أجواء لبنان مشحونة بالخوف والقلق سواء في الداخل اللبناني أو في الخارج حيث التهديدات الإسرائيلية بشن حرب, ولا تعدم إسرائيل اختلاق الذرائع فتارة تتذرع بسلاح حزب الله وتارة أخري بادعاء نقل سورية صواريخ سكود إلي الحزب.
وسط هذا الجو الملبد بمخاوف اللبنانيين يزداد التوجس من قيام إسرائيل بشن حرب جديدة علي لبنان خاصة مع غياب الضمانات الأمريكية بأنه إسرائيل لن تهاجم لبنان, ومن ثم يظل السلام بالمطقة معلقا والتطرف الإسرائيلي في تصاعد والقضية الفلسطينية في تآكل برغم كونها جوهر النزاع العربي – الإسرائيلي, وفوق كل ذلك ترفض إسرائيل الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر بالجنوب أو تسليم خرائط الألغام الأرضية التي زرعتها بجنوب لبنان.
أما الداخل اللبناني فيلتهب بشدة هذه الآونة وكان مرشحا للوقوع في براثن حرب أهلية جديدة لمجرد تسريبات عن قرار ظني للمحكمة الدولية يعلن في سبتمبر المقبل بإدانة عناصر توصف بغير المنضبطة من كوادر حزب الله اللبناني بقتل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري قبل خمس سنوات.
وسط المشهد الساخن خرجت لقطة يعتبرها المراقبون بمثابة حمام أمان ضد انفجار لبنان من الداخل تمثلت في زيارة العاهل السعودي الملك عبدالله والرئيس السوري بشار الأسد لبيروت في30 يوليو الماضي وكانت دعما للاستقرار السياسي في لبنان المضطرب دائما.
ولعل الحكمة كانت سيد الموقف من طرفي الأزمة رغم حرب البيانات التي تراشقت من حزب الله وحلفائه في قوي 8 آذار المعارضة من جهة وقوي 14 آذار الأكثرية لاسيما زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وبعض قيادات تيار المستقبل من جهة أخري.
وقت الأزمة تبادل الطرفان الاتهامات بالتخوين والتهوين حيث اتهم حزب الله وحلفاؤه الفريق الآخر بتعريض المقاومة للانكشاف ومحاولة تخريب البيئة المؤيدة للمقاومة اللبنانية وتمهيد الطريق لحرب إسرآئيلية جديدة, فيما اتهم الطرف الآخر الحزب بمحاولة السيطرة علي مؤسسات لبنان وتبرئة نفسه من تهمة اغتيال الحريري الأب.
تسريبات القرار الظني للمحكمة الولية خلقت توترا شديدا بحزب الله حتي أن الأمين العام للحزب حسن نصرالله ألقي خطابين علي غير المعتاد خلال ثلاثة أيام حذر فيه وندد وتوعد كل الفرقاء اللبنانيين حال تضمن قرار المحكمة المرتقب أي إشارة لإدانة عناصر من الحزب.
حدث هذا رغم عدم صدور قرار يدين الحزب سوي تسريب صحفي ورد بمجلة دير شبيجل الألمانية تضمن إشارة لوجود أدلة تدين أحد أعضاء حزب الله بالمشاركة في عملية اغتيال الراحل رفيق الحريري.
وتدخلت الحكمة حيث تلاقت الرغبة الحقيقية في درء مخاطر الانقسام بين الفرقاء اللبنانيين. فمن جانبه فضل رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إخطار حزب الله بالقرار الظني المزمع صدوره في شهر سبتمبر المقبل حتي يتمكن الحزب من شن هجمة استباقية علي المحكمة الجنائية الدولية وإسرائيل والأخيرة بالطبع هي المستفيد الأول من الصدام بين اللبنانيين.
هنا قرر حسن نصرالله الكشف عن أسرار عسكرية تتعلق بالتجسس علي طائرات الاستطلاع الإسرائيلية وإن كانت التصريحات تحمل أضرارا عسكرية طفيفة بالحزب.. لكن نصرالله كما يقرر كثير من المحللين يصنع استقرار لبنان في صدارة أولوياته خاصة أن ذكري أحداث 7 مايو 2008 الشهيرة والتي اضطر الحزب فيها للنزول إلي شوارع بيروت لمواجهة قرارات الحكومة اللبنانية التي استهدفت شبكة اتصالاته لاتزال ماثلة في الأذهان.. فالحزب لا يرغب في تكرارها لأن من شأن ذلك أن تتفكك وحدة اللبنانيين وتضعف جبهة المقاومة في هذه المرحلة الخطيرة التي يتزايد معها الخوف بشن إسرائيل حرب جديدة أو نشوب حرب إقليمية بالشرق الأوسط.
هكذا تلاقت رغبة الطرفين – علي حد قول بعض المحللين – ولعل التقارب بين حزب الله وتيار الحريري يحقق مصلحة مشتركة حيث يجنب الأول مخاوف الصدام مع الطائفة الثانية من حيث العدد بلبنان بعد الشيعة وهي السنة, كما يرغب تيار الحريري في تجنب أي هزات جديدة للبلاد تحت أي مسمي حتي لو كان الثأر من قتلة الحريري الأب.
وسط المشهد المهتز بشدة رسمت إسرائيل عبر حرب إعلامية منظمة صورة المتهم افتراضيا بقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير عام 2005 حيث ألقت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأصابع الاتهام للقيادي اللبناني مصطفي بدر الدين الملقب بـالياس صعب وهو صهر القيادي البارز عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في 12 فبراير 2008.
ادعت إسرائيل أيضا أن لبنان يعيش فوق برميل بارود وأن البرميل سوف ينفجر عندما تشير المحكمة الدويلة إلي اسم المشتبه فيه وهو إلياس صعب!
وقالت الصحف الإسرائيلية إن مصطفي بدر الدين ينتمي إلي مجموعة يتراوح عددها ما بين 200 و400 فرد من نخبة المقاتلين الذين تدربوا في إيران وكانوا مسئولين عن غالبية العمليات الانتحارية النوعية التي حدثت في لبنان وأن هذه المجموعات كانت معزولة عن حزب الله من أجل المحافظة علي الأمن الميداني وأن قيادات حزب الله فقط كانت تعرف نشاطها.
يذكر أن رفيق الحريري ولد في مدينة صيدا اللبنانية في سنة 1944 لوالدين كرسا حياتهمها لأبنائهما الثلاثة رفيق وشفيق وبهية. وفي مسقط رأسه صيدا تلقي رفيق دراسته حتي الثانوية وبعدها انتقل إلي بيروت حيث تخصص في شعبة التجارة بجامعة بيروت العربية.
في عام 1965 سافر رفيق الحريري ضمن طموحاته إلي المملكة العربية السعودية فعمل مدرسا ثم محاسبا قبل أن ينخرط في مضمار الأعمال الحرة وتحديدا المقاولات حيث نبغ في بناء فندق بمدينة الطائف بالمملكة في غضون ستة أشهر فقط برغم صعوبة المهمة. وهناك تزوج السيدة نازك عودة.
دخل الحريري معترك الحياة السياسية والاقتصادية في وطنه لبنان قبل تقلده الحكم بسنوات حيث كان يسدي المشورة والنصح ويعزز فرص التوصل إلي حل بين الفرقاء أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي وقعت عام 1975 واستمدت سبعة عشر عاما كاملة.
عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982 كان لشركة الحريري دور ناشط في إزالة ركام النباتات المدمرة وفتح الطرق وهو ما مهد لعودة الحياة الطبيعية للعاصمة بيروت.
في عام 1984 شارك الحريري في اجتماعين بجنيف ولوزان لتحقيق المصالحة اللبنانية. وفي عام 1989 كان وراء التوصل إلي اتفاق الطائف الذي أنهي الحرب ووضع صياغة جديدة للدستور اللبناني.
عاد الرئيس الحريري إلي لبنان عام 1992 ليتبوأ منصب رئاسة مجلس الوزراء بعد 28 سنة عاشها في المملكة العربية السعودية فألف حكومته الأولي في 22 أكتوبر 1992 وبذل جهودا جبارة نقلت لبنان في ست سنوات من بلد يحمل بصمات الحرب إلي لاعب ذي اسم بالساحة الدولية.
في أبريل 1993 أسس الحريري وزارة المهجرين لمساعدة آلاف اللبنانيين للعودة إلي ديارهم. وفي عام 1994 أطلق مشروع إعادة إعمار وسط بيروت التجاري معتبرا أن إعادة بناء قلب بيروت يعيد الحياة إلي لبنان كله. وفي العام التالي 1995 شكل حكومته الثانية.
وفي ربيع سنة 1996 شنت إسرائيل هجوما علي لبنان وتحديدا علي مقر المنظمة الدولية في قانا بجنوب لبنان في إطار عملية أطلقت عليها إسرائيل اسم عناقيد الغضب. وبجهود الحريري الدبلوماسية أرغمت إسرائيل علي قبول تجنيب المدنيين خطر المواجهة العسكرية.
وفي عام 1996 نفسه شكل الحريري أول كتلة نيابية وبعدها ألف حكومته الثالثة. وبعد عامين أريت أول انتخابات بلدية بلبنان منذ أكثر من 35 سنة.
وجاء عام 2000 حيث اختير الحريري لتشكيل حكومته الرابعة بعد فوز كتلته اللبنانية بكل مقاعد البرلمان. لكنه في 20 أكتوبر 2004 قدم استقالة حكومته وبعدها اغتيل في الخامس عشر من فبراير 2005 في مشهد هز لبنان والعالم ولاتزال أصداؤه مدوية.
فطوال خمس سنوات منذ رحيله شهيدا يقف لبنان علي حافة حرب أهلية بسبب البحث عن الجناة الحقيقيين بحادثة الاغتيال.
وحتي أوائل العام الماضي كانت أصابع الاتهام تشير إلي سورية بسبب الخلافات التي حكمت العلاقة بين الحريري الأب والنظام السوري وقت اغتياله حيث كانت سورية تعتبره المحرك الرئيسي وراء قرار مجلس الأمن رقم 1559 والداعي لخروج الجيش السوري من لبنان كما أن سورية كانت تخشي من تصاعد شعبية الحريري داخل لبنان بالقدر الذي يتخطي حدود الطائفية السنية التي ينتمي إليها.
ولأن اغتياله مازال يثير الجدل ويحرك المياه الراكدة في لبنان داخليا وخارجيا لذا يتساءل كثير من المراقبين عن الموقف اللبناني حال إعلان المحكمة في سبتمبر المقبل أسماء المتهمين باغتيال الحريري الأب.. وهل تكفي القرائن التي لدي حزب الله بإدانة إسرائيل في حادث الاغتيال بحيث تدرأ عنه شبهات الضلوع في الحادث.. تساؤلات عديدة سوف تكشفها تداعيات الأحداث خلال الأسابيع المقبلة بعد أن كاد لبنان يقع في حرب أهلية لمجرد تسريب معلومات مستقاة من قريب حزب الله!