استحوذت محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك علي اهتمام المجتمعات العربية والأوربية لما لها من دلالة كبيرة في محاكمة أول رئيس عربي بنزاهة وشفافية ودون إجراء محاكمات عسكرية أو ثورية, وبالرغم من عقد جلستين لمحاكمته فقط إلا أن اليأس الذي تسرب للمصريين لتأخر المحاكمة تلاشي تدريجيا وأصبحت هناك فرصة تاريخية لإجراء محاكمة عادلة ومنصفة.
بعد قرار وقف البث التليفزيوني لجلسات المحاكمات ومسار المحاكمة.. كان لنا هذا التحقيق.
قال الدكتور أحمد كمال أبوالمجد أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة والنائب السابق لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان إن قرار رئيس المحكمة بضم قضيتي مبارك والعادلي لبعضهما البعض لا يجوز التعليق عليه, إلا إذا وجد في ذلك أمر قاطع, كما أن قرار المحكمة بوقف البث التليفزيوني للجلسات حتي صدور الحكم مسألة توزن بميزان دقيق لا يجب التعليق عليه أيضا, نظرا للتأثيرات السلبية المحتملة علي المحكمة وسير القضية.
أضاف قائلا: المحامون الذين عجزوا عن ضبط أنفسهم كما شاهدنا في مشاحنتهم بين بعضهم البعض وغياب التنسيق بشأن من ينوب عنهم في الحديث أدي ذلك إلي عدم خروج رئيس المحكمة إلي الجلسة إلا بعد جلوس جميع المحامين علي مقاعدهم, كل هذا ليس في صالح من ينوبون عنه للدفاع, بل هو إخلال بدورهم, وفي المقابل فإن القضاة أرادوا أن تجري محاكمة عادلة والكل يشهد بذلك.
وأشار أستاذ القانون الدستوري د. أبوالمجد إلي أن قرار عدم بث جلسات المحاكمة تليفزيونيا هو قرار صائب وفي محله لما له من تأثيرات سلبية عديدة, لكنه تساءل في نفس الوقت عن مسألة السماح للصحفيين بمتابعة جلسات المحاكمة, قائلا: أرجو أن تقتصر عملية المنع علي البث التليفزيوني فقط دون الصحف. مؤكدا أن هيبة القضاء وحماية حقوق المواطنين هي بعد متساوي لحقوق المجتمع كله, ولا ينبغي أن يميل الميزان لطرف مقابل الطرف الآخر, وأن العدالة ترضي ضمير المجتمع كله بما فيهم المتهمين.
نموذج للقضاء العادل
أوضح الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع أن سير المحاكمات يسير بشكل طبيعي, حيث إن المتهم وهو الرئيس السابق يمكث أمام محكمة جنايات ومن الواضح أن رئيس هذه المحكمة يقدم نموذجا محترما للقضاء العادل, حتي لو أن ذلك لا يعجب البعض.
أضاف قائلا: الإجراءات تسير بشكل دقيق ولا يخضع فيها أحد لآخر, وإنما يخضع القاضي لنا فقط للإجراءات القانونية, واستنادا علي ذلك فمن حق الدفاع أن يدلي بدفاعه بعد سماع المحكمة لأقوال الشهود, لكنه قد يكتفي القاضي بسماع خمسة أو ستة شهود فقط وليس الرقم الكبير الذي أعلن عنه وهذا سلطة وحق القاضي.
وحول قرار منع البث التليفزيوني الذي أصدر رئيس المحكمة أكد د. رفعت السعيد أن هذا الإجراء هو سلطة مطلقة للقاضي لأنه يمس سير المحاكمة وعدالتها, وكذلك حقق المتهم أيا كان, قائلا: المتهم ليس مسألة فرجة, فالكثير من المحاكم الأمريكية والأوربية تمنع مجرد التصوير الفوتوغرافي, إذا فمن أهم أسس العدالة أن المتهم برئ حتي تثبت إدانته, وهذا الدور هو من صميم سلطة المحكمة والعدالة بشكل مطلق, وحتي يتحقق ذلك نطر
نترك العدالة تسير في طريقها الذي سيستغرق وقتا طويلا.
مؤشرات إيجابية
علق الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام بقوله: قرار ضم قضيتي مبارك والعادلي خطوة مهمة إجمالا, كذلك قرار المحكمة بعدم بث الجلسات المقبلة تليفزيونيا, لأننا شاهدنا التهافت الكبير علي الأضواء والدعاية علي شاشات التليفزيون, مما دفع بعض المحامين المدعين بالحق المدني إلي التشابك بالأيدي, لكن بالنسبة لمجمل سير المحاكمة أري أنها بمؤشرات إيجابية, وأعتقد أن مسألة العلنية كانت مهمة في الجلستين الأولي والثانية.
قال الدكتور رابح رتيب نائب رئيس جامعة بني سويف بخصوص إمكانية الطعن علي حكم المحكمة الصادر: إنه فيما يتعلق بقضايا الجنايات لو صدر بشأنها حكم فيعتبر نهائيا ولا يجوز الطعن فيه إلا من خلال محكمة النقض, أما بالنسبة لحكم المحكمة المتعلق بفرض السرية علي الجلسات المقبلة, فقال: الأصل في المحاكمات أن تكون علنية, وقد تمت العلنية بل وتحققت بالفعل إذ تم بثها في التليفزيون المصري وتناقلتها كل وسائل الإعلام بما فيها القنوات الفضائية والإذاعية, وبالتالي اطمأن الرأي العام إلي أن المحاكمات تسير في جو قانوني, تتخذ فيه كل المواقف والتدابير القانونية الصحيحة, وأن العدالة سوف تأخذ مجراها, كما تتاح الفرصة كاملة الدفاع عن المتهمين, كذلك بالنسبة للمدعين بالحق المدني وشاهد الجميع ذلك, كما تأكد المواطنين من إتمام السيطرة الكاملة والإدارة الجيدة للجلستين السابقتين متمثلة في شخص المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة والمشهود له بالنزاهة والعدالة وإعطاء كل ذي حق حقه.
وبالنسبة للخطوات المقبلة في سير القضية أكد نائب رئيس جامعة بني سويف أنها مخصصة لمن يريد الاطلاع علي ملف القضية في المحكمة, وكذلك الأحراز التي فضها رئيس المحكمة وشاهدها, كما أنه من حق الدفاع الاطلاع علي كل ذلك لكي يؤدي عمله بشكل متكامل ويبني دفاعه في القضية, أما بالنسبة للجلسة المقبلة فهي من صميم سلطة المحكمة التي تباشر القضية.
واستطرد د. رابح قائلا: الكل كان معجبا أشد الإعجاب بإدارة الجلسة والعلنية, خاصة أنه من يحاكم ليس شخصا عاديا وإنما حكم مصر لمدة ثلاثين عاما, لذلك يجب أن يطمأن الرأي العام لما هو مقبلة من جلسات.
من جانبه قال الدكتور وحيد عبدالمجيد مدير مركز الأهرام للترجمة والنشر إن إلغاء البث التليفزيوني, وما حدث خارج المحكمة يعطي انطباعا سلبيا, ورسالة ليست إيجابية وهذا القرار من سلطة المحكمة لكن العدالة تتحقق في مراعاة الظرف العام وضرورة البث التليفزيوني الذي يختلف عن العلنية التي تتحقق بحضور فرد واحد في المحكمة.
أبدي عبدالمجيد دهشته بقوله: ما الضرر الذي أحدثه البث التليفزيوني للمحكمة؟ وأري ضرورة بث المحاكمة حتي لا تصدر قرارات صادمة للرأي العام تكون متأثرة بظروف إجراءات المحاكمة وليس التقصير في المحاكمة مثل قضية قتل المتظاهرين وهي قضية ضعيفة للغاية.
نوه إلي أن قضية العفو عن مبارك تتضمن 3 جوانب أهمها الجانب القانوني الذي يستلزم إصدار أمر العفو من رئيس الدولة, أما الجانب الثاني فهو المتعلق بالحق المدني وهو في أيدي أسر الشهداء ومصابي الثورة الذين لهم كلمة الفصل في ذلك فإن قبلوا التنازل عن دماء أبنائهم مقابل العفو عن الرئيس سيفتح بعدها حوارا مجتمعيا حول إذا كانت مصر ترغب في التنازل عن حقها أم لا, مشيرا إلي أن أي رئيس للبلاد لن يستطيع أن ينظر في قضية العفو إذا لم يكن لديه تفويض من أهالي الشهداء, مشيرا إلي أن البعض يطالب بالعفو لأن الحكم بإدانة مبارك سوف يلتصق به للأبد وفي التاريخ, والبعض الآخر سيطالب بتنفيذ الأحكام تطبيقا للقصاص, ولا أحد يملك ذلك إلا أهالي الشهداء والمصابين.
المصداقية والعدالة
وفي هذا الإطار قال الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إن محاكمة مبارك ستعيد المصداقية للمجلس العسكري لأنه منذ ستة أشهر نتحدث عن مطلب للمتظاهرين يتجاهله الجيش وهو المحاكمة بشكل جعل البعض يعتقد أن ما يحدث تمثيلية, ولكن هذه المحاكمة بما فيها من تطورات خطوة إيجابية لكنها لم تحل المشكلات الكبيرة القائمة والمتعلقة بإدارة المرحلة الانتقالية وإصلاح وزارة الداخلية وتدعيم استقلال القضاء.
من جانبه قال المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق: محاكمة مبارك علي هذا النحو شيء طبيعي لكنها تعتبر أول محاكمة لرئيس سابق في تاريخ مصر والمنطقة العربية, وكل ما نطالب به أن تكون المحاكمة علنية وتتم إذاعتها علي الملأ ليشاهدها الملايين من المصريين حتي تطمئن قلوب الشعب أن الإجراءات التي تم اتخاذها سليمة, وهذا واجب وطني ومحاكمة مبارك سيكون عبرة لمن يعتبر بعد كل الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب المصري مؤكدا أن حبيب العادلي سيكون الشاهد الأساسي علي الرئيس السابق مبارك حتي ولو اختفت بعض الأدلة.
أوضح أنه يمكن تعليق جلسات محاكمة حسني مبارك في حال قدم محامي المتهم دليلا قويا علي مرضه العقلي, وفي هذه الحالة لا يجوز محاكمته وفق قانون الإجراءات الجنائية, موضحا أن العقوبة المقررة علي قائمة الاتهامات التي أحال النائب العام بها الرئيس السابق مبارك هي الإعدام خاصة أن هناك سبق إصرار وترصد قام به مبارك في التعامل مع المتظاهرين, حيث أسندت له النيابة تهمة الاشتراك بطريق الاتفاق مع حبيب العادلي وبعض قيادات الشرطة لارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والمقترن بجرائم القتل والشروع فيها لبعض المشاركين في المظاهرات السلمية التي بدأت منذ 25 يناير احتجاجا علي تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية.