تتمتع الصحافة الحرة بقوة هائلة, إذا ما كانت القوة تعرف بالقدرة علي التأثير علي الآخرين. ولوسائل الإعلام في الدول الديموقراطية الحق في نشر المعلومات بدون موافقة مسبقة من الحكومة. وتوفر دول كثيرة حمايات قانونية للصحفيين ليتمكنوا من ممارسة ذلك الحق. ولكن الحقوق تكون مصحوبة بمسئوليات. والمسئولية الأساسية التي تقع علي عاتق الصحفيين في أي مجتمع حر هي نقل المعلومات بدقة ونزاهة وإنصاف, أي ممارسة الصحافة الشريفة.
والمبادئ الأخلاقية هي نظام من المبادئ التي ترشد وتوجه العمل. وفي حين أن القانون يحدد ما يمكنك وما لا يمكنك القيام به في وضع معين, فإن المبادئ الأخلاقية تحدد لك ما يجب أن تفعله. وهي مبنية علي قيم _ شخصية ومهنية واجتماعية وأخلاقية _ وتنشأ عن التفكير السليم. واتخاذ القرارات الأخلاقية يعني ببساطة تطبيق هذه القيم في عملك اليومي.
ويوضح إعلان تشابولتيبيك, الذي وافقت عليه الدول الأمريكية في العام 1994 لمواجهة الضغوط التي تتعرض لها حرية التعبير في نصف الكرة الغربي, أن الصحافة المبنية علي المبادئ الأخلاقية عنصر أساسي لنجاح وسائل الإعلام علي المدي الطويل. وقد جاء في الإعلان:
ترتبط مصداقية الصحافة بالتزامها بالحقيقة, وبالتزامها السعي لتحقيق الدقة والنزاهة والموضوعية والتمييز الواضح بين الأخبار والدعاية. ولا يجوز فرض تحقيق هذه الأهداف واحترام القيم الأخلاقية والمهنية. فهذه المسئولية ملقاة حصرا علي عاتق الصحفيين ووسائل الإعلام. والرأي العام هو الذي يكافئ أو يعاقب في المجتمعات الحرة.
إن الزلات الأخلاقية تحدث في الصحافة. وقد لفق صحفيون معلومات. وقبل محررون أموالا من بعض المصادر. ونشرت مؤسسات صحفية دعايات مظهرة إياها وكأنها أخبار. وعندما يحدث ذلك فإن للجمهور الحق في أن يشك في كل شيء يظهر في وسائل الإعلام. ويتضرر جميع الصحفيين وجميع المؤسسات الصحفية عندما يسلك صحفيون سلوكا غير أخلاقي لأن سلوكهم يثير الشكوك في مصداقية المهنة. وعندما تتضرر المصداقية تتضرر أيضا قدرة المؤسسة الصحفية الاقتصادية علي البقاء والاستمرار.
المبادئ الأخلاقية
قال الصحفي الراحل والروائي الفائز بجائزة بولتزر, جون هيرسي, الذي غطي نتائج إلقاء القنبلة الذرية علي هيروشيما ##إن هناك قاعدة واحدة مقدسة للصحافة, وهي أن الكاتب يجب ألا يلفق. ويجب أن يحمل الترخيص الذي يحمله عبارة لم يلفق أيا من هذا. والصحفيون المتقيدون بآداب المهنة لا ينسبون للناس كلمات لم يتفوهوا بها ولا يدعون أنهم كانوا موجودين في مكان لم يكونوا موجودين فيه. كما أنهم لا يقدمون عمل الآخرين موهمين المسئولين والجمهور بأنه عملهم. وفي حين يعتبر التلفيق والانتحال انتهاكا للمعايير الصحفية الأساسية في جميع أنحاء العالم هناك بعض الانتهاكات التي لا تكون واضحة للعيان.
ويواجه الصحفيون معضلات أخلاقية كل يوم في عملهم تحت ضغط مالكي المؤسسة الصحفية والمنافسين والمعلنين والجمهور. وهم بحاجة إلي عملية لحل هذه المعضلات لكي تكون الصحافة التي ينتجونها أخلاقية. كما أنهم بحاجة إلي أسلوب للتفكير بالقضايا الأخلاقية يساعدهم علي اتخاذ قرارات صائبة, حتي قبل الموعد النهائي لتقديم القصة الإخبارية.
ويقوم أسلوب التفكير هذا علي أساس من المبادئ التي يعتمد الصحفيون عليها. وفيما يلي المبادئ الأساسية للجمعية الأمريكية للصحفيين المحترفين, وهي منظمة صحفية ينتمي إليها من يشاء من الصحفيين باختياره:
* ابحث عن الحقيقة وقم بنقلها.
يجب علي الصحفيين أن يكونوا أمناء ونزيهين يتحلون بالشجاعة في جمع وتقديم وتفسير المعلومات.
* قلل الضرر إلي أدني حد ممكن.
يعامل الصحفيون الأخلاقيون مصادرهم والأشخاص الذين يتناولونهم في تقاريرهم وزملاءهم كبشر يستحقون الاحترام.
* تصرف بشكل مستقل.
يجب أن يكون الصحفيون متحررين من الالتزام لأي مصلحة فيما عدا حق الجمهور في المعرفة.
* كن خاضعا للمساءلة.
الصحفيون معرضون للمساءلة والمحاسبة من قبل قرائهم ومستمعيهم ومشاهديهم وزملائهم.
قد يبدو للوهلة الأولي أنه من السهل التقيد بهذه المبادئ. فمن الطبيعي أنه ينبغي علي الصحفيين أن يسعوا إلي الحقيقة وأن يعاملوا مصادرهم باحترام. ولكن المبادئ نفسها قد تتضارب في كثير من الأحيان. فقد يكتشف الصحفيون الساعون إلي الحقيقة معلومات ستؤذي أسرة شخص متورط في إساءة. وقد يتيح انتماء صحفية إلي منظمة غير حكومية لها الاطلاع علي قدر أكبر من المعلومات المتعلقة بقصة إخبارية للمنظمة دور فيها, ولكن ارتباطها بالمنظمة قد يهدد أيضا استقلاليتها ويكون صعب التبرير للجمهور. وفي كثير من الحالات, يعني اتخاذ قرار أخلاقي الاختيار ليس بين الصواب والخطأ ولكن بين الصواب والصواب.
فكيف إذن يستطيع الصحفيون أن يتخذوا قرارات أخلاقية صائبة؟ إن أفضل طريقة لمعالجة بعض الأوضاع هو تجنبها منذ البداية. فمثلا, يمكن أن يقرر الصحفيون عدم الانتماء لأي منظمات خارجية, أو إعلان عدم أهليتهم لتغطية القصص الإخبارية التي تتعلق بأي من المنظمات التي ينتمون إليها. وفي بعض الحالات الأخري يجب علي الصحفي أن يسعي لتحقيق أفضل توازن ممكن بين المبادئ المتناقضة, دون أن تغيب عن باله إطلاقا أهمية السعي إلي الحقيقة وخدمة الجمهور.
عملية اتخاذ القرارات الأخلاقية
تعالج بعض مكاتب التحرير المآزق الأخلاقية بأسلوب إصدار التعليمات من القمة إلي القاعدة. فعندما تنشأ قضية أو معضلة يقرر أحد كبار المسئولين ما ينبغي عمله. وفي حين أن هذا الأسلوب يتميز بحسنة السرعة, إلا أنه يمكن أن يكون اعتباطيا. وهو لا يساعد الصحفيين بأي شكل من الأشكال علي اتخاذ قرارات جيدة عندما يكونون في الميدان أو عندما لا يكون المدير موجودا. ولهذا السبب تبنت مكاتب تحرير كثيرة عملية اتخاذ قرارات أخلاقية يشارك فيها عدد أكبر وتساعد جميع الصحفيين علي اتخاذ قرارات جيدة في الظروف مختلفة.
والخطوة الأولي في العملية هي تحديد المعضلة. ويدرك معظم الناس متي يواجهون مأزقا أخلاقيا. إذ يرن جرس إنذار داخلي فيهم. ويشعرون بأن هناك أمرا ما لا يبعث علي الارتياح في وضع معين. ومن المهم عندما يحدث ذلك أن توضح ما يضايقك. ما القيم التي قد تصبح مهددة؟ ما القضايا الصحفية المعرضة للخطر؟ وكثيرا ما يكون الأمر عبارة عن توتر بين هدف صحفي وموقف أخلاقي. فالصحفي الذي تفرد في الحصول علي قصة لم يحصل عليها أحد غيره يرغب في نشرها بسرعة قبل أن يحصل عليها أي شخص آخر, ولكنه بحاجة أيضا إلي التمعن في العواقب المحتملة. ماذا لو تبين أن القصة غير صحيحة؟ ويتعين علي الصحفيين ألا يضحوا بقيمهم الأخلاقية في سبيل تحقيق أهداف أخري كتحقيق سبق صحفي علي منافسيهم.
والخطوة الثانية بعد تحديد المشكلة هي جمع المزيد من المعلومات لمساعدتك في اتخاذ قرار صائب. راجع سياسات وإرشادات مكتب التحرير, إن كانت هناك سياسات وإرشادات, وابحث المعضلة مع آخرين. ابدأ بالتشاور مع الزملاء والمشرفين في مكتب التحرير, ولكن لا تتوقف عند ذلك الحد, ذلك أنه من المفيد جدا في كثير من الأحيان شمل أصوات أخري في العملية, كالأشخاص الذين لا يلعبون دورا مباشرا في القصة الإخبارية ولكنهم مطلعون علي الظروف.
ومن المهم الإشارة إلي أنه لا يتوقع من الصحفيين, خلافا للأطباء, التعهد بعدم إلحاق الأذي. وكثير من القصص الإخبارية الدقيقة والمهمة تؤذي مشاعر الناس أو سمعتهم. وهذا شيء لا مفر منه. ولكن الصحفيين يحاولون تقليل الأذي إلي أقصي حد ممكن عن طريق عدم تعريض الناس لمخاطر غير ضرورية. ويطرح بوب ستيل الذي يعلم أخلاقيات الصحافة في معهد بوينتر السؤال التالي: ##ماذا لو أن الأدوار انعكست؟ كيف سيكون شعوري؟##
لنفترض أن صحفيا اكتشف مصنعا في بلد ما يعمل فيه أولاد دون سن الثانية عشرة علي مدي عشر ساعات في اليوم وستة أيام في الأسبوع بأجور أقل من نصف الحد الأدني للأجور. ويحظر دستور ذلك البلد علي أصحاب العمل توظيف أي شخص دون سن الرابعة عشر, ومن غير المشروع أن يعمل أي شخص أكثر من 45 ساعة في الأسبوع. إن عثور الصحفي علي المصنع يعني أن لديه برهانا علي استغلال الأطفال, ولكن ما الأمور الأخري التي يتعين عليه معرفتها قبل نشر أو بث القصة الإخبارية؟
من المؤكد أن نشر الحقيقة عن المصنع سيكون له عواقب, وقد يسبب بعضها أضرارا أو أذي. وقد يكون من المفيد عند مواجهة هذا النوع من القصص الإخبارية, وضع قائمة بأسماء الأشخاص والمؤسسات الذين قد يتأثرون بالقصة الإخبارية والتفكير مليا في ما سيكون للقصة من تأثير. وسوف تؤثر القصة الإخبارية عن المصنع علي الأولاد بشكل مباشر, بطبيعة الحال, ولكنها ستؤثر أيضا علي أسرهم وعلي صاحب المصنع. ويمكن للصحفيين, بعد معرفة العواقب المحتملة, البدء في التفكير بالبدائل المتاحة أمامهم لعرض المعلومات بحيث تظل القصة الإخبارية معبرة عن الحقيقة, ولكن دون أن تسبب نفس القدر من الضرر والأذي. وفي حالة المصنع, قد يقرر الصحفي استخدام صور الأطفال, ولكن دون ذكر أسمائهم, وذلك في محاولة للحد من الضرر المحتمل الذي قد تسببه القصة الإخبارية.
وهذا مجرد مثال واحد علي قرار صحفي قد تكون له عواقب أخلاقية. وهناك أمثلة أخري بينها تلك المتعلقة بنوع التغطية وموقعها, بالإضافة إلي لهجتها. فالتأثير الذي يتركه نشر قصة إخبارية في الصفحة الأولي باستخدام مانشيت كبير وصورة كبيرة سيكون أكبر بكثير من تأثير قصة إخبارية صغيرة تنشر في صفحة داخلية. وسيكون لقصة إخبارية تلفزيونية يعلن عنها عدة مرات قبل أن تبث تأثير أكبر, وبالتالي عواقب أخلاقية أكبر, من قصة إخبارية تقدم مرة واحدة ضمن النشرة الإخبارية.
ويضع اعتماد عملية لاتخاذ القرارات الأخلاقية الصائبة الصحفيين والمؤسسات الصحفية في موقف يتيح لهم تبرير أعمالهم بوضوح. ويمكن للصحفيين, من خلال توضيح ما تم القيام به وسبب القيام به, تعزيز مصداقيتهم وإثبات كونهم أهلا لثقة الجمهور.
ومكاتب التحرير التي تقيم العملية الأخلاقية في اتخاذ القرارات تضمن أن هذه المسائل تناقش فيها دوما وليس فقط عندما تحدث المعضلة. وتعقد بعض مكاتب التحرير اجتماعات منتظمة لمناقشة ما ينبغي عمله في حالات افتراضية. ويمكن للصحفيين الذين يقومون بالإصغاء لما يدور بعقل منفتح والذين يضبطون عواطفهم ويتجنبون تحولهم إلي متصلبين يفتقدون إلي المرونة في مواقفهم أن يصبحوا قادرين علي استخدام هذه المهارات عندما يواجهون مشكلة أخلاقية فعلية.
القواعد الأخلاقية
لقد وضعت جمعيات واتحادات الصحافة في مختلف أنحاء العالم قواعد أخلاقية لإرشاد وتوجيه عمل أعضائها الصحفيين. ويمكن للقواعد الأخلاقية أن تغطي كل شيء من انتحال أعمال الغير إلي الخصوصية ومن التصحيح إلي السرية. وبعضها موجز ومكتوب بصيغة مبهمة, في حين أن بعضها الآخر طويل وواضح لا إبهام فيه. ويقول كلود _ جون بيرتران, وهو أستاذ بمعهد الصحافة الفرنسي في جامعة باريس, وقد درس القواعد الأخلاقية من دول عديدة, إن معظمها يشتمل علي العناصر الأساسية الثلاثة التالية:
* القيم الأساسية, بما في ذلك احترام الحياة والتضامن الإنساني.
* محظورات أساسية, بما في ذلك أن لا تكذب أو تسبب أذي غير ضروري أو تنتحل لنفسك أعمال شخص آخر.
* مبادئ صحفية, بما في ذلك الدقة والنزاهة والاستقلالية.
وتكون هذه القواعد أحيانا طوعية لا يتعرض منتهكوها لعواقب واضحة. إلا أنه من المتوقع أن يحاسب أقران الصحفيين الذين لا يتصرفون بطريقة غير أخلاقية وأصحاب المؤسسات التي يعملون فيها المخطئين علي سلوكهم. وتنظر مجالس الصحافة في بعض الدول في الشكاوي المقدمة ضد الصحفيين وقد توصي بإجراءات لتصحيح الأخطاء. كما تلعب مجلات مراجعة ومعاينة التأدية الصحفية دورا تقويميا بكشف سلوك الصحفيين الذين لا يتقيدون بالمعايير الأخلاقية. ولدي بعض المؤسسات الصحفية موظف يعرف عادة باسم ##الناظر في الشكاوي## يراقب الأخطاء والزلات الأخلاقية ويقوم بدور ممثل للجمهور داخل مكتب التحرير.
وفي الدول التي تتطلب انتماء الصحفيين إلي اتحاد أو جمعية, تشتمل القواعد الأخلاقية علي بند لتطبيق القرارات. فمثلا, تضم جمعية الصحفيين الأستراليين لجانا تحقق في التهم المتعلقة بسلوك الصحفيين غير الأخلاقي. وقد يتعرض الصحفي الذي يثبت انتهاكه للقواعد الأخلاقية للتوبيخ أو الغرامة أو الطرد من الجمعية.
قواعد السلوك
لدي الكثير من المؤسسات الصحفية قواعد للسلوك أو معايير خاصة بها تتوقع من الصحفيين العاملين فيها التقيد بها بالإضافة إلي تقيدهم بالقواعد الأخلاقية القومية والإقليمية. وقد تنص هذه القواعد علي إجراءات أو نشاطات محددة يشجع عليها أو تحظر علي الصحفيين, وأخري تتطلب موافقة أحد المدراء.
وتفرض مؤسسات صحفية كثيرة قيودا علي ما يمكن للصحفيين القيام به أثناء العمل أو خارج نطاقه. والسبب الرئيسي لهذه القيود هو الحفاظ علي مصداقية المؤسسات الصحفية. وقد يبلغ الصحفيون والمصورون بصراحة أنه لا يمكنهم التلاعب أو ##ترتيب## الأخبار عن طريق مطالبة الناس بأن يفعلوا شيئا لقصة إخبارية لا يفعلونه عادة. ولا يسمح للصحفيين بإخفاء هويتهم للحصول علي قصة إخبارية, ما لم تكن هناك مصلحة عامة واضحة وملحة في كشف المعلومات ولا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخري. وقد تمنع محطة تلفزيونية صراحة استخدام كاميرات مخفية أو تسجيلات خفية أثناء جمع الأخبار, ما لم يوافق أحد المدراء علي ذلك لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة.
ومع ظهور التصوير الرقمي وبدء استخدامه, أضيفت معايير جديدة لمنع تغيير الصور أو الفيديو بأي طريقة قد تضلل الجمهور. وقد أسهمت عدة حوادث حظيت بتغطية واسعة في الدفع إلي وضع هذه السياسات الجديدة, بما في ذلك صورة ظهرت علي غلاف مجلة ناشنال جيوجرافيك في الثمانينيات من القرن الماضي وقربت المسافة بين أهرامات الجيزة في مصر باستخدام الوسائل الرقمية.
ويعالج الكثير من أنظمة قواعد السلوك في مكاتب التحرير قضايا الاستقلال الصحفي. وقد يحظر علي الصحفيين, بهدف تجنب حتي ما قد يبدو وكأنه تضارب في المصالح رغم أنه ليس كذلك في الواقع, تغطية أخبار شركة يملكون أسهما فيها أو تربطهم مصلحة أو علاقة شخصية بها. ولا يسمح للصحفيين باتخاذ موقف علني حيال قضية سياسية أو دعم مرشح لمنصب علنا. وقد تمنع المؤسسة الصحفية الصحفيين من إقامة علاقة عمل مع أي مصدر يزودهم بالأخبار أو ممارسة أي عمل خارجي لقاء أجر ما لم يوافق علي ذلك أحد المدراء.
وتوضح السياسة الأخلاقية لجريدة ديترويت فري بريس, وهي صحيفة أمريكية تصدر في ولاية ميشيجان, ما ستقوم به الصحيفة وما لن تقوم به. وهي تمنع دفع المال لمصادر الأخبار ولا تسمح للمصادر بمراجعة المادة قبل نشرها. ولشركة الإذاعة والتلفزيون الكندية (سي بي سي) دليل معايير مطول يفرض علي الموظفين رفض الهدايا التي قد تبدو أنها تؤثر علي قرارات الشركة. ولا يسمح لهم بقبول أي هدايا سوي الهدايا الودية المتواضعة أو الضيافة التي تقدم خلال تصريف الأعمال العادية. ولا يجوز لموظفي شركة (سي بي سي) قبول عروض السفر المجاني أو الإقامة المجانية لتغطية قصة إخبارية.
وقد لا يكون من الممكن تجنب كل تضارب محتمل, إلا أنه يتعين علي الصحفيين أن يدركوا أنه قد يكون لسلوكهم تأثير سلبي علي المؤسسة الصحفية. وعندما يشعر الصحفيون بأنه من الممكن نشوء تضارب ينبغي توقع قيامهم بتبليغ رؤسائهم بذلك. ومن الممكن أن يطلب صحفي له علاقة شخصية بقصة إخبارية إسناد مهمته لصحفي آخر. وتمارس مؤسسات صحفية كثيرة عادة مطالبة الصحفيين بالكشف عن أي علاقات في قصصهم الصحفية قد توحي بوجود تضارب في المصلحة, حتي لو لم يكن هناك أي تضارب.
وتكون قواعد السلوك عادة وثائق داخلية, إلا أن عددا متزايدا من المؤسسات الصحفية بدأ ينشرها علي مواقعه علي الشبكة الإلكترونية لكي يعرف الجمهور ما يمكنه توقعه ويخضع الجريدة أو المحطة للمساءلة والمحاسبة إذا ما تم انتهاك معاييرها.
معايير المجتمع
كثيرا ما تواجه المؤسسات الصحفية تضاربا بين أهمية الأخبار ومعايير المجتمع, ويتطلب حل مثل هذا التضارب ممارسة عملية اتخاذ القرارات الأخلاقية بمهارة. لنفترض أن مسئولا منتخبا استخدم عبارة إساءة عنصرية أثناء تحدثه عن عضو في الحزب المعارض. قد تنشر بعض الجرائد الكلمات التي استخدمها المسئول بدقة. وقد تستخدم جرائد غيرها بعض الأحرف وتتبعها بنقاط لكي تشير إلي ما قاله بدون نشر الكلمة بكاملها. في حين ستكتفي بعض الصحف الأخري علي الأرجح بالقول إن المسئول استخدم لغة مسيئة. ويختار محررو الصحف حلولا مختلفة, علي أساس ما يعتقدون بأن القارئ سيكون مستعدا لتقبله. إلا أنهم يتخذون أحيانا قرارا يدركون أنه سيزعج بعض القراء. ويواجه المحررون خيارات صعبة مماثلة عندما يتعلق الأمر بالصور أو الفيديو التي تصدم المشاعر والتي قد يجدها الجمهور منفرة, ولكنها قد تكون أقوي وسيلة لنقل قصة إخبارية مهمة.
وللحد من الضرر الذي قد يسببه مثل هذا الخيار, يقرر كثير من مدراء الأخبار في هذه الأيام أن يوضحوا لماذا اتخذوا قرارهم, إما في سياق القصة الإخبارية نفسها أو في ملاحظة منفصلة للمحرر تنشر إلي جانب القصة الإخبارية. فمثلا, يسبب نشر صورة امرأة تحمل جسد ابنها الهزيل الذي توفي متأثرا بالمجاعة إزعاجا بكل تأكيد. وبدلا من انتظار مكالمات هاتفية غاضبة والرد علي كل شكوي علي حدة فقد تذكر ملاحظة المحرر أن هذه الصورة للمعاناة تروي قصة المجاعة بوضوح أكبر من الكلمات وحدها. وهكذا يفي الصحفيون بالتزامهم بمبدأ المساءلة عن طريق توضيح قراراتهم للجمهور.
القضايا القانونية
يعد البند 19 في ميثاق الأمم المتحدة الركن الأساسي للمعايير الدولية الخاصة بوسائل الإعلام, وينص هذا البند علي ما يلي:
لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير عنه. ويتضمن هذا الحق حرية اعتناق الآراء بدون تدخل خارجي وحرية البحث وتلقي وتوزيع المعلومات والأفكار بكافة وسائط النشر والإعلام وبصرف النظر عن الحدود.
والدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملتزمة بالتقيد بالميثاق, بما في ذلك البند 19, إلا أن ذلك لم يمنع بعض الدول من قمع وسائلها الإعلامية ومنع الحصول علي الأخبار العالمية. وقد تم في بعض الحالات قتل وسجن ونفي الصحفيين لمحاولتهم أداء وظائفهم.
ويقول دانيلو أربيا من جمعية الصحافة بين الأمريكتين وجريدة بوسكويدا بأوروجواي إن أفضل قانون للصحافة هو عدم وجود أي قانون علي الإطلاق. ويضيف أن التشريعات التي تحكم الحرية الصحفية, في عالم مثالي, لن تتجاوز الصفحتين, بحيث ##تتضمن فقرات مكتوبة بوضوح وصراحة تمنع أي محاولة لضبط … حرية التعبير##. وغني عن القول إن العالم ليس مكانا مثاليا. وتتفاوت قوانين الصحافة حول العالم إلي حد يجعل من غير الممكن إيجازها جميعا. وفي بعض الدول الديمقراطية قوانين لضمان قدرة حصول الصحفيين علي المعلومات الحكومية غير السرية, في حين أن غيرها يحد من المعلومات التي يمكن نشرها أو بثها علي الهواء. ويعد ذكر اسم ضحية جريمة جنسية أو كشف هوية أحداث متهمين بنشاط إجرامي غير قانوني في بعض الدول. وحتي داخل الدولة الواحدة نفسها, قد تكون هناك قوانين محلية مختلفة تغطي قضايا مثل ما إذا كان الصحفي مرغما علي تسمية مصدره السري أو تقديم الملاحظات التي دونها لمحكمة قانونية, وفي ظل أي ظروف. ويكفي القول إن علي الصحفيين الإلمام بقوانين الدول التي يعملون فيها, وبالجهود المتواصلة لرفع القوانين المقيدة لحرية الصحافة.
ومن أكثر أنواع القضايا القانونية التي يواجهها الصحفيون قضايا التشهير أو القذف. الذي يعرف في الولايات المتحدة بأنه نشر أو إذاعة مواد عارية عن الصحة من حيث الجوهر عن شخص يمكن تحديد هويته وتميل إلي الإساءة إلي سمعة ذلك الشخص. ويدعي القذف ##تشهيرا## عندما تنشر المادة و##قدحا## عندما تبث, ولكن المعطيات الأساسية التي تحددها هي نفسها. ويمكن القول بشكل عام إنه إذا كانت المادة صحيحة فإن ذلك لا يمكن أن يكون قذفا. ولذا, يتعين علي الصحفيين أن يتحققوا بشكل مستقل من صحة ما تقوله مصادرهم, إذا كان يمكن لتلك الأقوال أن تشوه سمعة شخص آخر وتعتبر قذفا.
وتتم حاليا إعادة النظر في قوانين وسائل الإعلام بعد أن أخذت التكنولوجيا الجديدة تغير الطريقة التي يؤدي بها الصحفيون عملهم. وفي مقدمة ذلك أسئلة مثل: هل يجب منح صحفيي الإنترنت الحقوق والحمايات نفسها التي تمنح للصحفيين العاملين في المؤسسات الصحفية الوطيدة المعترف بها؟ وهل يجب منح تلك الامتيازات نفسها لكتاب المدونات الإلكترونية (البلوغرز)؟ وستبقي هذه الأسئلة علي الأرجح معلقة دون البت فيها لبعض الوقت.
ومن الواضح أن الصحفيين يخضعون لقوانين أخري تنطبق علي الأفراد في دولة معينة, كالقوانين التي تحكم الخصوصية. فلا يمكن للصحفي الذي يريد الحصول علي معلومات دخول ممتلكات خاصة, أو أخذ وثائق بدون إذن, أو التنصت علي المحادثات التي تجري من هاتف معين, دون أن يتوقع مواجهة عواقب قانونية. وقد تقرر مؤسسة صحفية أن بعض القصص الإخبارية مهمة جدا بحيث تستحق المخاطرة بالعقوبات القانونية, ولكن هذه مسألة مختلفة يجب أن تتخذ من خلال قرار جماعي يشارك في التوصل إليه المحررون والصحفيون والإدارة بعد التمعن في الأمر.