في إطار احتفالات الكنيسة بعيد رسامة قداسة البابا شنودة الثالث لاعتلاء كرسي مارمرقس الرسول بطريركا, في عيد رسامته الأربعين…أرجو أن أوضح المنهج التربوي في حياة قداسته…لهذا البابا الكارز والذي وصل بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتعاليمها الكتابية إلي كل مكان في العالم, لم يترك مكانا في العالم إلا وصوت وحياة الأرثوذكسية تم الكرازة فيه بإنجيل المسيح وبالعقيدة الأرثوذكسية..
هكذا تتلألأ النجوم في السماء…وقداسة البابا من فمه الذهبي يضيئ في العقول مشاعل الحكمة…وكان النهج التعليمي في حياة قداسته هو العمود الفقري للخدمة بالكنيسة…ولاعجب في ذلك فهو نتاج تكوينه وبنائه الفكري والروحي…ولإيمانه بأن التعليم في المسيحية يأتي في بؤرة اهتمام واختصاص العمل الرعوي…ومن خلاله يتسلم الإنسان إيمان الكنيسة الحي بكل جوانبه من عقائد, وأسرار, وطقوس, وممارسات وروحيات…تأكيدا من أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, كنيسة تستمد اسمها من استقامة تعليمها, فهي المستقيمة الرأي ذات التعليم السليم الذي مصدره هو الرب ذاته يسوع المسيح(المعلم الصالح) رأس الكنيسة…
لذلك كان تدبير الرب…فألهم قداسة البابا كيرلس السادس أن يختار قداسة البابا شنودة الثالث كأول أسقف للتعليم في تاريخ الكرازة…ليقود دفة التعليم في الكنيسة, ويصبح فارس الكلمة وليعيد إلي الأذهان بهاء التعليم الكنسي, ونقاوته, والحفاظ علي استقامته وسلامته.
الرعاية التعليمية في حياة قداسته ومجالاتها
منذ أن تولي قداسته في لحظة من يوم الاثنين(1962/9/24), عندما رفع قداسة البابا كيرلس السادس الصليب, علي رأس الراهب أنطونيوس مهنئا إياه بترقيته أسقفا. وكانت مفاجأة لم يتوقعها, حيث تمت السيامة كأسقف للتعليم والإكليريكية والتربية الكنسية يوم الأحد1962/9/30.
إذا أهم ما تم إنجازه من عمل روحي وتربوي وتعليمي في عهد قداسته كأسقف للتعليم بمنهجيته التربوية الروحية مايلي:
-اهتم بالكلية الإكليريكية, فازداد عدد الطلاب, واتسع القسم الليلي الجامعي, وأسس فروعا لها في الإسكندرية وطنطا, والدير المحرق, والمنيا, والبلينا, وشبين الكوم وأيضا في بلاد المهجر.
-تأسيس معهد الأفريقيين, ومعهد الرعاية والتربية, ومعهد الكتاب المقدس, ومعهد للغة القبطية.
الاهتمام بمشروع دائرة المعارف القبطية.
-سيامة أساقفة وكهنة صالحين للتعليم ملأوا الكنيسة علما, وكرازة, وخدمة, ورعاية.
-سيامة أسقف عام للشباب, وجميعنا نلمس مدي النشاط والخدمة في الأنشطة الشبابية, ومهرجانات الكرازة التي يشرف عليها نيافة الأنبا موسي أسقف الشباب.
-الدراسات العليا التي حرص قداسته علي دفعها في ميادين متنوعة, مشجعا بحوثا متعمقة للحصول علي درجتي الماجستير والدكتوراه من الدارسين المهتمين بالدراسات اللاهوتية والقبطية والرعوية بمجالاتها المتنوعة.
-المحاضرة الأسبوعية كل يوم أربعاء, والذي أصبح هذا الاجتماع الثابت أحد ملامح الكنيسة القبطية في عصرنا.
الشرائط المسجلة لكافة الموضوعات التي انتشرت إلي كل مكان…من تعاليم قداسته وعظاته…ولاعجب في حصول قداسته علي جائزة(أحسن واعظ في العالم) عام1978.
-نهضة التأليف والترجمة والنشر في شتي فروع الحياة القبطية والمسيحية حيث بلغت مؤلفات قداسته أكثر من(140) كتابا, تم ترجمة عدد كبير منها إلي عديد من اللغات.
-الاهتمام برعاية أبناء المهجر في محاولة لغرس القيم والمبادئ القبطية الأرثوذكسية في هؤلاء النشء والشباب لحمايتهم من التيارات الغريبة في بلاد المهجر.
-الاهتمام بالثقافة القبطية, فأنشأ المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي الذي يشرف عليه نيافة الأنبا أرميا سكرتير قداسة البابا وهذا المركز يهدف إلي الحفاظ علي تراثنا القبطي الثمين, وتهيئة المناخ الملائم لمحبيه من الدارسين والمثقفين وكافة فئات الشعب القبطي داخل مصر وخارجها لينهلوا من شتي ينابيع الحضارة القبطية من عقيدة وطقس ولغة وتاريخ وأدب وموسيقي وفن وعمارة…لتتواصل الأجيال منذ عصر القديس مرقس الرسول.
-الاهتمام بالتعليم في برامج الكرازة, لذلك فقد وضع مبدأ(الأسقف المعلم),مبدأ من مبادئ الكنيسة الأرثوذكسية…وبدأ بنفسه في شعار(البطريرك التلميذ) حيث يقول قداسته في هذا:(قبل أن أذهب إلي مؤتمر أو ندوة, أجلس أقرأ وأدرس وأبحث, وأحضر نفسي تماما حتي ولو سبق إلقاء المحاضرة في فترة سابقة فكأنها المرة الأولي لي, فهذا هو البطريرك المعلم والتلميذ أيضا.
البابا العملاق في تعاليمه في كافة نواحي المعرفة, فهو مثل صادق للنموذج المكتوب عنه في الكتاب المقدس الكاتب المتعلم الذي يخرج من كنزه جددا هذا هو البابا الكارز, والذي وصل بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتعاليمها الكتابية إلي كل مكان في العالم لم يترك مكانا إلا وكرز فيه بإنجيل المسيح وبالعقيدة الأرثوذكسية.
هذا هو البناء التربوي والروحي لقداسة البابا شنودة الثالث المعلم, وأول بابا للكنيسة من مديري الكلية الإكليريكية منذ القرن الخامس الميلادي, ومن خدام ومدرسي التربية الكنسية, وأول بابا يستمر بالتعليم والتدريس في الإكليريكية ومعاهد الدراسات القبطية, والرعاية والتربية, بعد سيامته بطريركا في(14نوفمبر1971), ليصبح البابا المعلم بابا المسكونة مضيئا بسراج المعرفة, راعيا رعيته رعاية شاملة أمينة.