##أعطوهم أنتم ليأكلوا##(لوقا9: 10-17)
تذكر حادثة تكثير الخبز والسمك مع إشباع الشعب الكثير من المرات في الإنجيل. قام يسوع بهذه المعجزة فور رجوع التلاميذ من الرسالة, يعود ##الرسل## من رحلتهم التبشيرية ويخبرون ##بكل ما فعلوا وبكل ما علموا##. يدعوهم يسوع إلي مكان قفر ##خلاء## لكي يستريحوا قليلا. الراحة ضرورية لعمال الإنجيل لكي يتابعوا عملهم بقدرة متجددة. عندما تكون مقتضيات العمل كثيرة يضطر العامل إلي أن يستغني حتي عن راحته الضرورية.
أدرك الجمع التلاميذ الذاهبين مع يسوع إلي البرية فجاءوا إليهم ##من جميع المدن##. عندما رأي يسوع الجمع الكثير ##تحنن عليهم إذ كانوا كخراف لا راعي لها##وبدأ يعلمهم. وبعدها لاحظ التلاميذ مرور الساعات الكثيرة والمكان المقفر فاقترحوا صرف الجمع, لكن يسوع أجابهم بصيغة الأمر: ##أعطوهم أنتم ليأكلوا##.
أمام هذا الاقتراح المفاجئ للمعلم يجيب التلاميذ أن ليس عندهم سوي خمس خبزات وسمكتين, وهذا الأساس في الطعام لسكان فلسطين. فهو يأمر بأن يجلسوا الجمع علي العشب صفوفا, مائة مائة وخمسين خمسين. وفي هذه المعجزة, يستخدم الإنجيلي أفعالا في غاية الأهمية (فأخذ, ورفع نظره إلي السماء, وبارك, وكسر, وأعطي) أفعال تذكرنا بالعشاء الأخير. ومن المميز في هذه العجيبة أننا نري التلاميذ يشتركون بصورة فعالة: يقترح هؤلاء أولا علي يسوع صرف الجمع, ثم يجلبون الطعام المتوفر إلي المعلم, وبعدئذ يوزعون الطعام علي الجميع ويجمعون ما تبقي منه. هذه المساهمة الفعالة. ويتكون لدينا الانطباع أن المعجزة حصلت من أجل التلاميذ لا من أجل الجموع, علما بأن الإنجيلي لا يذكر أبدا تعجب الجمع لمثل هذا الحدث العجيب كما يحصل في روايات عجائبية أخري.
يؤكد لنا النص الإنجيلي علي أن الكل أكلوا و##شبعوا## ومن جهة أخري جمعت 12 ##قفة## (أي سلة) ممتلئة مما تبقي من الكسر والسمك. ربما بهذا العدد يشير الإنجيلي إلي أسباط إسرائيل الاثني عشر مريدا أن يظهر عن طريق هذه المعجزة أن يسوع هو المسيا الذي أطعم شعب الله بمثل هذا الفيض حتي أنه جمع كسرا كثيرة. يقدر الإنجيلي العدد بـ5 آلاف. إن ما جاء في النص عن إرسال يسوع التلاميذ بالسفينة إلي الجانب المقابل من البحيرة ليصرف الجمع يكتمل بمقطع (يوحنا 6: 14-15) الذي يتكلم عن حماس الشعب المسياني بعد هذه المعجزة, الحماس الذي أراد يسوع أن يتجنبه. ومن جهة ثانية يهيئ كلام يسوع إلي تلاميذه للرواية التالية مباشرة حول ظهور يسوع ماشيا علي الماء وتسكين العاصفة. هذه المعجزة (تكثير الخبز والسمك) تحتل مكانة خاصة في تقليد المسيحية الأولي, لأنها ترد مرتين عند مرقس ومتي, ومرة واحدة عند لوقا (9: 10-17), ومرة واحدة عند يوحنا (6: 1-16). فهي تشكل إحدي العجائب القليلة التي أوردها مشتركة مع الأناجيل الإزائية. ولكن لماذا هذه الأهمية؟.
قبل أن يعطي الجواب علي السؤال, يجب أن نبرر بعض الخصائص التي تتميز بها هذه المعجزة بالنسبة إلي المعجزات الأخري. يشدد الإنجيلي عادة علي اندهاش الجمع أمام كل معجزة.بينما يبدو أن المعجزة حصلت هذه المرة من أجل التلاميذ لا من أجل الجمع. وهذا يقودنا إلي الانطباع الآخر حول اشتراك للتلاميذ فعال في إخراج المعجزة. لقد بادروا أولا إلي طلب صرف الجمع (حسب الرواية الأولي), فيجيبهم يسوع بأمر مباشر مستغرب لأول وهلة ##أعطوهم أنتم ليأكلوا##, فيعبر التلاميذ عن حريتهم, ثم بعد مباركة الخبز يوزعونه علي الجمع, وفي النهاية يجمعون ##12 قفة مملؤة##. إن لهذا الاشتراك الكثيف معني جوهريا.
فمن جانب الجمع : ننظر إليهم وهم يجلسون في أفواج علي العشب الأخضر (مز 22) وقد أصبحوا شعبا يتلقي الأوامر من راعيه, اتلقي معهم أنا اليوم هذا المن الجديد في قلب الصحراء ونري هؤلاء الرجال والنساء المجهولين بالنسبة لنا يشبعون كل طبقا لاحتياجه. انظر إلي كل الفضلات : إنها علامة الوفرة والمشاركة التي يجب أن تستمر دوما عندما يكون المسيح حاضرا وسط الجماعة الكنسية.