ميلاد السيد المسيح الذي حدث منذ ما يقرب من ألفي عام ليس حدثا معتادا عارضا بل هو سر عظيم يقول عنه معلمنا بولس الرسول: بالإجماع عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد اتي 3:16, وتعريف السر -كنسيا- هو فعل غريب علي الطبيعة الملموسة وارتفاعه فوق العادة والقانون وله من الأبعاد غير المرئية وغير الملموسة ما يفوق المدرك والمحسوس لذلك يقف العقل البشري عاجزا عن إدراك فهمه واستيعاب مضمونه إلا إذا أعطي للإنسان نعمة من فوق للإدراك والفهم وكل هذا ينطبق علي سر التجسد.
صاحبت ميلاد السيد المسيح أحداث عجيبة فريدة لم تحدث في ميلاد أحد من البشر.. عن تلك الأحداث يخبر أشعياء بروح النبوة قائلا: يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرئاسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام أش 9:6 لقد أشرق مولود بيت لحم بنور حبه العجيب فصار ميلاده في عالمنا أشبه بأشعة الفجر التي اخترقت الظلام وبددته ومنذ تلك اللحظة فاض الرجاء الحي في قلوب البشر فأصبحت حياة الإنسان متألقة بنور الرجاء إذ جاء السيد المسيح إلي الأرض ليؤكد للمؤمنين باسمه أنهم ليسوا بمفردهم, ليسوا يتامي متروكين في عالم بائد, بل هم ورثة مملكة الله الأبدية.. رعية مع القديسين وأهل بيت الله أف 2:19 جاء حاملا إليهم السلام فهو رئيس السلام .. هذا السلام لا يستطيع أحد أن ينزعه منهم.. جاء ليكون معنا.. ونكون في معيته ويدعي اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا مت 1:23.
إن عقيدة التجسد ثابتة وراسخة في فكر الكنيسة وأعماق المؤمنين فهي ملحمة حب جارف من الله نحو البشر يعبر عنها الكتاب المقدس بقوله: بهذا أظهرت محبة الله فينا أن أرسل ابنه الوحيد إلي العالم لكي نحيا به 1 يو 4:9 إذ بواسطة التجسد اتحد الله بالإنسان وبالطبيعة الإنسانية كما يقول القديس بطرس الرسول شريكا في الطبيعة الإلهية 2 بط 1:4 وهو ما عبر عنه مار أفرام السرياني بقوله: في مولدك وتجسدك لبست أنت يارب جسدنا المنظور لكيما نلبس نحن جسدك غير المنظور جسدنا صار رداء لك.. وروحك صارت رداء لنا.. أي أن التجسد قد طال بمفاعيله الكيان الإنساني كله بعدما اتخذ الرب جسدا وانضم إلي عداد البشر.. لقد وهبنا مما له وأغنانا من نعمته فصرنا شركاء طبيعته الإلهية أي شركاء نعمته وغناه.. ياللمحبة الإلهية الفائقة!!.. وياله من حق مجيد!! إذ بميلاد المسيح صرنا نري طبيعة الله في نور جديد!.