زماننا زمن التباهي,ومجتمعنا مجتمع المظاهر-سامحوني علي التعبير-مجتمعالفشخرة وبمقاييس اليوم كل شاب وفتاة يتفاخرون بذويهم(بابا دكتور,ماما مهندسة,جدو كان وكيل وزارة سابق)أما أنا يا سيدتي فليس لدي ما أتباهي به وسط الناس,إذ أنتمي لعائلة بسيطة جدا,من الأرياف,جدي كان إسكافيا وأمي ربة بيت,أما أبي فهو محور مشكلتي للأسف,لأنه الشخص الوحيد الذي لابد أن أذكر مهنته في كل مكان أسأل فيه عنه.
طيب القلب,حنون,يسعي كي يطعم أسرة مكونة من أربعة أبناء وابنة وأم وزوجة,يضحك كثيرا ويسعد كل من حوله حتي لو كان قلبه يعتصر ألما,هل علمت ماذا يمتهن؟إنه البلياتشووليس البلياتشو بشكله المتطور الذي ينتمي إلي السيرك وإنما الذي يعمل في الموالد والحفلات,باختصار بابا أراجوز.
أما أنا فطالبة في السنة الثانية من كلية الآداب بجامعة بنها قسم فلفسة,ومثلي مثل غيري من الفتيات أحلم بتغيير واقعي الحالي إلي الأفضل,لا أتنصل من عمل أبي ولا أتنكر له,لكن أجد شعورا غريبا ينتابني عندما اضطر إلي الإفصاح عن عمله,تتلاطم في ذهني علامات الاستفهام فماذا أقول لزميلاتي وأساتذتي بالجامعة؟! إني أتصبب عرقا,أشعر بالخجل…لا لا….إنه أبي لا يمكن أن أخجل منه,لكنه لا يعمل عملا يدعو للافتخار,أتخبط أسافر بخيالي بعيدا بعيدا فأعيش أحلام اليقظة بأن عمله تغير وأصبح صاحب أراضي,أو عمدة قريتنا مثلا,أو أنني عدت للخلف فلم أدرس بالجامعة وظللت في بيت أبي أراعي دجاجات أمي في منزلنا الصغير,وألهو بين الحقول المحيط به,ولا أعير المجتمع التفاتا.
أفيق علي صوت صديقاتي تتساءلن:ها…رحتي فين؟فلا أملك إلا أن أنخرط معهن في أحاديث أخري,أعود إلي بيتي محملة بذنوب الدنيا فأنا ابنة جاحدة لأبيها كاذبة تغش من حولها طمعا في عمل لائق-مستقبلا-أو طمعا في عريس أو غيرة ممن حولي,يأتي أبي في المساء يربت علي كتفي قائلا:مش عاجبني حالك يابنتي مالك يا نوارة عيلتنا؟.ثم يقول لي:لك عندي هدية,وأحيانا يقدم بالونا يرسم عليه وجهي بالألوان,لأبدو مثله أراجوزا صغيرا.لم أعرف آنذاك أسعد بحب أبي أم أحزن لأن حبه لي لم يصورني أمامه إلا أراجوزا صغيرا.
أشعر بدفء حنانه كالنار في صدري فيحرقني بدلا من أن يدفئني,كالطوفان يغرقني ويعصف بي بدلا من أن يرويني,فأتفجر باكية وهاربة من وجهه حتي كاد يشك أن مكروها أصابني وأخفي عنه شيئا,أنا لا أستطيع مواجهته ولا أستطيع تركه حائرا قلقا علي حالي,ولا أتمكن من التخلص من مشاعري السلبية تجاه عمله,فماذا أفعل؟
لصاحبة هذه المشكلة أقول:
كثيرات عشن يتمنين أبا حنونا فقط أيا كانت مهنته أو وضعه الاجتماعي,وضنت الأيام بذلك عليهن,فحرمن مما تتمتعين أنت به الآن ولا تعرفين قيمته,فالدنيا يا عزيرتي لا يمكن أن تمنحنا كل ما نتمناه,وعلي المرء منا موازنة أموره فأيهما الأفضل لك الحنان والحب أم المنصب والوضع الاجتماعي؟أعرف أسرا كثيرة يحتل الأب فيها مكانة مرموقة في عمله بينما هو غير موجود في حياة أبنائه وإن وجد فيكون ذلك بالصورة السلبية.
عزيزتي نحن لا نختار والدينا ولا موعد ميلادنا لكننا نختار أصدقاءنا الذين يتناسبون مع ظروفنا الاجتماعية وظروف نشأتنا فإذا كان زملاؤك سببا في سخطك علي والدك,عليك أن تراجعي نفسك في صحبتهم فمن يتناسب معك احتفظني به ومن لا يتناسب دعيه,ومن يقيمك علي أساس وضعك الاجتماعي بغض النظر عن شخصك,فالاستغناء عنه خير ما تفعلين,الأب ليس اسما في بطاقة هويتك,إنه إنسان مثلي ومثلك له نصيبه من الحياة وظروف نشأة وتعليم اجتهد أن يؤهلك لتكوني أفضل منه حظا فيها.
ولا يعني كلامي أنك ناكرة ولكن فقط أوضح لك الأمر فرفقا ببنوتك فما تشعرين به شعورا مرحليا لابد أن تمري به حتي تتخلصي منه للأبد ولا يعاودك مرة أخري,بل إنه شعور طبيعي بعد أن التحقت بالجامعة,ولتحمدي الله علي الصراع الذي تعانينه الآن لأنه دليل حبك,وإحساسك بالذنب تجاه أبيك بسبب خجلك من مهنته.ربما لا تصدقيني ولكن دعينا ندرس الأمر سويا لتعرفي كيف وصلت إلي هذه النتيجة…هل كنت تشعرين بتلك المشاعر قبل التحاقك بالجامعة أم أنها جديدة عليك؟هل تشعرين بها أينما تواجدت أم أنها قاصرة علي محيط زملائك في الدراسة؟هل استجبت لها بالكذب عليهم أم بالصمت والهروب؟أما عندما حلمت فكان حلمك إما بالتقدم من جانب أبيك أو بالتراجع من جانبك إلي ما كنت عليه قبل الدراسة الجامعية وهذا يعني أنك لست أنانية وتبحثين عن نقطة تلاقي تعودين بها لأحضان أبيك فتنهلين من الحنان والطمأنينة ما تتمنيه دون مؤرق أو منغص.
كل هذه المشاعر دفعتني للحكم عليك أنك لن تستسلمي للنكران والجحود,ويبقي أن تعرفي ذلك وتحوليه في أسرع وقت إلي حقيقة لتتخلصي من العذاب الذي تشعرين به.وليكن البدء بمصارحة زملائك بانتهاز أية فرصة والإفصاح عن عمل أبيك.
وأخيرا أقولك لك:من الممكن أن نعوض زميلا أو زميلة,عريسا أو حبيبا رفقاء الطريق جميعهم متغيرون في حياتنا,لكننا حينما نفقد آباءنا نفقدهم للأبد ولابديل ولا عوض عنهم.
ردود خاصة جدا:
للسيدة(ن, ج,د)
من الممكن أن تبرر المرأة سرقة زوجها ببخله أمام من يضبطها تفعل ذلك,ولكن كيف تبررينها أمام الله؟وكيف تربين في أبنائك خبرات إيجابية تجاه العطاء والتضحية حينما يرونك لا تهتمين سوي بالأخذ خاصة الأخذ خفية حتي ولو كنت تصرفين ما تسرقينه علي المنزل,فهناك حلول كثيرة يمكنك اللجوء إليها بخلاف استحلال سرقة زوجك البخيل.
للدكتور(س,أ,س)
عملك كطبيب يحملك مسئولية كبيرة في احترام المبادئ التي أقسمت بالحفاظ عليها وإذا كنت لا تستطيع ضبط نفسك أمام الجميلات اللاتي يترددن عليك باعتبارك شابا,عليك بالاستعانة بأحد الزملاء أو الزميلات أو الممرضات الدائمات أثناء توقيع الكشف حتي تتمكن من ضبط انفعالاتك التي إذا ما بدت عليك مرة تلو الأخري ستكتسب علي أثرها سمعة تضر مستقبلك المهني.وكما ذكرت في رسالتك أنك أصابك الرعب بسبب أستاذ الجامعة الذي ألقي القبض عليه في ظروف مشابهة فما بلك بطبيب في مقتبل مشواره المهني؟
للجيران الأشقياء كما دعوا أنفسهم:
يقول المثلاختار الجار قبل الدار,ولكن في هذا الزمن يجد دارا ولو كان بجيرة الشيطان لن يتركه خاصة إذا كان رخيص الثمن,فلن أستطيع النصح بترك المنزل واستبداله بآخر لمجرد أن مالك العقار رجل يهوي الشجار يوميا مع أي منكم ,وأن أولادكم يصعب عليهم الاستذكار أثناء الامتحانات,أو أن ألفاظه النابية تجرح حياء زوجاتكم وبناتكم,كما لا انصح بعمل محاضر رسمية له في قسم الشرطة فهذا النوع من البشر قد ينتقم بشكل أو بآخر.ولنجرب تدخل أحد ذوي النفوذ ورجال الدين في المنطقة التي تسكنون بها ربما يهتدي.ولنتابع سويا فإذا لم تفلح تلك الحيلة فلنجرب أخري بناء علي ما سيؤتيه من رد فعل.
———
حول مشكلة العدد الماضي
علي أثر نشر مشكلةطعم المرفي العدد الماضي وصل إلي باب افتح قلبك
مساعدتها لصاحبة المشكلة ذوي القلوب الرحيمة قدرها2000 جنيه.