قرأت لك:
نهاية الليبرالية
باراك أوباما وروح أمريكا
تأليف:الدكتور وحيد عبد المجيد
الناشر:الهيئة المصرية العامة للكتاب-
مكتبة الأسرة-2009
حاز الرئيس الأمريكيباراك أوباماعلي جائزة نوبل للسلام لهذا العام ,وأثار هذا الخبر جدالا حادا في أنحاء العالم.أشاد كثير من قادة الدول بقرار لجنة نوبل بينما وصف آخرون فوز أوباما بأنه مفاجيء ومتسرع حيث يعمل الرئيس الأمريكي في منصبه أقل من تسعة أشهر فقط ولم يحصل علي إنجازات كبيرة في مجال سلام العالم,وهنا نري كثيرا من التعليقات تؤكد أن جائزة نوبل للسلام ليست مكافأة لإنجازات أوباما بل تشجيعا علي جهوده في الحوار والتواصل مع دول العالم .
في كتاب شديد التفرد يحاول الدكتور وحيد عبد المجيد أن يستطلع لنا وجه أمريكا بعد أن تسيد البيت الأبيض رجل أسمر هو باراك أوباما حسين .
في البداية يتساءل الكاتب:هل سقط الرهان علي باراك أوباماوبالتالي علي استعادة روح أمريكا الليبرالية..وهل يعني ذلك أن شمس الليبرالية قد غربت ولن تشرق ثانية وأن حلم أمريكا دخل مرحلة الأفول؟يبدو أنها أمريكا أخري تلك التي تظهر من تحت ركام إدارتي بوشبعد ثماني سنوات عجاف,وقد رفع أوباما شعار التغيير في حملته الإنتخابية في نوفمبر 2008 أعطي ذلك انطباعا بأن أوباما هو الرسول الذي جاء لاستعادة نموذج أمريكا الحرة,ذلك الشعار الذي ظهر قليلا وغاب بعدها وبسقوط هذا الحلم أصبح علي الليبراليين أن يكونوا أمناء مع أنفسهم ومع من يخاطبونهم بشأن مستقبل تبدو فيه الحرية في حالة تراجع وربما أقول في ظل استمرار ما يمكن أن نسميه عصر الغروب الليبرالي.
أمريكا بين نموذجين
يقارن الكاتب بين معتقل جوانتنامو في كوبا والذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما يحمل من استبداد وتعذيب وبين تمثال الحرية علي اعتبار أنه رمز الليبرالية والحرية معتبرا أن كلا منهما يختزل روح أمريكا ثم يسرد لنا في رشاقة بائنة كيف اتجهت أمريكا من الليبرالية إلي روح العدوانية, علي حد قوله,فعلي مدي 28 عاما شكل الجمهوريون الأكثر محافظةتغييرا كبيرا بها,حاول كلينتون تصحيح بعض الاختلالات لكن لاننسي أنه كان يمثل تيار اليمين الوسط فكان حذرا جدا في تصديه للاختلالات التي ترتبت علي اليمين المحافظ.
وقد اقترن النموذج المحافظ الذي ساد إدارتي بوش برموز ذات مغزي أهمها قاعدة جوانتناموالعسكرية,صحيح أن أوباما رفع شعار التغيير لكن العمومية التي أتسم بها هذا الشعار فتحت الباب أمام توقعات شتي إي بعد مدي,إلي تجديد أمريكا ذاتها ,وليس فقط إلي إزالة أثر إدارتي بوش لكن هذا الطراز من التغيير مشروط بأن تكون قيادة أوباما من طراز إبراهام لينكولن1861-1865أو فرانكلين روزفلت1933-1945والقياس هنا يشير إلي طراز القيادة وليس نهج بعينه فأمريكا بحاجة إلي عهد جديد فتجديد أمريكا في القرن العشرين لايمكن أن يكون علي نهج صلح في القرن الحادي والعشرين.
غير أن التجديد الذي تحتاجه أمريكا والعالم لايتوقف علي أوباما وحده,فتجديد تاريخي من هذا النوع يحتاج إلي ماهو أكثر من مجرد الزعامة,فالفرق بين القيادة والزعامة جد كبير إذ الأولي تشمل مناخا عاما مهيئا ويعي ذلك في بلد ديموقراطي بحجم الولايات المتحدة الأمريكية توافر قادة علي المستويين الفيدرالي والمحلي يدركون معني التغيير المطلوب ويحافظون عليه لاسيما أن باراك أوباما يدرك أهمية الحفاظ علي تفوق أمريكا في العلم والمعرفة وهو عازم علي رفع القيود التي فرضتها إدارتا بوش علي بعض الأبحاث العلمية في مجالات الخلايا الجذعية والإجهاض وغيرهما غير أن تجديدا من هذا النوع ليس مشروعا قصير المدي فالمهمة التجديدية تحتاج أولا إلي إنهاء الحروب الخارجية التي يخوضها الأمريكيون .
أمريكا والعالم
إن فوز أوباما برئاسة الولايات المتحدة في 5 نوفمبر 2008 يعد بحق لحظة تاريخية فقد تطلع الجميع إلي عالم مختلف عن ذلك الذي ملأه سلفهجورج بوشكآبة وتشاؤما وليس فقط حربا وتوترا.كل هذا الالتفات إلي أوباما مؤشرا إلي أن أمريكا مازالت هي القوة الأكبر لكن لم تكن لها المكانة التي تعبر عن هذه القوة لذلك كانت مهمة الإدارة الجديدة استعادة هذه المكانةالنفوذ والقدرة علي التأثيروكان ضروريا أن تجني أمريكا ثمار هذه السياسة وما انطوت عليه من أخطاء فقد ضعفت قوتها علي الردع وتجرأت عليها دول مناوئة وتحولت أمريكا اللاتينية إلي مصدر إزعاج شبه يومي لها…إلخ, إلا أن الولايات المتحدة ظلت حتي نهاية عهد بوش محتفظة بما تمتلك من القوة العلمية والعسكرية ما تتفوق له علي العالم بأسره.
أما عن استرداد المكانة المفقودة,فهده مشكلة يسهل معالجتها إذا ما توافرت الإرادة والقدرة علي تحويل السياسة الأمريكية في اتجاه يحدد دور الولايات المتحدة العالمي بناء علي مراجعة جادة للسياسة التي أضعفت دور أمريكا ومكانتها,والأمر لايحتاج إلي تغيير جوهري,وإنما فقط يحتاج إلي استفادة التقاليد الواقعية التي ميزت سياسة أمريكا في معظم حقبها.
أمريكا والشرق الأوسط
إن التحدي الأكبر الذي يواجه إدارة أوباما هو في الشرق الأوسطهذه مبالغة انطوت عليها ثورة التوقعات التي راهنت علي أوباما سواء بسبب أصوله العرقيةأو المسحة الإسلامية العابرة في تاريخه أو لمجرد أنه رفع شعار التغيير,فلم يكن في خطابه الانتخابي مايدعو لكل هذا التفاؤل لكن يمكن تصور ثلاثة اتجاهات لسياسة أوباما تجاه قضايا شرق أوسطية أول هذه الاتجاهات يتركز في أزمتي العراق والبرنامج النووي الإيراني أما الاتجاه الثاني فهو يتمثل في أزمة دارفور التي طالب الرئيس باراك أوباما بفرض حظر يجري عليها علي نحو ما حدث في شمال العراق بعد حرب الكويت,يبقي الاتجاه الثالث,الذي يبدو في أفضل الأحوال استمرارا لسياسة إدارة بوش الثانية في عامها الأخير تجاه قضية فلسيطن ,وهي إيجاد مسار لعملية السلام تصبح هدفا في حد ذاتها ,وليست وسيلة لتحقيق تسوية سلمية.
والأرجح أن فريق أوباما يجد ما يدفعه لوضع هذا الملف في مرتبة متأخرة في جدول أعماله لأنه إذا كانت إدارتا بوش أعادتا إنتاج الفشل الذي منيت به إدارتا كلينتون,فماذا تستطيع الإدارة الجديدة أن تقدم؟أيضا الانقسام الفلسطيني الذي لاتبدو له نهاية يعتبر سببا ثانيا لايقل قوة .
الحلم الأمريكي..والحلم المصري
بالرغم من أن فوز أوباما في انتخابات نوفمبر 2008 كان متوقعا,فقد ظل فوزجون ماكينمحتملا لأسباب أهمها ظاهرة برادلي ,وبرادلي هذا كان عمدة لمدينة لوس أنجلوسأسمر اللونعام 1982 وترشح لمنصب حاكم كاليفورنيا,لكنه لقي هزيمة شكلت مفاجأة كبري بعد فوزه بشكل حاسم بسبب خجل بعض الناخبين البيض من كشف تميزاتهم العنصرية تجاه مرشحهم الأسمر, غير أن هذه الظاهرة قد انكسرت قبل سنوات علي انتخاب باراك أوباما الذي رجحت كفته بسبب حماس قطاعات واسعة من الشباب لبرنامجه التغييري ولاغرابة في ذلك فقد أدرك أوباما أهمية الناخبين الشباب خلال حملته التمهيدية أمام هيلاري كلينتونكما اعتمدت حملة أوباما أساليب اختراق المجتمع من أسفل عبر آلاف المتطوعين للحض علي التسجيل وعرض المساعدة بدون دعاية مباشرة للمرشح الأسمر.
وربما يعود الفضل في فوز أوباما إلي شباب الإنترنت لأن دور الإنترنت في الانتخابات تزامن مع إعلان صحيفة كرستيان ساينس مونيتور التوقف عن الصدور في طبعتها الورقية والتحول إلي صحيفة إلكترونية,لذلك بدا الأمر أكثر من مجرد انتقال من حالة لأخري.
وفي الوقت الذي استطاع فيه المرشح الأسمر باراك أوباما الاستفادة من كل قدرات الشبكة العنكبوتية,أضعف وجود سارة بالين كنائب رئيس الجمهورية عن الحزب الجمهوري من حملة ماكين,فقد أحدثت سارة نكسة لدور المرأة في الحياة السياسية بعد ما أحدثته هيلاري كلينتون من نجاح علي هذا الصعيد,وبالرغم من أنها امرأة طموحة استطاعت الوصول إلي مركز حاكمة ولاية ألاسكا إلي جانب رعاية أسرة كبيرة مكونة من سبعة أفراد,إضافة إلي أنها ملكة جمال سابقة,إلا أنها لم تركز علي هذه الإمكانات بل ركزت علي دغدغة مشاعر الجمهور المحافظ الذي يعتقد أن رفض الإجهاض هو القيمة الكبري في الحياة فكان أكثر ما أثار هذا الجمهور هو تجربتها في رفضها أن تجهض نفسها حتي بعد أن عرفت أنها ستنجب طفلا معاقا .
وعلي نحو آخر قال مارتن لوثر كينج ذات يوم,إنه يحلم باليوم الذي تصبح فيه المساواة بين البيض والملونيين كاملة وتحقق هذا الحلم في باراك أوباما في انتخابات 2008 ,بالرغم من بقايا التمييزها وهناك وقد نجح باراك أوباما في تجديد هذا الحلم أي حلم جميع الأمريكيين بحياة أفضل وليس فقط حلم السمر فقد حمل هذا الفوز بشري لشعوب أخري في العالم يبدو أنها توقفت عن أن تحلم بمستقبل أفضل, ومن بينها الشعوب العربية,لذلك ففي الوقت الذي أثبت فيه الأمريكيون قدرتهم علي التغيير بطريقة وظيفية خالية من المعني,فقد صار القسم الأكبر من المصريين عازفين عن التغيير لعاملين أساسيين:أولهما:تجميد الحياة السياسية خلق ميلا للجمود في ثقافة المجتمع, أما العامل الثاني:فيتمثل في رفض المجتمع للتغيير وعدم ثقة معظم المصريين في الحكومة والحزب الحاكم.
ليبرالية محبطة..وإحباط ليبرالي
كانت مساندة الليبراليين لباراك أوباما في مواجهة هيلاري كلينتون وبعد ذلك أمام جون ماكين تعبيرا عن أمل كبير في استعادة الصورة الإيجابية لليبرالية التي تراجعت في ظل المد الليبرالي الجديد والذي صبغ أمريكا بصبغة متوحشة لا إنسانية,وقد تبلورت الليبرالية الجديدة في فكر سياسي وفلسفي يعتمد علي قيام الدولة بدور مهم,ولم يكن انفجار أسواق المال الأمريكية إلا نتيجة القداسة غير المسبوقة التي أضفتها الليبرالية علي حرية أسواق المال بحيث أصبح أي دور رقابي من الدولة هو رجس من عمل الشيطان.
وهنا تبلور اتجاهات في الليبرالية,ليبرالية جديدة وأخري اجتماعية,أي تقوم علي رعاية مصالح جميع المواطنين المشاركين في العملية الإنتاجية,ويصل الاختلاف إلي الحد الذي يجيز لنا اعتبارهما اتجاهين متباينين ,فالليبرالية الاجتماعية تؤمن بأن تعظيم الإنتاج هو المدخل للعدالة الاجتماعية,لكن تدخل الدولة بدورها الإشرافي يظل ضروريا لمعالجة الاختلالات التي تنجم عن هذه الآليات.
إنها ليبرالية تنظر للإنسان باعتباره إنسانا فردا وعضوا في مجتمع في آن واحد.انطلاقا من أن الأسواق لاتعمل من تلقاء نفسها وأن سيرها الطبيعي قد لايتيح لكل فئات المجتمع أن تنعم بثماره وقد حدث هذا التطوير عوامل اقتصادية وسياسية وفلسفية.
أما بالنسبة لليبرالية الجديدة,فأهم ما يميزها هو عطاء الأولوية للحرية الاقتصادية ,فهذا الاتجاه يتبني تعريفا للحرية يربطها بالاقتصاد ويهبط بالديموقراطية إلي مستوي يكاد يجعلها مجرد أداة للسوق الاقتصادية بحيث تغدو هذه السوق بمثابة التجسيد المؤسسي للجرية,لذلك فهو يعتبر أي تدخل للدولة باستثناء توفير بعض الخدمات خطوة نحو الشمولية والاستبداد.