علي خطوط الأيقونة. جاء اختيار الفنان المبدعأرميا القطشةللون الذهبي موفقا حيث يفصل بين حياة قديمة بالية منتهية داخل لجة المعاناة والجراح والصراع,وبين حياة السماء الرائعة حيث يشير اللون الذهبي إلي خروج يونان من عمق الألم والضيق ورهبة الموت إلي الانطلاق إلي المجد للانضمام لملك الملوك ورب الأرباب,كما نجح في استخدام الأسلوب التكعيبي وقام بمزج الواقعية بالرمزية الصريحة وقد ظهر ذلك في يونان وهو يصلي بعمق وقد رفع يديه علي مثال يقترب من اتخاذ شكل الصليب مترجما حب الله الذي خلقنا علي صورته ومثاله وأيضا صلب عنا ليخلصنا وقد أبدع الفنان في ربط عمله المتميز بالفكر اللاهوتي.
بوتقة الألم:ينتمي كل من العملين للفنانين المبدعين أيمن أديب وأرميا القطشة إلي المدرسة الفانوسية التي تتلمذت علي يد المدرسة الروسية…وقد حاول الفنانان الخروج من إطار المدرسة النمطية التقليدية إلي آفاق الابتكار لتسجيل واحد من أروع وأعمق الأسفار النبوية والتي تدعونا مع يونان النبي للصلاة بقوة بالغة مثله دعوت من ضيقي الرب فاستجابني. صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي(يونان2:2),فجاءت الترجمة المرئية للفنانين رائعة تعبر عن الأحداث الحقيقية للسفر لترتقي بالمشاعر مثلما علمنا الكتاب المقدس:نحن نتألم معه لنتمجد أيضا معه فتدعونا للحياة علي سطح الكرة الأرضية وعيوننا وقلوبنا نحو السماء فنستقي من تعاليم السفر أننا إذا انصهرنا داخل بوتقة الألم فحتما سنتمجد أيضا مع الرب يسوع في عالم النور السماوي.