يمثل نيافة الأنبا بطرس فهيم النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك بمصر والحاصل علي الدكتوراه في اللاهوت الكتابي من الجامعة الغوريغورية بروما واحدا من أهم رجال الدين المستنيرين الذين يمتلكون رؤية واضحة لقراءة الواقع والمستقبل…أكد في حواره معنا علي ضرورة نقل ملف التنصير والأسلمة إلي المجلس القومي لحقوق الإنسان…ومكافحة الفساد والتغيير للأفضل دائما, وحذر من مخاطر النص الديني مؤكدا علي قيمة وأهمية الدولة المدنية في المرحلة الراهنة…إلي الحوار
*كيف نقرأ موقف المسيحيين من الثورة؟
**في الحقيقية عند البحث حول موقف المسيحيين من الثورة لابد أن نميز بين أمرين, فالشعب والشباب المسيحي شارك منذ البداية بلا تحفظات وبلا إذن…وبالنسبة للكنيسة القبطية الكاثوليكية أصدرت6 بيانات أكدت فيها علي منع رجال الدين من العمل السياسي والتظاهر, لكن باقي الشعب فمن حقه أن يشارك في المظاهرات التي تتفق مع الأخلاق وتطالب بالخير العام.
*وهل تغير موقف السلطات الكنسية بعد الثورة يعد تناقضا؟
**لم يكن هناك موقف رافض للثورة بل تحفظ لبيان الواقع, وعلي هذا فالتأييد للثورة لم يكن متناقضا بل هو تأكيد علي أمر أصبح واقعا وهناك شهداء دفعوا حياتهم لذلك لابد من تحية الشهداء, وأقمنا بالفعل عددا من القداسات واجتماعات للصلاة واحتفالات لتكريمهم وتعزية أسرهم.
*يري البعض أن التيارات الأصولية هي التي حصدت مكاسب الثورة فما رأيكم؟
**في الحقيقة حتي الآن لم يحصد أحد مكاسب الثورة. فنحن مازالنا في الحالة الثورية. ولم تستقر الأمور بعد, وهناك أمور ضبابية حتي أمام السياسيين ورجال العمل العام, ومازالت هناك محاولات لركوب الموجة, وإن كانت بعض التيارات المتطرفة تعلن عن حضورها فهذا أمر متوقع لأن كثيرا من هذه التيارات كان محظورا, لذلك تريد أن تعبر عن حضورها وتواجدها. المشكلة ليست في تواجدها ولكن في طريقة التعبير عن هذا التواجد.
*إذن كيف تري بروز جماعة الإخوان المسلمين وحصولها علي الشرعية بعد الثورة؟
**بالنسبة لي هذه ليست مكاسب, لأن هذه التيارات كانت موجودة في النظام السابق, فمثلا جماعة الإخوان المسلمين لو كانت محظورة بالفعل لما كانت قد وصلت لهذا في الوقت الحالي.
*ما رأيكم في حزب الجماعة العدالة والحرية.
أنا أري أن هذا الحزب نوع من خلط الأوراق, لأنه يخلط بين السياسة والدين وبذلك يسئ للسياسة والدين. ومن منظور قومي مدني سياسي وطني الأمور لاتستقيم لأن خبرة أوربا أثبتت أنه عندما اختلط الدين بالسياسة اصير الاثنان. وفي كل مرة تستخدم نفس هذه المقدمات سوف نصل لنفس النتائج.
*الكل يعتبر نموذج الدولة الدينية هو نموذج الكنيسة في العصور الوسطي كيف تري تلك التجربة؟
**ماحدث أن الكنيسة بما لها من سلطان وهيبة, وكان بابا الكاثوليك يمتلك الدورين المدني والديني, هذا جعله صاحب مشاريع سياسية ودينية. وبعد القرون التي عاشتها الكنيسة وهي تجمع بين السلطان الكنسي والمدني ظهرت بوضوح آثار سلبية علي الهوية الدينية للكنيسة وحتي المشروعات والأحلام تأثرت بالحروب والخلافات, فرجل الدين لايصلح للعمل بالسياسة لأنه ليس خبيرا بها والعكس صحيح.
*أيهما أكثر خطرا حكم رجال الدين أم حكم النص الديني؟
**الأخطر من حكم رجال الدين هو حكم النص الديني. لأن رأي رجل الدين كفقيه يمكن الاختلاف معه, أما النص لايمكن الاختلاف معه, فرجل الدين قد يقدم تفسيرات عديدة أما النص فلايمكن الاختلاف معه وإلا وقعنا في المحظور, فالدولة الدينية لا تعني فقط حكم رجال الدين ولكنها تعني بالأكثر حكم النص الديني, وأعتقد أن الدولة المدنية تفترض استلهام المبادئ والقيم والأخلاق الدينية ولكن ليس الأحكام الدينية, ولايمكن أن نتصور دولة مدنية بلا مبادئ أو قيم أما الأحكام الدينية فهي أحكام شرعية تتوقف عند حد الدين ولا تخرج عن إطاره.
*تعددت ردود فعل المسيحيين تجاه صعود التيارات الدينية مارأيكم في هذه التوجهات؟
**موقف المسيحيين في الأحداث الجارية متنوع هناك من أصابة الهلع ويريد الفرار لكي ينفذ بجلده ولايبالي إلا بمصالحه الفردية فقط ولايهمه الوطن بل دائرته الأسرية الضيقة فقط وهناك من تغلبت عليه النزعة الوطنية القومية وانتماؤه المصري وهو في سبيل ذلك يضحي بأي شئ آخر, ولايخضع لمخاوف أو تهديدات, ويؤمن بحلم الدولة المدنية الديموقراطية ويدافع عنها إلي أبعد حدود. وهم أكثرية المسيحيين.
والفصيل الثالث يحاول أن يجمع ما بين الوطن والإيمان في توازن, أي يأخذ مبادئه الوطنية من إيمانه ومخزونه الروحي, وهؤلاء يقررون البقاء في البلد علي أساس إيماني وجزء من تراثه الإنساني, وهؤلاء لايقفون علي قدم واحدة بل علي قدمي المواطنة والدين معا, ومواقفهم الوطنية تترجم إيمانهم أي يفعلون وصية السيد المسيح أن يكوننور العالم وملح الأرض.
وهناك قلة لاتدرك أبعاد المواقف ولا أبعاد التوجهات تفكر بالاستقواء بالخارج وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا, فأي طلب للتدخل الأجنبي مرفوض بلانقاش. لكن المطلوب هو الاستنارة بالخارج التي تعني أننا نعيش في عصر العولمة والفضائيات المفتوحة, كل ما يحدث في بلدنا مكشوف للعالم…فنحن جزء من منظومة دولية وفي إطار كوني وإنساني وحقوقي يجعلنا بلدا له التزاماته أمام العالم, وهذا يجعلنا نلتزم بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان مادمنا قد وقعنا عليها أو الانسحاب منها. نريد أن نعيش في دولة متحضرة, جزءا من العالم المتحضر فلا يجب أن نتنازل عن جزء من معاهدانها الدولية.
*وما الدور الذي يجب أن يقوم به المسيحيون في هذه المرحلة؟
**بالنسبة لي أعتقد أن دور المسيحيين في المرحلة الحالية هو عدم الخضوع لحالات الاستفزاز وعدم الانسياق للوقوع في الفخ المنصوب وعدم الانسحاب الناتج عن عقلية الأقلية التي في الغالب تميل للانغلاق علي ذاتها, ونحتاج لرؤية جديدة تليق بالواقع الجديد بمعني أن يكون للمسيحي موقفه الوطني الأصيل المتمسك بدينه وبأرضه وبكامل حقوقه تحت أي حكم وفي أي نظام, وأن يكون لديه شجاعة التواصل والانفتاح والحوار بلا إحساس بالدونية ولا الانهزامية ولا الانسحاب, وأن يشارك بإيجابية في بناء مجتمع مدني ديموقراطي حر يضمن لكافة أبنائه كامل حقوقهم بلا تمييز وبلا إقصاء, وأن يكون مستعدا لكي يدفع ثمن المستقبل الأفضل فلا يوجد أمر جيد بلا مقابل.
*ما أكثر المشاكل التي تواجهنا الآن؟
**ما نعاني منه الآن هو غياب الرؤية في أمور كثيرة بطريقة علمية أو منهجية, فمثلا يقال هناك غياب الأمن, وأمام هذه المشكلة كان يجب أن يكون هناك قرار واضح للشرطة من يريد البقاء والعمل في هذه الظروف يعلن عن ذلك ومن لايريد يعلن عن ذلك والذي لايريد ينصرف, وهناك أكثر من بديل مثلا استدعاء جنود الاحتياط آخر دفعات, فهم عندهم لياقة مازالت موجودة, ويحصلون علي دورة شرطية تمكنهم من التعامل مع الفوضي في الشارع والقبض علي البلطجية.
ولابد أن نلتفت للتعليم, وفي المدارس الكاثوليكية هناك ما يسمي بحصصالحياة يلتقي فيها التلاميذ للتمرين علي الحوار وقبول الآخر, فالتلميذ يربي علي قيم إنسانية أصيلة مثل العدالة واحترام الآخر…وأري ضرورة تعميم مثل هذه النماذج لتربية النشء وتدريس مادة حقوق الإنسان في كل المراحل التعليمية.
وعندي حلم آخر فمثلا منهج الدين المسيحي لابد أن يكتبه مسيحي متخصص ولكن لابد أن يوجد في لجنة المراجعة شخص مسلم يقرأ الكتاب ليوضح إذا ما كان في أسلوبه ما يخرح الآخر, ونفس الأمر بالنسبة لكتاب الدين الإسلامي.
وأيضا لأن مشاكل كثيرة وفتنا تأتي من ملف التنصير والأسلمة فلابد من نقل هذا الملف بالكامل للمجلس القومي لحقوق الإنسان وهناك يكون لقاء النصح والإرشاد…ومن يريد تغيير الدين ويكون قد تجاوز سن الرشد يقدم طلبا ويجلس مع لجنة تكون مسئولة عن بحث الحالة وتغيير الدين وإشهار الوضع واستكمال الوثائق بعيدا عن الكنيسة والأزهر والأمن فهي ليست قضية أمنية علي الإطلاق بل هي قضية إنسانية.
*هل توجد كنائس كاثوليكية مغلقة؟
**عندنا بالفعل بعض الكنائس الكاثوليكية المغلقة, نحوه كنائس لم تفتح, والحقيقة أننا لم نطلب فتحها بعد.
*وهل هناك جديد في ملف كنيسة حجازة؟
**كنيسة حجازة هناك قرار ببنائها منذ 18 عاما, والوقف كان أمنيا وتحدثنا مع مسئولي أمن الدولة في ديسمبر الماضي. وقالوا لنا لابد من التفاهم مع الأهالي. ومازال الوضع كما هو وإن كنا نتمني تغييره بعد الثورة ونتمكن من تنفيذ التصريح بالبناء.