تبدأ اليوم أولي جلسات الحوار الوطني بمشاركة عدد كبير من المثقفين والمفكرين وممثلين عن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية في إطار التوصل إلي أبرز القضايا ذات الأولوية خلال السنوات الخمس المقبلة. وشهدت الأسابيع الماضية جلسات استشارية لهذا الحوار, وعقد الدكتور عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق عدة اجتماعات لتحديد أهم الموضوعات المراد التركيز عليها خلال الفترة المقبلة, وتم الاتفاق علي المحاور التالية الديموقراطية وحقوق الإنسان, والتنمية بمختلف مجالاتها إلي جانب الاهتمام بقضية حوار الأديان, ومصر بعد ثورة 25 يناير.
وتم طرح بعض المقترحات لدراستها في الحوار من حيث مواجهة الاحتقان الطائفي, وما مدي إمكانية تأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة حتي تستعد القوي السياسية لها وأيضا استعادة الدور الأمني المفقود.
الرؤية المستقبلية
قال الدكتور عبدالعزيز حجازي المشرف علي لجنة الحوار الوطني: إن الحوار الوطني هدفه الخروج بتوصيات ومقترحات محددة تساعد الحكومة في اتخاذها للقرارات المختلفة ووضع رؤية مستقبلية لما ستكون عليه مصر بعد 5 سنوات وستضع اللجنة آليات واضحة لتنفيذ هذه الرؤي, والحوار يلقي إقبالا كبيرا من قبل جميع القوي السياسية والمجتمعية وأنه لن يقتصر علي فئة أو قوي معينة لكن سيضم جميع الاتجاهات والأحزاب القديمة والجديدة والتي مازالت تحت الإنشاء, وستكون هناك محاور محددة للحوار وليس مجرد دردشة تنفض بانتهاء الجلسات.
أوضح د. حجازي أن الفترة الماضية خلال الجلسات التحضيرية تم التركيز فيها علي الأمن واستعادته وسيكون له الأولوية في الحوار الوطني لأن دون توفير الأمن والأمان لن يكون هناك استقرار, وبالتالي لن تأتي استثمارات أو يتحقق نمو اقتصادي.
تأجيل الانتخابات
من جانبه قال الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن المجتمع بحاجة إلي أن تكتسب هيئة الحوار الوطني صفة تمثيلية حقيقية بقدر الإمكان وأن تضم الهيئة إلي جانب الخبراء والمختصين في قضايا الانتقال الديموقراطي, سياسيين من قوي مختلفة ونشطاء من المجتمع المدني وفاعلين في الحركات الشبابية وأعضاء في النقابات العمالية والمهنية وممثلين عن مؤسسات الدولة المعنية بتنفيذ ما سيتم التوافق عليه من مشاريع قوانين وقرارات, كذلك بنية مؤسسية لهيئة الحوار بمكتب تنسيقي دائم, وبلجان سياسيين وخبراء ونشطاء للنظر في القضايا المطروحة, وبصلاحيات تمكن من الإسهام الفعلي مع المجلس الأعلي والحكومة في صناعة القرار, بالإضافة إلي الالتزام بإخبار الرأي العام أولا بأول عن نتائج الجلسات العامة وأعمال اللجان المتخصصة.
وحول مناقشة الحوار لتأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة أضاف د. حمزاوي: هذا يتطلب نقاش حقيقي حول الجدول الزمني المقترح للانتخابات وترتيباتها, حول نظام الانتخاب الجديد الذي يتمني قطاع واسع من القوي الوطنية أن يأتي مختلطا بالجمع بين القائمة الحزبية ومقاعد المستقلين كذلك الضوابط القانونية والسياسية لمشاركة الأحزاب والأفراد في الانتخابات لضمان المنافسة والممارسة الديموقراطية.
غربلة القوانين!
وفي هذا الإطار دعت درية شرف الدين عضوة المجلس القومي لحقوق الإنسان إلي ضرورة عرض كل القوانين المهمة التي يتم إصدارها علي لجنة الحوار الوطني كي تقدم الأحزاب والنقابات والمؤسسات بالدولة رؤيتها لهذه القوانين, فليس من المعقول والمجتمع يمر بهذه التحولات المهمة أن يتم فرض قوانين من أعلي وعلي المجتمع قبولها.
وأكدت أنه من المهم أن يراعي قانون مباشرة الحقوق السياسية تمثيل كل الفئات بالمجتمع, ويسمح بانتخابات حرة نزيهة, كذلك الاستقرار علي موعد الانتخابات البرلمانية وموعد الانتخابات الرئاسية, والنظام السياسي لمصر, هل هو جمهوري أم برلماني وغيرها من الأمور المهمة, بالإضافة إلي أهمية استعادة الأمن في جميع المناطق حتي يعم الاستقرار وما يترتب عليه من ضخ الاستثمارات الأجنبية, ودون ذلك سيظل المجتمع في مشكلة كبيرة قد تستمر لفترة طويلة.
الانفلات الأمني
أكد الدكتور أحمد صقر عاشور الخبير لدي الأمم المتحدة في الحوكمة ومكافحة الفساد وعضو الهيئة الاستشارية العليا للجنة الحوار الوطني علي أن ضبط الشارع من أولويات الحوار الوطني في المرحلة الحالية.
ليس من ناحية الانفلات الأمني فقط وإنما بصفة عامة, فليس من أهداف الثورة انتشار حالة الفوضي, ولاشك أن حالة الحراك التي ستحدث مع فتح باب الانتخابات لمجلس الشعب قد تخلق عمليات استقطاب وتنافس شديد مما يجعل الاستقرار الأمني بعيد المنال, فنحن لا نريد مظاهر البلطجة التي كانت تحدث مع النظام السابق, ولابد أن تختفي مسألة شراء الأصوات وأعمال الإعاقة والمنع إلي الوصول للجان الانتخابية والاعتداء علي الملصقات الإعلانية للمنافسين, وبالتالي لابد أن يجرم قانون ممارسة الحقوق السياسية كل هذه الممارسات المشينة.
واستطرد عضو الهيئة الاستشارية للجنة الحوار الوطني قائلا: إن الأوضاع الأمنية الحالية, التي سوف تكون عليها مع سخونة العملية الانتخابية المتوقعة فإن شهر سبتمبر المقبل غير مناسب لإجراء الانتخابات, فالأمر يتطلب أن يعود الأمن للشارع المصري أولا قبل الدخول لهذه المرحلة الصعبة, حيث إن هناك استخفافا حاليا بعناصر الأمن, فيجب التعامل بشدة مع الخارجين علي القانون والمتسببين في ظاهرة الانفلات المؤسسي لأن هذا الكيان ملك للدولة, ولا يجب أن تدار الدولة من الشارع.
قوانين تحاصر الأحداث الطائفية
ومن جانبه يري الدكتور حسن وجيه أستاذ التفاوض وحوار الثقافات والأديان أننا مازلنا نستمع إلي بعضنا بالشكل اللائق, وأن الحوار القائم غير مرتبط بآليات للتنفيذ, مشيرا إلي أن النظام القديم قبل الثورة لايزال يحرك الكثير من الأمور التي تطل علينا من حين إلي آخر, بالإضافة إلي غياب المصالحة بين الأجيال المختلفة علي مائدة الحوار.
وأكد علي وجود أحادية شديدة يسيطر فيها كبار السن الشيوخ علي كل المواقع القيادية, فهناك بطء شديد في التحقيق مع رموز العهد السابق ووجود أمور غامضة وغير مفهومة, فالقرارات يجب أن تكون بناء علي رغبات الشعب وائتلافات الثورة وبالتالي نأمل في صدور دستور يحقق أكبر قدر من التوافق.
وأكد د. وجيه علي أهمية إصدار تشريعات وقوانين تحاصر الأحداث الطائفية التي تنفجر من حين لآخر, مؤكدا أنها تجعل الشعب المصري شديد الكآبة والحزن, كما طالب بصدور أحكام صارمة ضد كل من تثبت عليه تهمة التحريض أو الحدث علي الصدام مع الآخر.