يذكر رياض سوريال في كتابه المجتمع القبطي في مصر أن أول من طالب باستقلال مصر عن الدولة العثمانية كان المعلم يعقوب حنا عام 1801م, ونشرت المجلة التاريخية تحت عنوان مصر المستقلة مشروع سنة 1801 إن فكرة الاستقلال المصري نشأت في كنف حملة نابليون بونابرت وأشرق نورها في نفوس المصريين في مستهل القرن التاسع عشر علي يد المعلم يعقوب حنا, أكد هذه الحقيقة التاريخية د. شفيق غبريال في كتابه الجنرال يعقوب ومشروع استقلال مصر سنة 1801 إذ أشار إلي أن المعلم يعقوب هو الوحيد الذي رأي الاحتلال الفرنسي لا يعتبر فترة سيئة في حياة مصر بل بدء حياة جديدة لمصر والمصريين مهدت لها الحملة الفرنسية بقطع التبعية العثمانية وهدم قوة المماليك.
نشر المؤرخ المصري محمود الشرقاوي في كتابه مصر في القرن التاسع عشر شهادة عن وطنية الأقباط فقال: أما موقف الغالبية من الأقباط وعلي رأسهم جرجس الجوهري فهو نفس موقف إخوتهم المسلمين وهو الكفاح ضد المحتلين فقد اشتركا في معركة إمبابة ضد الفرنسيين.
الأقباط ومشروع قناة السويس:
عندما عرض علي محمد علي مشروع حفر قناة لتصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر, شكلت لجنة لدراسة المشروع وأشار بعض رجال الدولة بإسناد تنفيذ المشروع إلي شركة أجنبية. ولكن المعلم غالب رئيس ديوان محمد علي اعترض قائلا: إذا كان لابد من إنشاء قناة فلتنشأ بمال مصري لتكون في أيدي أبنائها حتي لا تكون في مصر سيطرة أجنبية تؤدي للمنازعات في المستقبل فتضر من حيث يراد بها النفع فما كان من محمد علي إلا أن أيد رأي المعلم غالي القبطي ورفض المشروع وقد أثبتت الأيام صواب رأي المعلم غالي بعد تولي شركة أجنبية تنظيم مقر قناة السويس وإدارتها في عهدي سعيد وإسماعيل وما جرته علي مصر من تدخل أجنبي أدي في النهاية إلي العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 بعد قيام الزعيم جمال عبدالناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية في 26 يوليو 1956.
الأقباط وثورة 1919
يقول سعد زغلول إن ثورة 1919 أوجدت الاتحاد المقدس بين الصليب والهلال, لقد برهن الأقباط في مواطن كثيرة علي إخلاص شديد وكفاءة نادرة وأفتخر بأني أعتمد علي كثيرين منهم.. ولولا وطنية الأقباط وإخلاصهم لتقبلوا دعوة الأجانب لحمايتهم, وكانوا يفوزون بالحياة والمناصب بدل النفي والسجن والاعتقال ولكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين ومحرومين من المناصب والجاه والمصالح ويذوقون الموت علي أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائكم. وقد أظهر الأقباط ولاءهم وإخلاصهم لزعامة سعد. التف حوله أثناء خلافه مع عدلي يكن ثلاثة من الأقباط الكبار هم واصف بطرس غالي وسينوت حنا وويصا واصف, وكان مكرم عبيد بين الشباب الأقباط المحيطين بسعد زغلول.
القبطي الفدائي سينوت حنا
كتب جمال بدوي المؤرخ والكاتب الصحفي عام 1986 في رحلة الزعيم مصطفي النحاس في المنصورة شعر سينوت حنا بأن رحلته لن تمر في سلام وأن حكومة صوفي لن تتورع عند تدبير خطة لاغتياله فأصر علي موافقته حتي يفتديه إذا تعرض لمكروه, وفعلا لمح أحد الجنود يوجه الحربة إلي صدره فما كان منه إلا أن تقدم للأمام ليفتدي الزعيم ويتلقي الطعنة القاتلة في جسده فانغرست في كتفه وسالت دماؤه الذكية علي ملابس مصطفي النحاس الذي احتضنه, أما البطل الجريح فنقل فورا إلي القاهرة حيث أجريت له جراحة سريعة لإنقاذه. وتحول المستشفي كما تحولت داره إلي قبلة يرتادها أبناء الوطن مسلمين وأقباطا.
واصف غالي
هو ابن زعيم مصر بطرس غالي باشا رئيس وزراء مصر الأسبق, وكان يتحدث عن الوزراء بين عنصري الأمة قائلا: إن هذا الوفاق لا يحتاج إلي لجان ومؤتمرات وموائد, وأنا شخصيا تناسيت الحملات التي وجهها بعض الكتاب ضد والدي بطرس باشا غالي, فهلموا إذا معشر المسلمين والأقباط ولنضم بعضنا البعض كالبنيان المرصوص, والعمل جميعا بإخلاص لما فيه خير البلاد. وواصف غالي باشا حين قال له بعض الرجعيين كيف تضع يدك في يد من قتلوا والدك فقال مقولته المشهورة أفضل لي أن أضع يدي في أيدي من قتلوا والدي من أن أضعها مع من يقتلون وطني.
ويصا واصف محطم السلاسل
يسجل التاريخ لويصا واصف رئيس مجلس النواب أنه عندما رأي أن إغلاق الملك للبرلمان سيعطل جلساته بشكل مناف للدستور, وهو أمام بوابة البرلمان يأمر الحراس بتحطيم السلاسل التي تحول دون دخول نواب الشعب وقال قولته المأثورة إن هذا المبني له قدسيته فهو يتبع السلطة التشريعية التي تراقب كل تصرفات الحكومة, وهي سلطة اختار أعضاءها الشعب المصري وأن وضع الحكومة السلاسل علي بوابة البرلمان هو اعتداء صارخ علي سيادة الشعب.
اللواء فؤاد عزيز غالي
من القادة البارزين لحرب أكتوبر 1973 شارك مع جنوده في رفع أول علم علي منطقة الجيش الثاني في مدينة القنطرة, وأول من حرر أرضا مصرية في سيناء التي كانت تحتلها قوات إسرائيل في أعقاب حرب 1967م.
القمص سرجيوس
أحد عمالقة الإكليروس الوطنيين, كان صحفيا بارعا منذ أن كان في السودان يصدر مجلة المنارة المرقسية التي حولها عندما عاد للقاهرة إلي المنارة المصرية لقبه الزعيم سعد زغلول بخطيب مصر وثورة 1919. وكان له دور البطولة في إرساء قواعد الوحدة الوطنية خلال ثورة 1919 إلي أن كان أول قسيس يعتلي منبر الأزهر ويخطب ضد الإنجليز. ويوم الإفراج عن زعيم الأمة سعد زغلول استمر يخطب في ميدان الأوبرا فوق عربة حنطور زهاء التسع ساعات حتي ألهب الحماس في قلوب الشعب. وكان علي علاقة قوية بعلماء الأزهر منهم الشيخ مصطفي القاياتي والشيخ محمد أبوالعيون والشيخ الزنكلوني والشيخ عبداللطيف دراز وغيرهم ممن كانوا يذهبون إلي كنيسة مارجرجس بالقللي وكنيسة حارة الروم ليلقوا خطبهم الوطنية, وهم يرفعون مع الشعب الأعلام الجديدة وقد رسم عليها الهلال يعانق الصليب. وبهذه الصورة الرائعة استطاعت مصر أن تفوت علي المستعمرين مآربهم في إفساد وحدة الأمة ونسيجها الواحد.
أنطون سيدهم
ولد في طنطا في 3 مارس 1915 عمل محاسبا قانونيا بعد تخرجه في كلية التجارة جامعة فؤاد الأول. كانت تشغله قضايا مصر والكنيسة القبطية, وطالما فكر في إصدار صحيفة تكون بمثابة الباب الذي يعبر فيه وزملاؤه الوطنيون عن آرائهم وأفكارهم فجاهد في سبيل الحصول علي حق امتياز إصدار جريدة وطني عام 1957, كما ساهم في تأسيس بنك النيل. انتخب عضوا بمجلس الشعب المصري نائبا عن دائرة شبرا بالحزب الوطني الديموقراطي في عام 1984, واختير عضوا في لجنة الشئون الاقتصادية في هذه الدورة. كما انتخب عضوا في المجلس الملي أكثر من مرة. كرمته الدولة في حياته إذ منحه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر نوط الامتياز في العمل الاجتماعي عام 1966, وبعد وفاته في 22 مايو 1995 منحه الرئيس حسني مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الثانية. أما الشعب المصري فقد منحه بأقباطه ومسلميه محبته واحترامه وتقديره لدوره النضالي وجهاده الطويل من أجل وحدة نسيج الوطن.
** هناك شخصيات أخري يعجز القلم عن حصرها مثل مكرم عبيد وفخري عبدالنور وأبوسيف يوسف ووليم سليمان قلادة وعريان نصيف وإستير فهمي وفيليب جلاب.. وهذه الشخصيات تستحق أن ننشر عنها وعن مواقفها في عدد لاحق.