صالح النفس مع الجسد (1)
وهكذا تكون الغرائز كلها لخير الإنسان, مادامت منضبطة, تقودها الحكمة, ويقدسها روح الله الساكن فينا. والإنسان الروحي – كما يعلمنا قداسة البابا ##هو الإنسان الذي روحه تقود جسده, والروح القدس يقود روحه##. وهذا هو الجهاد المطلوب منا, أن نشبع بوسائط النعمة, لكي يصير روح الله قائدا لأرواحنا, وأرواحنا قائدة لأجسادنا.
هذه هي المصالحة الثالثة, التي أنجزها الرب يسوع بفدائه المجيد, وعمل روحه القدوس فينا. إنها مصالحة النفس مع الجسد, داخل الكيان الإنساني بحيث يصير الإنسان سعيدا بالرب, مقدسا بنعمته, متصالحا مع الله, ومع الآخرين, ومع نفسه… لا يعاني ثنائية أو انقساما ولا صراعا داخليا بين الجسد والروح.
مكونات الإنسان:
يتكون الإنسان من: جسد يتحرك, ونفس تشعر, وعقل يفكر, وروح تصلي.. ثم إذ يتفاعل بمكوناته هذه مع الآخرين, سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو المجتمع, يأتي البعد الاجتماعي في الشخصية الإنسانية. بهذا تكون أبعاد الشخصية الإنسانية خمسة وهي:
أولا: الجسد :
الذي به نسعي ونتحرك من مكان إلي مكان, الإنسان المسيحي لا يبغض هذا الجسد بل ##يقوته ويربيه## (أف 29:5).
بمعني أننا نرفض النسك المنحرف الذي يضر الجسد والصحة العامة, كما أننا نعطي الجسد احتياجاته من غذاء وراحة وعلاج, والمهم أن لا نسمح له بأن يكون القائد لسفينة حياتنا, بل كما قال الرسول بولس: ##اقمع جسدي واستبعده, حتي بعد ما كرزت للآخرين, لا أصير أنا نفسي مرفوضا## (1كو 27:9).
والقمع هنا ليس للجسم, بل لتيار الإثم العامل في الجسم, أما الجسم, فنضبطه بالصوم والصلاة والسهر والمطانيات, ليسير متسقأ مع الروح, في رحلتها إلي الله, وعشرتها مع السمائيين. والإنسان المسيحي يحرص علي جسده مما يضره ويؤذيه, فيرفض إدمان التدخين, الذي يدمر الرئتين والقلب, وإدمان الخمور, الذي يؤدي إلي سرطان الكبد والمثانة, وإدمان المخدرات الذي يؤدي إلي تآكل خلايا المخ. كما يحرص المسيحي علي الالتزام بقيم الطهارة والعفة, حتي لا يسقط فريسة الأمراض المنقولة جنسيا مثل: السيلان, والزهري, والهربس, والكالاميديا, والإيدز… إلخ.
ثانيا: النفس :
وهي التي بها نشعر ونحس, إذ هي تشمل مكونات أساسية :
1- الدوافع أو الغرائز :
مثل غريزة الجوع والعطش والخوف والجنس وحب الحياة وحب الاقتناء وحب الاستطلاع… وهي جميعا -كما نري- غرائز مقدسة وأساسية لاستمرار الحياة الإنسانية, وامتداد البشرية من جيل إلي جيل. المهم أن لا تقودنا غرائزنا, بل نقودها نحن بنعمة الله وأمانة الجهاد, فكم من إنسان سار وراء غريزته فقادته إلي الموت, مثل شمشون, وأمنون.
والغرائز أساسية للحياة فمثلا:
-الجوع والعطش : أساسيان لاستمرار الحياة الشخصية.
-والخوف : يجعلنا نحرص في مسالكنا ومساكننا حتي لا نؤذي..
-والجنس : هو أساس امتداد البشرية من جيل إلي جيل…
-وحب الحياة : يجعلنا نحرص علي حياتنا من الأمراض والمخاطر.
-وحب الاقتناء : يجعلنا ننمي حياتنا, لنحيا حياة هانئة.
-وحب الاستطلاع : هو حافز الاكتشافات والاختراعات العلمية, فهو مثلا الحافز الذي اكتشف القارة الأمريكية بما فيها من خيرات ومياه ومعادن ونفط…. إلخ.