المجد لله في الأعالي…وعلي الأرض السلام وفي الناس المسرة…بهذه الآية ترنمت الملائكة تسبيحا بمولد الرب يسوع وسط نور سماوي صادر عن نجم كبير…دلالة علي أن المولود ملك… ملك الوجود جاء لينقذ العالم من خطيئة آدم ويسمو بالبشرية نحو السلام والمحبة…ويضع لمحبيه تاجا سماويا يعلو تيجان الأرض لهذا تحتفل الكنيسة القبطية يوم 7 يناير من كل عام بعيد ميلاد السيد المسيح له المجد…ليشرق نورك يارب علي البشر في كل المسكونة…كما أشرق علي كل من كان في مزودك الوديع…وليفرح كل قلب في عيد الميلاد المجيد…ويبتهج كل حزين حتي يعم السلام والمحبة علي الأرض.
والإنسان في عالمنا المعاصر تطحنه الماديات وتتقاذفه المشاكل والحروب…ويمزقه الرعب الذي أصبح علامة هذا العصر…نتيجة للإرهاب الذي يشيع في كل مكان…ومع ميلاد عام 2009 كم تهفو قلوبنا إلي ذلك السلام وتلك المسرة التي تبعثها المحبة من الله.
منذ ذلك الميلاد وظهور المسيحية وصور الرب يسوع ومعجزاته تشغل بال وفكر الفنانين في جميع أنحاء العالم.
وفن الأيقونة مرتبط بطقس الكنيسة والعقيدة الراسخة في نفوسنا إلي الأبد…والأيقونات توزع علي جدران الكنيسة حسب الطقوس القبطية..تحكي أحداث حياة القديسة مريم عندما جاءها الملاك يبشرها بميلاد المسيح ممثلة في أيقونة البشارة…ورحلتها مع يسوع المسيح والميلاد العجيب.
وأيقونة الميلاد وفيها جاء الرعاة إلي بيت لحم عندما أخبرها الميلاد…لينظروا الأمر الواقع الذي أعلمهم به الرب…ويضئ وجوه كل من اجتمع حوله…إنه أبرع جمالا من بني البشر.
والمجوس الذين أرشدهم نجم ساطع من السماء إلي حيث ولد المسيح وأتي إلي العالم نورا واضحا يحمل السلام والمحبة…وموضوع الأيقونة يمثل القديسة الطاهرة العذراء مريم وطفلها يسوع المسيح ومن حولها المجوس ساجدين تمجيدا لمعجزة السماء نلمس فيها التعبيرات التي ارتسمت علي وجوه كل المحيطين بالمولود…نراها ونحس بها إحساسا بالغ العمق من خلال ابتسامة القديس يوسف النجار…وكل الوجوه الهلعة المحيطة بالعذراء والطفل يسوع يتسرب منه نور قدسي عجيب…ذلك النور الإلهي يلمس وجوه تلك الشخصيات وأطرافها لمسا رقيقا يختلف في نوعه عن أي شعاع لنور آخر…وطوبي لمن نظر إليه واستنار لأنه لا يخزي.
كما نجد في الأيقونة رموزا كثيرة يحار في تفسيرها الكثيرون…ممثلة في الهدايا التي قدمت للطفل يسوع المسيح من المجوس وهي ذهب ولبان ومر ترمز في دلالتها إلي الصفات التي تكمن في الرب يسوع المسيح…فالذهب رمز لملك الملوك واللبان رمز اللاهوت والمر دلالة علي عذابات وآلام السيد المسيح له المجد.
مع يوم الميلاد العجيب…والبشر يعيشون أحداثه وتعاليمه…حيث ولد المسيح له المجد ليضئ الحياة نورا وسلاما ومحبة…هكذا تم الوعد بمجئ المخلص…والدعوة الإلهية إلي العائلة المقدسة للهروب إلي أرض مصر…خوفا من شر هيرودس ملك اليهود…حيث خاف الملك علي عرشه من الرب يسوع المولود…وكيف نجا من الموت المدبر ورحلة العائلة المقدسة إلي مصر ومنها ثانية إلي فلسطين.
كان مفروض أن يعود المجوس إلي هيرودس ولكن حذرهم الله في حلم…فانصرفوا إلي كورتهم في طريق آخر…وإذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف النجار في حلم وأمره أن يأخذ الصبي وأمه ويهرب إلي أرض مصر ويبقي هناك حتي يعلن له الرب بالعودة في الوقت المناسب.
خرج يوسف النجار ليلا من بيت لحم ومعه القديسة العذراء مريم تحمل طفلها بين ذراعيها ومعهم سالومي قاصدين أرض مصر عن طريق سيناء…وظلت تنزح من مكان لآخر حتي وصلت إلي أراضي الدلتا…وفي منطقة عين شمس بالمطرية انفجر نبع ماء عذب بعدما حول يسوع له المجد ماءها الأجاج عذبا ليشرب الطفل ومن معه بجوار شجرة جميزة عتيقة استراحت تحتها العائلة المقدسة ليطلق عليها الآن شجرة مريم بجوار كنيسة العذراء بالمطرية.
وبعدها رحلت إلي مصر القديمة ومنها إلي البقعة التي أقيمت عليها كنيسة العذراء مريم بالمعادي,ثم أقلعت العائلة في إحدي المراكب الشراعية إلي الصعيد…واستقر بها المقام في مغارة جبل أسيوط بجوار درنكة بأسيوط…حيث أقدم مزار أقيمت قبالته أكبر كنيسة بالصعيد وهي كنيسة القديسة العذراء مريم الأثرية…وقد بارك يسوع المسيح هذا المكان..وتعتبر الكنيسة الوحيدة علي وجه الأرض التي دشنها الرب يسوع بيديه الطاهرتين وقال فلتدم البركة في هذا المكان إلي الأبد وهكذا يكون لك مذبح وسط أرض مصر علي لسان النبي أشعياء…كما أن زيارة رحلة العائلة المقدسة كانت بركة وسلام في كل أرض مصر…وهكذا تباركت الأرض التي مشي عليها المسيح…وتم قول الرب علي فم أشعياء النبي مبارك شعبي مصر.
اهتم بعض الفنانين في مصر والعالم برسم الموضوعات المستلهمة من الكتاب المقدس برموز وأشكال بسيطة…ومن الفنانين المصريين الذين عبروا بكل صدق وإيمان عن مشاعرهم لحياة وآلام السيد المسيح له المجد…والسيدة القديسة العذراء مريم ومعجزات الكتاب المقدس…كل من الفنان إيزاك فانوس أحد رواد فناني الأيقونات القبطية,والفنان يوسف نصيف,والفنانة بدور لطيف,والفنان يوسف جرجس عياد,والفنان فيكتور فاخوري,والفنان مجدي وليم,والفنان جرجس لطفي وغيرهم من الفنانين المصريين.
نلمس في أعمالهم الإحساس بالروحانية وإبراز الحدث الجليل…بناء علي التعاليم القبطية تتمثل في لوحة الميلاد العجيب ولوحة المجوس ولوحة العائلة المقدسة ورحلتهما إلي مصر…ولوحة عيد الغطاس المستوحاة من الظهور الإلهي وهي ذكري عماد السيد المسيح له المجد…وتحتفل به الكنيسة القبطية يوم 19يناير.
عبر الفنان بالضوء عن وجود الله النور الإلهي ورمز الحمامة بالروح القدس تحل علي جسد الرب يسوع المسيح وهو في الماء يعمده يوحنا المعمدان…فقد جمع الثالوث المقدس في وحدة كاملة الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين وهو تعبير عن علاقة الحياة ورمز الخلاص في إيقاع جمالي منسجم تحسه البصيرة وتراه العين.
كما نجد أيضا الشمولية في تكوين الأيقونة والمشاهد المتنوعة في نسيجها الفني…بأسلوب ذي أصالة بالغة القوة والتعبير عن مجئ السيد المسيح للعالم…ورحلته المقدسة إلي مصر…وبمعموديته التي تعمل علي تجديد نفوسنا من خلال روح الله القدوس.