أتي بعض اليهود بمخلع إلي يسوع طالبين,طبعا,أن يحله ويخلصه من مرضه.لكن يسوع التفت إلي هذا المخلع وكأنه لم ير إلا المرض الذي اهتم هو أن يشفيه,وقال للمخلع:مغفورة لك خطاياكبيد أن تشديد يسوع هذا علي أمر الخطيئة يستحق منا أن نسأل أنفسنا نحن أيضا,عما هو مفهوم الخطيئة بالنسبة لنا,أي ما هي الخطيئة في تقديرنا الشخصي؟.الخطيئة,من وجهة نظرة مسيحية عملية,هي رفض الله كأب,رفض الحب الأبوي,أي رفض النعمة الإلهية,والعيش في عزلة عقلانية.ما أحزن الأب في مثلالابن الضالهو رحيل ابنه.لقد أهان الابن أباه بحرمانه من وجود كابن,لذلك فإن هذه الخطيئة لا تغتفر إلا بالعودة.إن الحب الإلهي المنسكب جعل الله,إذا جاز التعبير,قابلا للتجريحخطيئة هي أن نرفض النور ونحب الظلام حين جاء النور وأصبح وسطنا.الخطيئة إذن في النهاية هي في أن نحيا مدعين أننا أبناء,بينما محبة الآب فينا غير موجودة.الحياة مع الله لا تعني أبدا مجرد أننا نعترف بوجوده,الحياة مع الله إنما تعني أن نسعد بحياتنا معه,وبكلمة أخري أن يكون الله سعادتنا الحقيقية والنهائية.
وجاءوا إليه مقدمين مفلوجا يحمله أربعةأن هذا الموقف,موقف الإيمان والبحث,يأتي بهدفاللقاء بيسوع.لم يكن الطلب صريحا,بالرغم أنه من الواضح أن المطلوب هو شفاء المفلوج:إنه إيمان مستعد,منفتح,لا ينغلق علي ما يطلب,بل يقبل مسبقا ما سيفعله السيد.المهم هو لقاء السيد المسيحفلما رأي يسوع إيمانهم قال للمفلوج:يابني مغفورة لك خطاياكأمام هذا الإيمان يخاطب السيد المسيح المفلوج بكلمة(يا بني),مؤكدا نشوء علاقة جديدة,عائلية,علاقة ثقة بينه وبين هؤلاء الأشخاص.أمام هذا الإيمان الظاهر,لم تعد الهبة شفاء المفلوج,إنما شئ أعمق بكثير.ونلاحظ ذلك في الجملة اللاحقةمغفورة لك خطاياك.إن استخدام الفعل المبني للمجهول يشير إلي وجود عمل مباشر من الله:فإنه هو نفسه الذي يغفر,وهذا الغفران يتجسد ويتحقق في وقال:مغفورة لك خطاياكليشير إلي أن الفاعل هو الله.هذا الأسلوب كان شائعا في الأدب اللاهوتي اليهودي كطريقة للإشارة إلي الله دون لفظ اسمه.إذن يسوع يعلن عن أمر لا يتممه إلا الله مما يدل علي أنه يتمتع بسلطان الله نفسه.وهنا يتشابك موضوعا الشفاء الجسماني ومغفرة الخطايا,كما يظهر ذلك في عقلية الكتاب المقدس.ففي المزامير مثلا يظهر الشفاء عادة للبرهنة علي استعداد الله لمغفرة الخطايا.إن مغفرة الله تصل إلي المفلوج من خلال إنسانية يسوع,ومن خلال كلماته الإنسانية.ومن هنا تبدأ معارضة أعداء السيد المسيح.
ما الأيسر أن يقال:مغفورة لك خطاياك أم أن يقال:قم واحمل سريرك وأمشالدليل الحسي علي الشفاء هو التعافي من المرض,أما غفران الخطايا فما من دليل حسي يؤكده.الصعوبة تكمن في إثبات القول بفعل واضح وجلي الشفاء كان ممكنا في إسرائيل كما يتضح من قصة سيمون الساحر في سفر أعمال الرسل(8:9-13).أما غفران الخطايا فلا أحد يقدر عليه بنظر اليهود ولا حتي المسيا المنتظر,إذ لم يرد مطلقا في التقليد اليهودي أن المسيا له سلطان أن يغفر الخطايا.
دهش كلهم ومجدوا اللهلأن المعجزة هي بمثابة جسر نعبر به إلي الله.وعندما نصبح في حضرة الله يطغي علينا التمجيد إذ نعاين ما يفوق الإحساس والإدراك.المؤمن لا يستوقفه الإنسان الذي يقيم الرب المعجزة من خلاله بل يتخطاه ليري حضور الله من الحدث.المؤمن لا يتهافت إلي العجائب والمعجزات لأنه علي يقين بأن أصبح الله لا يكف عن جذب البشر إلي الحضرة الإلهية.إن المغفرة التي يمنحها يسوع ليس فقط إشارة إلي وجود يسوع الإنسان بالقرب منا,بل إلي وجود الله الذي أصبح إنسانا من أجلنا.إن هذا الإله الذي يتعلم بعمق قلوبنا يستطيع اختراقنا والوصول إلي انغلاقها علي ذواتنا ومساعدتنا علي أن ننفتح لكي نصل إلي الحرية حسب مفهوم الحياة الجديدة في المسيح.إن هذه المغفرة لا تصلنا بشكل مجرد وإنما من خلال إنسانية السيد المسيح.نحن بحاجة إذن إلي مصالحة تدمجنا من كل النواحي الإنسانية والعاطفية المترجمة بالأعمال والكلمات.إن الله يغفر لنا بطريقة إنسانية تتحقق من خلال الأحاسيس والحركات والصمت والكلمات التي يوجهها يسوع إلي الخاطئين والبعدين.يريد الله أن تصلنا المغفرة اليوم أيضا وبشكل إنساني,وهذا لا نحصل عليه من خلال صمت ضميرنا وإنما من خلال عمل مصالحة يقدمه لنا آخر كإشعاع بشري لمغفرة الله اللامتناهية.يمكن إننا بعيدون عن سر المصالحة بسبب تقصير ما في جماعتنا الكنسية.هذا التقصير أو العوز يمنع قبول غني مغفرة الله.نحن بحاجة إلي أن نري الوجه الإنساني لله في إنسانية إخوتنا وفي الكنيسة التي تمنحنا المغفرة علي شكل سر.نكتشف في بعض الأحيان تقصيرنا ليس فقط في إن نغفر للآخرين بل أيضا في قبلوه منهم,لأننا نعتقد أن ذلك يذلنا ويكتشف خطأنا.يجب أن نتعلم كيف نغفر للآخرين وأن نستعد ونتضع في قبول الغفران منهم.
Mail:[email protected]