لم يكن مصادفة أن يكون يوم الاثنين – التالي لعيد القيامة المجيد – هو اليوم الأخير في مراحل عمل الميرون.. بل يذكر التاريخ أن البطاركة في كنيسة الإسكندرية كانوا يقومون بتقديس الميرون وطبخه في الجمعة السادسة من الصوم الكبير, وكان في معظم الحالات يتم طبخه وتقديمه إما في الأديرة أو بالكنيسة الملحقة بالمقر البابوي الذي كان ينتقل فيما بين مدينة الإسكندرية والقاهرة, وكان ذلك في عهد 27 من باباوات الكرازة المرقسية – باعتبار أن مارمرقس الرسول هو البابا الأول – الذي أحضر معه الميرون إلي الإسكندرية في العام الثاني والستين بعد ميلاد السيد المسيح, وباعتبار أن هناك خمسة بطاركة قاموا بعمل الميرون مرتين قبل عهد قداسة البابا شنودة الثالث, وهم الأنبا كيرلس الثاني – 1092/1078 – البطريرك السابع والستين من باباوات الإسكندرية, والأنبا أثناسيوس الثالث البطريرك السادس والسبعين من باباوات كنيسة الإسكندرية – 1261/1250 – والأنبا يوأنس الثامن – 1320/1300 – البطريرك الثمانين, والأنبا بطرس الخامس البطريرك الثالث والثمانين من باباوات الكرسي السكندري – 1349/1340 – والأنبا يوأنس التاسع عشر 1942/1928 – البطريرك الثالث عشر.
يعد الميرون الأول الذي أحضره القديس مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية هو أول ميرون صنعه الرسل الأطهار, وهو الخميرة التي أضيفت إلي كل الميرون المقدس في الكنيسة القبطية المصرية علي مر الأزمان والقرون حتي يومنا هذا.. ولتسمحوا لنا – أعزائنا القراء – أن نعود بكم اليوم إلي صفحات التاريخ والمخطوطات القديمة لنصل إلي بداية الخميرة.. يروي آباء الكنيسة:
إن الرسل الأطهار أخذوا المر والصبر وباقي الحنوط التي وضعها يوسف الرامي ونيقوديموس علي جسد مخلصنا – يو 19 – والتي كان وزنها نحو مائة رطل, وكذا الطيب الذي أحضرته المريمات – مر 16 – أخذوا كل هذا إلي علية صهيون دار مريم أم مرقس الرسول وبعد حلول الروح القدس وانتشار البشارة, سحقوا هذه الحنوط وأضافوها إلي زيت الزيتون النقي, وقدسوها بكلمة الله والصلاة وجعلوها دهنا مقدسا – ميرونا – لسر مسحة الروح القدس, خاتما للمؤمن بعد المعمودية, ولقد أخذ منه الرسل في كل كرازتهم المسكونية, وصاروا يرشمون به كل من يؤمن باسم الرب يسوع بعد أن يعتمد, واستمر هذا العمل المقدس بعد ذلك بيد خلفاء الرسل الأساقفة والقساوسة الذين ساموهم في أنحاء المسكونة.
عمل الميرون المقدس بيد قداسة البابا شنودة الثالث هذا العام بدأ في الأسبوع الخامس من الصوم الأربعيني المقدس – الخميس 3 أبريل 2008 – فبعد أن جمعت كل المواد التي يتكون منها الميرون – 27 مادة – قمت بمباركتها بدير الأنبا بيشوي وقام قداسة البابا وعدد من الآباء الأساقفة بزفة مكونات الميرون داخل كنيسة الدير, وفي اليوم التالي – الجمعة 4 أبريل – بدأت عمليات طحن بعض مكونات الميرون التي تحتاج إلي سوق, وكانت الطبخة الأولي بيد قداسة البابا صباح الجمعة 11 أبريل, واستمرت عمليات النقع والطبخات المتتابعة علي مدي الأيام التالية من الصوم الأربعيني المقدس وفق برنامج محدد وضعه قداسة البابا شنودة الثالث.. وكان ذلك لحكمة قالها لنا قداسة البابا إن فترة الصوم فترة روحانية تليق بالأسرار المقدسة فالإنسان وهو صائم يكون في حالة روحية عميقة تليق بالسر.. إلي أن كانت الطبخة الخامسة وإضافة الدرور صباح الأربعاء 16 أبريل, وفي مساء ذات اليوم كان طبخ الميرون, ولما تمت كل طبخات الميرون والغاليلاون نقلت الأزانات إلي شرفية هيكل كاتدرائية الأنبا بيشوي بديره العامر, وفي الصباح الباكر – الخميس 17 أبريل – قام قداسة البابا وبمشاركة 61 أسقفا بتقديس زيت الميرون والغاليلاون.. وتركت كل الأزانات – ثمانية أزانات لزيت الميرون, وأربعة أزنات للغاليلاون المقدس – مغطاة بغطاء من القماش الأبيض حتي كان صباح – شم النسيم – اليوم التالي لعيد القيامة المجيد – 28 أبريل 2008 – فقام قداسة البابا شنودة الثالث بوضع خميرة الميرون, وخميرة الغاليلاون, كل من الأزانات الجديدة, وهي الخميرة التي تناقلت من ميرون إلي ميرون منذ أول ميرون جاء به كاروز الديار المصرية القديس مارمرقس الرسول حاملا إياه من علية صهيون حيث صنعه الرسل الأطهار من الحنوط والطيب التي وضعت فوق جسد السيد المسيح ثلاثة أيام وهو في القبر.
هكذا تم عمل الميرون المقدس للمرة السابعة في حبرية قداسة البابا شنودة الثالث – البابا السابع عشر في بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلفاء مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية – وإلي الميرون الثامن.. والتاسع.. والمائة في حبرية قداسته. أدام الله حياته سنين عديدة وأزمنة سالمة مديدة.