الموائد الملكية .. أصول وبروتوكولات
* فؤاد يتابع بنفسه إعداد المائدة
*التقتير سمة مأدبة فاروق
الموائد الملكية تحكمها.. أصول وقواعد وبروتوكولات بسياج من الوقار أقرب للصرامة فيما يتعلق بتوقيت دخول الضيوف لقاعة الطعام وترتيب جلوسهم وآداب الحديث أثناء الطعام, كذلك ما يتعلق بدخول الملك ومغادرته للمائدة وغيرها, حفاظا علي هيبة صاحب الدعوة ملك البلاد.
أظنك في حالة اشتياق للتعرف بشئ من التفصيل علي الموائد الملكية في مصر.
المآدب الملكية بالقصر الملكي أربعة أنواع: مآدب غذاء, مآدب عشاء, إفطارات شهر رمضان, وحفلات شاي.
بأمر من الملك يوجه الدعوة إلي هذه المآدب كبير الأمناء, وتذكر المناسبة في بطاقات الدعوة, ويراعي إرسال البطاقات قبل موعد المأدبة بأسبوع, وحضور المدعوين إلي مآدب الغذاء وإفطار رمضان وحفلات الشاي يكون بالبدلة الرونجوت السوداء شتاء, والرمادية صيفا.
وفي مآدب العشاء والمناسبات الرسمية لتكريم ملك أو رئيس دولة أجنبية يكون الحضور فيها ببدلة التشريفة والنياشين.
وترتيب الجلوس إلي المائدة تراعي الأسبقية فيه للمدعوين الذين يكونون من البيت الملكي, ثم أصحاب المقامات والرتب والنياشين من المصريين.. أما المدعوون من كبار الأجانب والجاليات فيطلب من ممثليهم السياسيين ترتيب أسبقيتهم وإبلاغ القصر بها.
المائدة الكبري بقصر عابدين علي شكل حرف (U) أما في قصر رأس التين فتكون علي شكل دائرة, ويكون الملك في الصدارة وفي مواجهة أكبر شخصية حاضرة من البيت الملكي, وعند تشريف جلالة الملك قاعة المائدة تعزف الموسيقي السلام الوطني أو سلام دولة الضيف إذا كان رئيس دولة, ثم السلام الوطني, وتختم المآدب بالسلام الوطني.
أما عن عادة الملوك في الموائد, لو بدأنا بعهد فؤاد الأول, أول ملوك مصر من أبناء الأسرة العلوية لتأكدنا من خلال المراجع التاريخية المتعددة أن المائدة الملكية كانت تحظي باهتمام الملك شخصيا, إذا كان شديد الحرص علي أن تكون الأطعمة المقدمة علي مائدته علي درجة عالية جدا من حيث الجودة والإتقان, وكان يدخل جلالته شخصيا قاعة الطعام قبل حضور الضيوف, ويطوف بأرجاء المائدة فاحصا متفحصا كل ما عليها, حتي الأطباق كان يقلبها بيديه ليتأكد من أنها لا تشوبها شائبة أو ما يسئ لشكلها العام. وأثناء تناول الطعام كانت عينا فؤاد تراقبان الخدمة, حتي إذا انصرف هؤلاء الضيوف دعا جلالته القائمين علي أمر المائدة, إما لتهنئتهم أو لتأنيبهم جراء ما لاحظ من أخطاء أو تقصير.
أما الملك فاروق فلم يكن يهتم بشئ من هذا كله ولم يكن يهتم بما يقدم للضيوف من سرفيس طعام, ولم يكن حريصا علي أن الطعام علي قدر من الجودة والإتقان كما كان والده, فالطعام كان دائما علي نمط واحد وكانت المائدة الملكية تقدم كميات لا تليق بعدد المدعوين فيكون نصيب كل واحد منه عينة لا أكثر.
الشئ الوحيد الذي كان يهتم به الملك فاروق في تلك المآدب الرسمية هو أن تنتهي بسرعة وأن يتخلص من (جوها) بأسرع ما يستطيع.
لم يكن فاروق يتناول وجباته في حجرة الأكل إلا في المناسبات الرسمية, أما في الأيام العادية فكانت تعد له مائدة صغيرة يتعاون سفرجيان علي حملها إلي الجناح الخاص به.
وقد تستغرب أيها القارئ عندما تعلم طبقا لمذكرات كريم ثابت فاروق كما عرفته إن المطابخ الملكية كان يصرف عليها ما لا يقل عن 18000 جنيه سنويا, حيث كان للمطابخ الملكية مكاتب لإدارتها , وكانت تستخدم أحدث وأدق وأسرع الأجهزة لإعداد الطعام دون استعمال الأيدي إلا في حالات الضرورة القصوي, وبجوار المطابخ غرفة تبريد كهربائية تحفظ فيها الأصناف السريعة التلف.
وكان يقوم بإعداد الطعام عدد كبير من الطهاة والسفرجية التابعين لإدارة القصور التابعة لوزارة المالية, وكان السفرجي الأول موظفا من الدرجة الخامسة.
كما يوجد متحف فضيات في كل القصور الملكية يحوي كل لوازم الحفلات والمآدب الرسمية من سرفيس وأطباق وأطقم متنوعة وكلها من الفضة الخالصة وأغلبها يرجع إلي عهد الخديو إسماعيل, فضلا عن عدد كبير يكاد يكون خاليا من الأطباق المذهبة وغيرها من الشمعدانات وبعض الأباريق, فضلا عن الدوارق الكريستال.. إلخ.
تكتب قائمة الطعام كل يوم بالفرنسية, عدا شهر رمضان فتكتب بالعربية نظرا للمآدب التي تقام طوال الشهر.
ويبقي لنا أن نتكلم عن الأطعمة التي كان يفضلها فاروق رغم مظاهر التقتير التي أحاطت بمائدته الملكية الرسمية.. لم يكن يحب الخضراوات بوجه عام فكان معظم طعامه يتألف علي المائدة في كل من وجبتي الغذاء والعشاء, وكان مغرما بالمكرونة الإسباجيتي مع الثوم والأنشوجة, وكان لابد أن يشاركه الجميع في أكلها بأمر ملكي, ولم يكن شغوفا بالفاكهة وكان يفضلها مطبوخة (الكامبوت).
ومن نزواته في الأكل أنه اشتهر بأكل البسكويت أثناء لعب الورق في نادي السيارات, فكان يضع إلي جانبه طبق البسكويت وكوب من الماء ليغمس البسكويت في الماء ليتمكن من بلعه دون مضغه, كذلك اشتهر بأكل المربي دون خبز وعندما ينتهي من نصف البرطمان يطلب نوعا آخر من المربي, ومن نزواته أنه كان يقول إن كل من يعصر ليمون علي السمك أو الكافيار لا يفهم في الأكل.
أما شرابه المفضل فكان البيبسي كولا ولا يشرب الكوكاكولا وذلك لأنه كان يملك عددا كبيرا من أسهم الشركة الأولي, فكان يري في استهلاكه لإنتاجها دعاية لها.
كان فاروق دائما لطيفا مع السفرجية والجرسونات الذين كانوا يتولون خدمته.