أصبحت ظاهرة غزو المنتجات الصينية للأسواق المصرية من أكثر الظواهر المثيرة للقلق وعلامات الاستهفام ليس فقط علي المستوي الاقتصادي بل أيضا علي المستوي الأخلاقي حيث أصبح ذلك الغزو نموذجا فكريا اجتماعيا معاشا أكثر منه نموذج اقتصادي يهدف إلي تحقيق الربح المادي.. لهذه الظاهرة خصص برلمان شباب وطني جلسة لمناقشة أبعادها والسبل الجادة لمواجهتها نظرا لتأثيرتها السلبية علي الاقتصاد المصري.
في البداية تناول بيتر رؤوف بدايات الظاهرة وأشار إلي أنه منذ سنوات قليلة بدأ الغزو الصيني لمصر علي استحياء وذلك بعدد من الشبان والفتيات الصينيات حيث يطرقون أبواب المنازل حاملين حقائب تحتوي علي ملابس وأدوات منزلية ولعب أطفال رخيصة الثمن عما هو موجود في الأسواق المصرية ورويدا رويدا بدأت تلك الظاهرة تتسع من خلال إغراق الأسواق المصرية بملابس رخيصة الثمن والتي لاقت رواجا هائلا من قبل الطبقات المصرية محدودة الدخل وقد شجع نجاح تلك المنتجات الصينية في أسواقنا إلي إغراق كامل للسوق المصرية لعديد من المنتجات رخيصة الثمن من لعب أطفال وفوانيس رمضان وموبايلات ولم يصل الأمر عند هذا الحد بل أخذ لمنافسة المنتجات المصرية صاحبة الشهرة مثل صناعة الأثاث والتي اشتهرت بها دمياط حيث كانت تنتج ثلثآثاث مصر إلا أنها الآن أصبحت تتعرض لخطر كبير من الآثاث الصيني رخيص الثمن, وقد امتد الأمر إلي منافسة الصناعات اليدوية المصرية والتي اشتهرت بها بعض المناطق كخان الخليلي فإذ بنا اليوم نري تحف وتماثيل وأطباق وميداليات فرعونية صيني بأسعار رخيصة وجودة تنافس المصنوعات المصرية وتهدد عرشها.
وذكرت رضا سمير بعض الأسباب التي أدت إلي انتشار المنتجات الصينية ألا وهي المنتجات الصينية تتمتع بجودة مناسبة وبسعر أقل وهذا هو ما يتمناه كل مستهلك في السلعة التي يريد شراءها وارتفاع أسعار السلع والمنتجات الوطنية مقارنة بالمنتجات الصينية.
الغلاء المعيشي مع ضعف الدخول والرواتب أدي إلي لجوء الأفراد إلي الأرخص حتي لو كان هذا علي حساب منتجاتهم الوطنية بالإضافة إلي زيادة أعباء الحياة وزيادة متطلباتها أدت إلي لجوء الأفراد إلي الشراء بأقل الأسعار والأهم من ذلك هو عدم الشعور من جانب المستهلكين بأهمية منتجاتنا الوطنية. بالإضافة لعدم تشجيع الدول للأفراد من خلال تحفيزهم علي إقامة مشروعات صغيرة في كل بيت مثلما يحدث في الصين والاستسلام بالأمر الواقع وعدم الرغبة في التطوير والتغيير.
أما حنان حسن فذكرت بعض البيانات عن حجم التبادل التجاري بين البلدين وقالت: منذ عام 1950 وحتي 1991 وباستثناء سنوات قليلة كانت قيمة التجارة الثنائية أقل من مائة مليون دولار أمريكي, ولم يكن الفرق في التجارة بين البلدين كبيرا, لكل منهما فائض أو عجز بصورة متبادلة, ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي, ازداد حجم التبادل التجاري بين الصين ومصر كثيرا ليبلغ 1.09 مليارات دولار أمريكي عام 2003 ثم بلغ 1.577 مليار دولار أمريكي عام 2004 بزيادة 44.7% عن نفس الفترة من العام السابق. وفي عام 2005 وصل 2.145 مليار دولار أمريكي بزيادة 36.1% عن نفس الفترة من العام السابق, فبلغت قيمة الصادرات الصينية 1.934 مليار دولار أمريكي وقيمة الواردات الصينية 211 مليون دولار أمريكي ويلاحظ هنا اتساع الفجوة بين الرقمين حيث تبلغ صادرات الصين إلي مصر ما يقارب عشرة أضعاف وارداتها منها.
ومن بين المنتجات الرئيسية التي تصدرها الصين لمصر:
الأزياء, الغزل الرفيع, المنسوجات ومنتجاتها, الأحذية, الحقائب, وجميع هذه المنتجات جري العرف طويلا علي التميز المصري في إنتاجها من قبل, ثم الأجهزة والماكينات العادية وقطع غيارها, وماكينات المحركات وأجهزتها, منتجات الاتصالات والمعلومات الصوتية. بينما تتركز معظم واردات الصين من مصر في مواد خام أولية التصنيع مثل: الرخام: الفولاذ والحديد, سبائك الألومنيوم, البترول ومشتقاته, المنتجات غير المعدنية, القطن الطويل, الكتان, الغزل وبعض المنسوجات.
أما عن النتائج الوخيمة لإغراق الأسواق المصرية بالمنتجات الصينية فقد دلل عليها بتر رؤوف قائلا:
بالتأكيد لهذا الغزو الصيني المبالغ فيه للأسواق المصرية آثار سلبية ونتائج عكسية علي الاقتصاد المصري تحديدا, فإذا أصبحنا نعتمد اعتمادا كليا علي ما نستورده من الصين فأين ستذهب منتجاتنا المصرية ومن سيشتريها وما هو مصير منتجنا المصري؟ وهذا أول الآثار السلبية التي تترتب علي نفس المنتج الصيني في أسواقنا المصرية.
كما أن ذلك يؤثر بشكل كبير علي سمعة المنتج المصري خارجيا علي وجه التحديد لأننا إذا كنا لا نستطيع أن نفرض منتجنا في أسواق بلادنا, وإذا كنا غير قادرين علي كسب ثقة المستهلكين المصريين فكيف نستطيع كسب ثقة المستهلك الأجنبي وفرض منتجاتنا في أسواق الغير ونحن لا نعرضها في أسواقنا؟!
أيضا إذا استمرت تلك السيطرة الصينية علي أسواقنا دون منافسة من منتجاتنا المصرية فماذا سيكون مصير المصانع المصرية. بالتأكيد ستتعرض إما إلي حالة إفلاس شديد, وتغلق أو تلجأ إلي تسريح الأيدي العاملة والاستغناء عنها تماما لتوفير مصادر إنفاقها, وفي كلتا الحالتين ستتفاقم مشكلة البطالة التي نواجهها ولم نعد قادرين علي حلها في ظل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الطاحنة.
وأعربت رضا سمير عن آمالها في القضاء علي هذا الغزو بتقديم بعض الحلول ومنها تقوم الدولة بعمل مصانع جديدة, وتقوم بتوفير الدعم لهذه المصانع وأن توفر لهم الموارد اللازمة لتصنيع منتجات بتكلفة أقل وبالتالي تقديمها للمستهلك بأسعار أقل.
يجب علي كل مصري ألا يعطي الفرصة لرواج هذه المنتجات الصينية ويتمسك بمنتج بلده, ويجب علي الدولة أن تقوم بزيادة المرتبات حتي لا تقف قلة أسعار المنتجات الصينية حافزا للمصريين علي شرائها مع مراعاة أن تضع تشريعات تحد من انتشار المنتجات الصينية.
يجب أن يشعر الأفراد بأهمية المنتجات الوطنية وأن زيادة شرائها سيؤدي إلي زيادة الدخل القومي.
وهذه بعض الحلول التي قد تساعد علي رواج المنتجات المصرية مرة أخري في الأسواق المصرية والعالمية.