مبادرة الله تجاوب الإنسان في بشارة الملاك لمريم (لوقا 1:26-38)
إن إنجيل بشارة الملاك مريم العذراءتعد بداية سر الكنيسة, بل الله يصبح إنسانا لابسا الطبيعة البشرية, ويعرف بيسوع المسيح الذي دخل التاريخ. وبدخوله هذا يصبح رأس البشرية الجديدة , وتعرف بجسد المسيح السري, ويصيران معا المسيح الكلي .في شخص مريم, عذراء الناصرة, وبواسطتها, تحقق كل ذلك.
في الشهر السادس, بعد ستة أشهر تقريبا من بشارة الملاك لزكريا بمولد يوحنا الذي يسير أمام الرب, كالسراج, ويمهد له الطريق, كانت البشارة لمريم بولادة المخلص. الله يظهر هنا أنه سيد تاريخ الخلاص, والإنسان معاونه في تحقيق هذا التاريخ. من لوحة البشارتين يظهر الإنسان في شخص كل من زكريا وإليصابات ويوحنا ومريم ويوسف ويسوع.
حياها الملاك بـالسلام عليك, يا ممتلئة نعمة, الرب معك ليس السلام مجرد تحية, بل يعني حسب اللفظة الأصلية افرحي, تهللي, ابتهجي.
يا ممتلئة نعمة تعني يا من نلت حظوة عند الله. فالنعمة هي نوال حظوة عند الله, أي عطية من الله المحسن وفي البشارة ينعم علينا بها في ابنه الحبيب (أفسس6/1). علامة هذه الحظوة أن الرب معك. هذه اللفظ ردده الله لكثيرين: لموسي عند دعوته له لإخراج شعبه من عبودية فرعون أنا أكون معك وأنا أرسلك(خروج 12/3); لإرميا إني معك لأنقذك.. هآنذا قد جعلت كلامي في فمك (إرميا1 /8-9). إنها ذات مضمون لاهوتي. ويفسر الملاك لمريم مضمون النعمة- الحظوة- العطية بما يشكل موضوع البشارة: فستحبلين وتلدين ابنا, فسميه يسوع…
كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلا. آمنت مريم بكلام الملاك, واستفسرت عن كيفية الحبل, ولا علاقة زوجية لها مع يوسف. فيؤكد لها الملاك أن الروح القدس ينزل, وقدرة العلي تظللك: يتم الحبل بقدرة الله, التي يمارسها الروح القدس, خلافا للشريعة الطبيعية, لأن ليس عند الله أمر عسير. وهكذا يتجلي للمرة الأولي الله الواحد المثلث الأقانيم: الآب الذي أرسل الملاك جبرائيل إلي مريم, الابن الذي ستحبل به ويولد منها, الروح القدس الذي يتم فيها الحبل بحلوله عليها قدرة إلهية خالقة.
أنا أمة الرب, فليكن لي حسب قولك. جواب مريم هو طاعة الإيمان, جواب نعم علي تصميم الله, وتحقيق الحبل الإلهي ومجيء الرب: الكلمة صار بشرا وسكن في وسطنا (يو 14/1). في العهد القديم, كان مجيء الرب بمخاطبة الأنبياء, وبالحضور وسط الغمامة. أما اليوم فيأتي بشخصه متجسدا: فالشخص الثاني من الثالوث القدوس, ابن الله, يتحد بالطبيعة البشرية اتحادا شخصيا, ويصبح يسوع المسيح الإله الحق والإنسان الحق, في شخص واحد, كامل في الإلوهية, وكامل في البشرية, من نفس وجسد, مساو للأب في الإلوهية, ومساو لنا في البشرية . المولود من مريم في الطبيعة البشرية هو ابن الله, الأقنوم الثاني من الثالوث. هذا اللقاء بين الإلوهية والإنسانية يؤلف وحدة لا يمكن فصلها إلي اثنين, كما لا يمكن فصل مياه نهرين يلتقيان ويصبحان نهرا واحدا. يسوع الإنسان لن يقول, كالأنبياء, الرب يقول, بل أنا أقول لكم. بهذا المعني أعلنت الكنيسة في مجمع أفسس (سنة 431) أن مريم هي والدة الإله. في ضوء هذه الحقائق الإيمانية.
بتجسد الكلمة ابن الله من مريم, ولد حوار ثابت بين الله والإنسان. نحن مدعوون لندخل في هذا الحوار. فيسوع الكلمة يكلم كل إنسان: هو النور الحق الذي ينير كل إنسان آت إلي العالم (يو 9/1). عندما نقرأ كتاب الله ونتأمل فيه, هو يخاطبنا. وعندما نصلي, نحن نكلمه يحاورنا الله لكي نحاور بعضنا بعضا. بالرغم من تكاثر وسائل الاتصال, الحوار يتعثر والاتصال ينقطع في قلب العائلة: بين الأزواج وبين الأهل وأولادهم وبين الإخوة والأخوات; في الحي: بين الجيران; في المجتمع; في الكنيسة; في الجماعة الرعوية والرهبانية; في المؤسسة والمنظمة. مسيرتنا نحو الميلاد دعوة إلي الحوار مع الله وبعضنا مع بعض.
Mail:[email protected]