بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية وحصول الحزب الوطني علي الأغلبية الكاسحة في مجلس الشعب وتمثيل أحزاب المعارضة بعدد محدود من المقاعد, توقع خبراء وسياسون أن تكون المحصلة العامة لهذا المجلس بتشكيلته الحالية أقل من الدورة البرلمانية الماضية, وعدم وجود تحسن علي مستوي التشريع أو الرقابة علي الأداء الحكومي.
كما حذر الخبراء والسياسيون من استمرار تجاهل الأحكام القضائية واجبة النفاذ ببطلان بعض النتائج وعدم صحة عضوية عدد كبير من النواب, وبالتالي يشكك ذلك في شرعية المجلس الحالي, وطالبوا بضرورة احترام الأحكام القضائية,وعدم ترك فصل صحة عضوية النواب لمجلس الشعب, وتعزيز احترام الأحكام القضائية…حول كل تلك القضايا كان لـوطني هذا التحقيق.
اللجنة لم تستطع مواجهة الانتهاكات
قال حافظ أبوسعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: إن قانون مباشرة الحقوق السياسية نظم عمل اللجنة العليا للانتخابات, إلا أنه في الحقيقة انتزع كل الصلاحيات الحقيقية لإدارة العملية الانتخابية من اللجنة وأعضائها وأعطاها للسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الداخلية, فهي منذ البداية تعد الكشوف الانتخابية وتتلقي أوراق المرشحين وتقيدهم في القوائم الانتخابية, إضافة إل كل ذلك لم تستطع اللجنة مواجهة أي انتهاكات شابت العملية الانتخابية أو تتصدي لها.
واللجنة العليا لم تفعل شيئا في مواجهة المرشحين الذين تجاوزا الحد الأدني المقرر لمعدل الإنفاق علي الدعاية, والمحدد بنحو 200 ألف جنيه فقط, فقد تجاوز بعض المرشحين هذا المعدل وذلك في ظل صمت اللجنة.
كذلك امتناع اللجنة العليا للانتخابات عن تنفيذ أحكام القضاء فيما يخص قيد الناخبين في بعض الدوائر لخوض العملية الانتخابية, وعدم اتباع اللجنة للقواعد والإجراءات المتبعة في اختيار القضاة والمتمثلة في اللجوء إلي الجمعيات العمومية للمحاكم لانتداب القضاة, وفي المحصلة الأخيرة تمثل الأخطاء التي اقترفتها اللجنة العليا في إدارة العملية الانتخابية سببا لبطلان انتخابات مجلس الشعب؟!
إصرار الداخلية بعدم تنفيذ القضاء
من جانبه قال د. مجدي عبد الحميد رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية: إن اللجنة العليا للانتخابات أعلنت أكثر من مرة أنها ستنفذ كل أحكام القضاء الإداري بإعادة المرشحين الذين استبعدتهم مديريات الأمن, إلا أنها أمام إصرار وزارة الداخلية علي عدم تنفيذ أحكام القضاء تراجعت عن ذلك, وهو الأمر الذي أدي بالمحكمة الإدارية العليا لإصدار حكم قضائي تاريخي في 25 نوفمبر الماضي يطالب اللجنة بتنفيذ الأحكام القضائية, ويعتبر استشكالات وزارة الداخلية معدومة الأثر قانونيا, وهو الأمر الذي يشكل إدانة صريحة للجنة العليا للانتخابات,وخاصة حين يدعوها للتمسك باستقلاليتها, والتحلي بروح الحياد والالتزام بأحكام القانون والدستور, وألا تكون عقبة في سبيل تنفيذ أحكام القضاء.
أوضح عبد الحميد أن هذا الحكم التاريخي الذي يدين كل الأجهزة الرئيسية المسئولة عن إدارة الانتخابات, كما أن إصدار القضاء الإداري لعدة أحكام بإلغاء الانتخابات في 24دائرة في عدة محافظات بسبب الإفراط في التدخلات الإدارية والأمنية في سير العملية الانتخابية, هذه التطورات الثلاثة تهدد الانتخابات بالبطلان.
مجلس الدولة ينظر الطعون فقط!
نوه المستشار مجدي العجاتي نائب رئيس مجلس الدولة أن مجلس الدولة مختصر بنظر الطعون الخاصة بقرارات إعلان نتائج الانتخابات وليس مجلس الشعب, وأن المجلس لا ينعقد اختصاصه إلا بالنسبة للطعون الانتخابية المتعلقة بنتائج الانتخابات التي أجريت وفقا لأحكام القانون, مشيرا إلي أن مجلس الدولة له الولاية في نظر نتائج الانتخابات خاصة الدوائر التي تمت الانتخابات فيها دون مراعاة للأحكام القضائية الصادرة من محاكم مجلس الدولة.
أكد المستشار العجاتي أن عدم تنفيذ الأحكام التي صدرت قبل إجراء الانتخابات يلغي كل ما يتبعها, ومن ثم يصبح تكوين مجلس الشعب مشوبا بشبهة البطلان.
من جانبه قال الدكتور إبراهيم درويش أستاذ القانون الدستوري: إنه جري العرف خلال السنوات الماضية علي عدم تنفيذ الأحكام القضائية علي الرغم من أن تنفيذ الأحكام يترتب عليه بطلان مجلس الشعب, لأن كل ما بني علي باطل فهو باطل, وعلي الرغم من الارتكان علي أن مجلس الشعب سيد قراره إلا أن هذا الأمر لايمكن أن يمر مرور الكرام,ومع ذلك لانتوقع تنفيذ هذه الأحكام وسيصر البرلمان علي أن يكون وحده صاحب قرار الفصل في صحة عضوية النواب.
شعور المواطنين بعدم النزاهة!
وفي هذا الإطار قال ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة: إن الأحكام القضائية التي صدرت مؤخرا تتعلق بأمور جوهرية وغير ثانوية كما تزعم قيادات الحزب الوطني, لأن اللجنة العليا للانتخابات لو قامت بتنفيذ هذه الأحكام لتغير الشكل القانوني لبعض النواب, ومن ثم سيعاد النظر في صحة عضوية النواب الحاليين.
أوضح أمين أن الانتخابات شهدت جملة من الانتهاكات من حيث تسويد البطاقات وعدم السماح لمندوبي المرشحين بالتواجد داخل اللجان وكذلك عدم حياد الشرطة في العملية الانتخابية, وكلها أمور تسببت في التشويش علي صحة العملية الانتخابية.
أشار أمين إلي أن الأحكام القضائية ينبغي تنفيذها فورا وأن تتمسك الحكومة بالفصل بين السلطات, وأن يتم احترام أحكام القضاء وتنفيذها دون الارتكان لمقولة إن مجلس الشعب سيد قراره, كذلك ضرورة إعادة الإشراف القضائي الكامل علي العملية الانتخابية بعد أن ثبت أن اللجنة العليا للانتخابات لم تقم بدورها كما يجب ولم يشعر المواطن بنزاهة العملية الانتخابية, وأهمية تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية بما يسمح بمشاركة قطاع كبير من المواطنين في الانتخابات بدلا من عزوف المواطنين عن المشاركة وإحساسهم بعدم الرغبة في المشاركة لفقدانهم الشعور بالنزاهة.
انتهاكات وتجاوزات بالجملة!
من جانبه قال عبد الحميد كمال عضو مجلس الشعب عن حزب التجمع إن الانتخابات الماضية شهدت مجموعة كبيرة من الانتهاكات والتجاوزات, وأشرف علي هذه الانتخابات لجنة مشكلة من الحزب الوطني ولم يكن لها صلاحيات واسعة, وهو ماترتب عليه إجراء انتخابات في مناخ غير متكافئ سمح بظهور برلمان يسيطر عليه الحزب الوطني وعدد قليل من نواب المعارضة والمستقلين, ولو كانت هناك رغبة حقيقية في تنظيم عملية انتخابية مناسبة ما شهدت هذه الانتخابات كل هذه التجاوزات.
أوضح كمال أنه علي الرغم من قلة عدد نواب المعارضة إلا أن حزب التجمع سيكون له دور بارز, والمقاعد الخمسة للحزب داخل البرلمان سيشعر بها المجتمع المصري لما لهولاء الأعضاء من خبرة واتزان في التعامل مع قضايا المجتمع, كذلك بالتنسيق مع ممثلي الأحزاب الأخري سيكون للمعارضة مساحة مناسبة في التواجد, شريطة أن يتفهم الحزب الوطني أن المعارضة لا تطمح في أمور شخصية, وإنما ترغب في الدفاع عن مصالح المواطنين وحمايتها والحفاظ علي استقرار المجتمع وتعديل الأوضاع للأفضل.
شدد كمال علي ضرورة احترام الأحكام القضائية وتنفيذها حتي لا يشكك أحد في البرلمان بتشكيلته الحالية, وأن يحوذ علي ثقة المواطنين للحفاظ علي شرعيته.
دور النواب في الرقابة علي الحكومة
قال رجب هلال حميدة عضو مجلس الشعب: إن حصول أحزاب المعارضة علي عدد قليل يؤكد أهمية تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية والعمل بالقائمة النسبية غير المشروطة بعد أن ثبت أن نظام الانتخاب الفردي لم يعد مناسبا, بل إن نظام الانتخاب بالقائمة ستكون له فوائد أخري وبديلا لكوتة المرأة التي تم العمل بها في هذه الانتخابات وكذلك في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
شدد حميدة علي ضرورة أن يقوم نواب البرلمان الحالي بدور أكبر في الرقابة علي أداء الحكومة والمساهمة في تشريع القوانين بشكل جيد, خاصة التي ترتبط بمصالح المواطنين, حتي يشعر المجتمع بأن مجلس الشعب يبحث عن مصالحه, ولايشعر بأن نواب البرلمان يبحثون عن مصالحهم الخاصة.
نوه حميدة علي أن البرلمان الحالي مطالب بتفعيل قانون الإدارة المحلية بحيث يمكن محاسبة المحافظين ورؤساء الأحياء وسحب الثقة منهم من أجل التصدي للفساد والرشاوي التي أصبحت تعاني منها المحليات, وأصبح المواطن يشعر بأنه إذا لم يدفع الرشاوي أو ما يسمي بالمحسوبية فلن يحصل علي الخدمة التي يريدها.
ضرورة تفعيل البرلمان الجديد
من ناحية أخري, دعت فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة الأهالي إلي ظهور برلمان قوي يعبر عن هموم المواطنين, وأن ينتج عنه مجموعة من القوانين المهمة مثل تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية, وقانون دور العبادة الموحد, وقانون المزايدات وغيرها من القوانين التي تمس المواطن.
من جانبه قال الكاتب يوسف القعيد: إن الحكومة عليها إثبات جديتها في تحسين الحريات في المجتمع, ومنح الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني فرصة أكبر في الشأن العام, وأن يكون هناك تنوع في الحلول المطروحة لمواجهة قضايا المجتمع, وعدم الانفراد بوجهة نظر واحدة.
أما صفوت جرجس مدير المركز المصري لحقوق الإنسان, فطالب بإعادة إجراء الانتخابات البرلمانية لما شهدته هذه الانتخابات من تجاوزات وظهور مئات الطعون بأحكام قضائية واجبة النفاذ, ومن ثم هذا البرلمان لم يحصل علي شرعيته ولا يتمتع بالتمثيل المناسب, وهيمنة الحزب الوطني عليه أمر غير مطلوب.