بمع اقتراب الحملة الانتخابية الرئاسية في عام 2008, يجد الناخبون الأمريكيون أنفسهم في موقف فريد, بل ومضطرب. فاستطلاعات الرأي تشير إلي أن البلاد ضالعة في حرب تعارضها أكثرية الأمريكيين. وبعد حوالي ستة أعوام علي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, فإن الخوف من حصول هجوم إرهابي آخر لايزال يعشش في وعي عامة الناس. أما النظرة الاستشرافية للناخبين حول المظاهر المتعددة للمسائل المحلية إنما تلونها المخاوف المتعاظمة. فدوامة الاستياء الشعبي تأخذ مجراها علي خلفية من النقد الساخر المتفشي تجاه قادتنا المنتخبين, فيما يوازن ذلك إحساس بأن السلطة المؤسساتية المتمثلة في القوة التي تملكها الحكومة الأمريكية هي وحدها التي ستكون قادرة علي مساعدة البلاد في التغلب علي التحديات التي تواجهها هذه الأيام.
في وسط هذا الاضطراب, فإن الهيئة الانتخابية في الولايات المتحدة, التي تكون عادة متحفظة إزاء التغيير الجذري في الأوضاع القائمة, أصبحت الآن أكثر توترا بالنسبة لاستمرار المحافظة علي الوضع القائم. فاستطلاعات الرأي الحالية تظهر أن 19% فقط من الأمريكيين يعتقدون أن البلاد تتجه في المسار الصحيح, وهي قراءة تعتبر الأكثر انخفاضا منذ عشر سنوات. في شهر يوليو 1997, كان 44% من الشعب الأمريكي يشعرون أن البلاد تتجه في المسار الصحيح, فيما كان 40% منهم يشعرون أن السياسة الأمريكية تسير في الاتجاه الخاطئ. أما الآن فيعتقد 78% من الأمريكيين اعتقادا كاملا بأن سياسة الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الخاطيء.
واتساع نطاق عدم الرضا لدي الناخبين قد خلق رغبة ملموسة لديهم في التغيير في الولايات المتحدة علي ثلاث جبهات أساسية: تحسين الأمن القومي داخليا وخارجيا, المشاركة في الرفاهية والازدهار في الاقتصاد المحلي, وتعزيز محاسبة ومساءلة الحكومة أمام الناس الذين تنوي خدمتهم.
القلق الشعبي حول مسائل الأمن والإرهاب
في حين تحول مزاج الهيئة الانتخابية تحولا دراماتيكيا في الأشهر الثلاثة الماضية, فإن بعض الحقائق السياسية سوف تبقي قائمة خلال عام .2008 وربما ستبقي الحقائق الأكثر بروزا وأهمية هي هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001, وما أعقب تلك الهجمات ونتج عنها, والتي لا تزال تحدد بمقدار كبير أيامنا وسياساتنا الحاضرة.
فوفقا لاستطلاعات الرأي للناخبين الخارجين من مراكز الاقتراع والتي رافقت دورتي الانتخاب الماضيتين, فإن المخاوف حول الإرهاب قد برزت كثيرا. خلال عام 2004, عبرت نسبة 19% من الناخبين أن ما يشغلهم في الدرجة الأولي هو مسألة الإرهاب,وهي نتيجة تأتي في الدرجة الثانية بعد المسألة الاقتصادية التي حازت علي 20%. وعلي نحو شبيه بذلك, ففي عام 2006, اعتبر 72% من الناخبين الأمريكيين أن الإرهاب يشكل مسألة مهمة عند اتخاذهم قرار التصويت. وأنه في شهر سبتمبر 2006, في آخر مرة وجهت فيها شبكة أخبار آي بي سي هذا السؤال, أفاد ثلاثة أرباع الأمريكيين تقريبا (74%) أنهم يخشون من حصول المزيد من الهجمات الإرهابية الكبيرة علي الأراضي الأمريكية, وقد عبر 29% منهم عن قلقهم البالغ من حصول ذلك.
ازدياد التشاؤم علي الجبهة الداخلية
في الوقت الذي ما زال فيه كل من موضوع العراق وموضوع الإرهاب يحتلان العناوين الرئيسية, فإن قلق الناخبين علي الجبهة الداخلية إنما هو كثيف بنفس القدر. وفي الواقع ان استطلاعات الرأي للناخبين الخارجين من مراكز الاقتراع في عام 2006 أظهرت أن مقدار القلق حول المسائل الاقتصادية يتساوي مع المخاوف حول الأمن القومي, والعراق, والأخلاقيات. وعندما طرح عليهم تساؤلا عن مدي أهمية المسائل المختلفة علي اتخاذ قرارهم الانتخابي في اختيار أعضاء الكونجرس, فإن 82% من الأمريكيين قالوا إن الاقتصاد هو إما بالغ الأهمية (39%) وإما مهم جدا (43%). وذلك مقارنة مع 74% من الذين اعتبروا الفساد والأخلاق كمسألتين بالأهمية نفسها منهم 41% اعتبروا هاتين المسألتين في أقصي درجات الأهمية, كما أن هناك 67% اعتبروا أن العراق يشكل مسألة مهمة منهم 35% اعتبروها مسألة في أقصي درجات الأهمية, و72% اعتبروا الإرهاب مسألة مهمة و39% منهم وضعوها في أقصي درجات الأهمية.
ومنذ انتخابات عام 2006, صار اهتمام الناخبين بمسائل الاقتصاد أكثر بروزا. فثلثا الذين استطلعت آراؤهم أي 66% من الأمريكيين اعتبروا الظروف الاقتصادية للبلاد بأنها مجرد مقبولة (43%), أو سيئة (23%). بينما لم تزد نسبة الأمريكيين الذين قالوا إنها ممتازة عن 5% و29% منهم اعتبروا أنها جيدة. أكثر من ذلك, أن غالبية قدرها 55% من الأمريكيين تعتقد أن الاقتصاد القومي ينحدر نحو الأسوأ. بينما اعتقد 28% منهم أن الاقتصاد باق كما هو, وهذا تشخيص ليس ايجابيا بمكان, و16% أن الاقتصاد سائر نحو التحسن. إن المخاوف الاقتصادية الأمريكية قد تبدلت مع الأيام. فالوظائف الآمنة المرتفعة الدخل لا تزال مسألة تنال اهتماما مركزيا, ولكن في البيئة التي بات يجد فيها العاملون الأمريكيون صعوبة متزايدة في التماشي مع كلفة المعيشة الآخذة في الارتفاع, أصبح الناخبون يضعون الكلفة المعقولة للعناية الصحية في أولويات اهتمامهم الاقتصادية. عندما طلب إليهم أن يختاروا الموضوع الاقتصادي الذي يثير أشد قلقهم الشخصي فإن أكثرية قدرها 29% من مجمل المقترعين اختاروا ارتفاع كلفة العناية الصحيحة, وهي نسبة أعلي من الذين اختاروا ارتفاع الضرائب (24%), ومن نسبة الذين اختاروا تقاعدا مضمونا (16%), ومن الذين أبدوا قلقهم من فقدان الوظيفة (11%), أو من نفقات أخري من أمثال العناية بالأطفال وتعليمهم (10%). فالأمريكيون الذين يصفون توفير العناية الصحية كإحدي دعائم الحلم الأمريكي يعتبرون الآن الارتفاع القياسي لنفقات العناية الصحية يشكل تهديدا مباشرا لتحقيق حلمهم هذا.
يضاف إلي ذلك, أن تيار العولمة يجبر العمال الأمريكيين علي أن يتنافسوا مع عمال من ذوي الأجور المنخفضة في دول قد لا تكون تحمي الحقوق الأساسية للناس, فبات هؤلاء يرتابون تماما من جدوي العولمة هذه. وهناك 65% من الأمريكيين ينظرون إلي ازدياد حجم التجارة بين الولايات المتحدة وسواها من البلدان كمسألة مؤذية بأكثرها للعمال الأمريكية. وهذا يؤكد علي التحول في المواقف منذ نهاية العقد الماضي, حينما كانت أكثرية مؤلفة من 56% تري أن ازدياد التجارة يساعد الشركات الأميركية إلي حد كبير, فبات الآن نصف الأمريكيين تماما (50%) يعتبرون أن التجارة تؤذي بمعظمها الشركات الأمريكية.
الأكثر من ذلك جذرية, هو أن ثمة شعور متزايد بين عامة الشعب بأن الطبقة الاجتماعية الوسطي لم تعد تشارك في ازدهار البلاد. إن استطلاعات رأي الناخبين لدي خروجهم من مراكز الاقتراع تشير إلي تآكل ثقة الناخبين في الحلم الأمريكي خلال القرن الحادي والعشرين. إذ أن نصف الذين جري استفتاؤهم, قالوا إنهم لا يملكون أكثر مما يكفيهم للاستمرار في الحياة, بينما قال 17% منهم بأن أوضاعهم في تراجع. وثمة ما هو أقل من ثلث الذين تم استفتاؤهم (31%) قالوا إنهم يتقدمون ماليا. والأكثر إثارة للعجب هو مدي التشاؤم الذي وصل إليه الأمريكيون في نظرتهم إلي مستقبل أطفالهم. فثمة 40% من الذين تم استفتاؤهم توقعوا بأن تكون حياة الجيل القادم من الأمريكيين أسوأ من حياة الجيل الحالي و28% منهم قالوا إنها ستكون شبيهة بما هي عليه الآن, و30% فقط توقعوا حياة أفضل للجيل الأمريكي القادم.
الرغبة المتزايدة في التغيير والمساءلة
إن العاصفة المتلبدة من القلق الشعبي حول القضايا الخارجية والداخلية تغذي الرغبة المتطلعة نحو إصلاح جذري في الحكومة الأمريكية. فانتخابات العام 2006 شكلت, في أوجه عديدة منها, صرخة شعبية تطلب المزيد من المحاسبة والمساءلة. إذ أن ثلاثة أرباع الناخبين كانوا قد وجدوا أن الفساد والأخلاقيات ذات أهمية مماثلة في تصويتهم في انتخابات الكونجرس, وقد جاء تشديد بعضهم علي ذلك بغزارة ملفته (41% منهم اعتبروا هذه المسألة ذات (أهمية قصوي).. وبينما قد تساعد حرب العراق في تفسير سبب تدني نسبة التأييد لأداء الرئيس الحالي, إلا أنها لا تفسر لماذا يحظي أيضا الكونجرس الجديد الذي يسيطر عليه الحزب المنافس بهذه الدرجة من التقدير المنخفض لدي المقترعين. وجاءت نسبة التأييد لسياسة الرئيس بوش عند معدل 31% فقط بينما لم تبلغ نسبة التأييد التي أعطيت إلي الكونجرس أكثر من 21%, وهي نسبة محرجة أكثر من الأولي.
باختصار, فإن الناس يطالبون بالتغيير وهم يعتبرون جميع القادة المنتخبين مسئولين عن إجراء هذا التغيير. وعليه, فإن غالبية قدرها 56% من الأمريكيين توافق الآن ”أن الحكومة الفيدرالية إنما تحتاج إلي أن تتحول بالكامل, وهذا يعني أن تجري فيها عملية تغيير جذرية شاملة”. ورغم انخفاض الثقة بالحكومة, فإن نصف الأمريكيين يرغبون في زيادة دور هذه المؤسسة في التصدي للتحديات التي تواجه البلاد. إذ أن 52% منهم يوافقون علي أن ”علي الحكومة أن تبذل المزيد في سبيل حل المشاكل ومواجهة حاجات الناس”, مقارنة بنسبة 40% فقط ممن يعتقدون ”أن الحكومة تقوم بأشياء كثيرة يحسن تركها لقطاع الأعمال والأفراد”. وباختصار, فإن اتجاهات الناخب في الولايات المتحدة تتغير في واقع الأمر, فهو أصبح أكثر تشاؤما, وأشد قلقا, وأقل شعورا بالأمان. وفي الوقت نفسه, يبقي لدي الناخب الأمريكي أمل حذر بالمستقبل. فالناخبون يبحثون عن قائد يملك إمكانات بارزة لكي يتفهم المشكلات التي تتحدي الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين, ولكي يقوم بمواجهتها وحلها, فإذا تصرف علي هذا النحو, ضمن للولايات المتحدة مكانتها في هذا العالم.
* دانيال جوتوف, هو شريك في مؤسسة ليك ريسرتش بارتنرز” في واشنطن العاصمة
يو إس جورنال